إيلاف من الرباط: توفيت الاحد بالدار البيضاء، عائشة الشنا، الناشطة الاجتماعية والمدافعة عن حقوق المرأة والطفل، عن سن يناهز 81 عاما، إثر أزمة صحية.وتلقب الشنا ب "أم الأمهات العازبات"، و"ماري تيريز" المغرب، و"أيقونة العمل الإنساني" بالمغرب؛ لذلك سارع الرأي العام المغربي، بمختلف أطيافه، للتعبير عن مشاعر الحزن وعظيم الامتنان، بعد وفاة سيدة عرفت بنضالها ودفاعها عن قضايا الطفل والمرأة، على مدى عقود.
وكتب الصحافي محمد أحداد على حسابه ب"فيسبوك": "يفقد المغرب اليوم، واحدا من وجوهه المشرقة، التي كرست حياتها للدفاع عن المستضعفين بسخاء ونكران ذات. في كل واحد منا ذكرى من عائشة الشنا: ابتسامتها وهي تستقبلك في المركز باحثا عن قصة إنسانية مؤلمة، حضورها الذي يحمل هالة من القداسة وهي تشارك في الأنشطة الاجتماعية، صوتها المتقطع في الراديو وهي تعري حقيقة مجتمع منافق مؤمن بالمظاهر. وداعا عائشة الشنا، أيقونة المغرب الحديث، والمناضلة الشرسة عن حقوق النساء والأطفال". فيما كتبت الشاعرة والقاصة منى وفيق: "رحيل أم بحجم وطن .. امرأةٌ أكبر من أي نعي .. تغيب اليوم أمنا العظيمة عائشة الشنا التي كانت تدس حنانها بين شقوق أبوابهن في ليال حالكة .. قلب المغرب باردٌ اليوم"؛ وكتب الصحافي يونس مسكين: "رحمها الله .. لم تكن مجرد إنسانة، كانت قلبا كبيرا يمشي بين الناس".
من جهتها، كتبت الباحثة والأستاذة الجامعية العالية ماء العينين: "تعرفت على عائشة الشنا بشكل شخصي في بداية الألفية الثالثة، عندما جمعتنا الدورة الاستثنائية، للأمم المتحدة بنيويورك، الخاصة بالطفولة، ضمن الوفد المرافق للأميرة لالة مريم، وكنت قبل ذلك أعرفها من عملها ونضالها وكتاباتها. وعندما كنا نلتقي في المؤتمرات والندوات، كان يزداد يقيني بأن هذه المرأة اللطيفة الطيبة تلاقحت في روحها قوة نساء وطن بأكمله ... لن أنسى أبدا، أول زيارة قمت بها إلى المركز الذي حققت من خلاله حلم لم شتات نساء لفظهن المجتمع والأسر، فكانت بيتهن الذي لا يغلق أبوابه، كانت تتحرك بين جوانبه سعيدة وحزينة ومليئة بالأمل في غد أفضل".
واستحضر الكاتب محمد إيعزة، نضالات الشنا والاعتراف الذي حظيت به داخل وخارج بلادها، حيث كتب: "وداعا عائشة الشنا أيقونة العمل الإنساني. تعازي الحارة في مناضلة شامخة وعظيمة ذات إيثار وعطاء بلا حدود. عائشة الشنا، الزوجة والأم والجدة، الفخورة بمغربيتها، جابت مختلف بلدان وقارات العالم، مما جعلها تغني تجربتها الكونية عن العمل التضامني، للدفاع في المغرب عن أمهات تركتهن الحياة وحيدات أمام مسؤولية الحمل والإنجاب بالإضافة إلى معركتها الشخصية لمواجهة داء السرطان".
وتحدث إيعزة عن إعجاب الراحلة الكبيرة فاطمة المرنيسي بالشنا وكتابها "ميزريا"، حين كتبت: "أخاف عائشة الشنا لأنني وأنا أقرأ كتابها انتبهت إلى أن انشغالي الأهم وأنا أكتب هو كيف أغوي قارئي وأنال إعجابه، فيما الشنا تكتب لتزعج وتثير الأعصاب، ولتزجّ بنا وسط مغرب الحقائق المريعة التي لا تُحتَمل".
وأشار إيعزة إلى أن الشنا تحكي في "ميزريا" قصصا مؤثرة لعشرات الضحايا: "خادمات صغيرات السن وأطفال الشوارع أهملهم آباؤهم، وولوا إلى غير رجعة.. تتشابه الحكايات وتتغير فقط الأماكن والأسماء. تتحمل جمعية التضامن النسوي مسؤولية رعاية الأمهات العازبات وتخفف عنهن معاناتهن وتساعدهن في الاندماج داخل محيطهن. ترفض الشنا أن يصف الآخرون هؤلاء الضحايا بألقاب أخلاقية منحطة، وتركز على البعد الإنساني في هذه القضية بقلب كريم حاضر للحب، لتكون النتيجة مذهلة للغاية: الجميع يعتبرها أُماً ثانية كرست وقتها وجهدها للدفاع عن فتيات غدر بهن الزمن".
ولدت الشنا بالدار البيضاء، في 14 أغسطس 1941. بدأت عملها كممرضة، قبل أن تؤسس في 1985، جمعية التضامن النسوي الخيرية، بالدار البيضاء، لمساعدة الأمهات العازبات والنساء ضحايا الاغتصاب.
نظرا لطبيعة وقيمة العمل الذي قامت به، حازت الشنا على عدد من الأوسمة والجوائز التقديرية داخل وخارج بلدها، بينها جائزة حقوق الإنسان من الجمهورية الفرنسية في 1995، ووسام الشرف من يد الملك محمد السادس في 2000، وجائزة إليزابيت نوركال بفرانكفورت في 2005، ووسام جوقة الشرف من درجة فارس من الجمهورية الفرنسية في 2013، فضلا عن جائزة أوبيس للأعمال الإنسانية بمينيالوبوليس الأميركية في 2009، والتي تناهز قيمتها مليون دولار، والتي قالت عنها الشنا إنها ستكون ضماناً لاستمرارية مؤسستها بعد وفاتها .