إيلاف من لندن: فيما كشفت الامم المتحدة الخميس عن اختفاء ما بين 250 ألفا الى مليون شخص في العراق قسريا فقد طالبت سلطاته بوضع استراتيجية شاملة للبحث والتحقيق في جميع حالاته.

ودعت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري العراق الى وضع الأسس لمنع هذه الجريمة البشعة التي قد يصل عدد ضحاياها إلى مليون شخص. ورحبت اللجنة في تقرير لها عن زيارتها الى العراق في تشرين الثاني نوفمبر الماضي وتابعته "ايلاف" بأعتراف السلطات العراقية بالتحديات العديدة والخطيرة التي تواجهها في معالجة الوضع .. لكنها عبرت عن قلقها إزاء الانتشار الواسع لممارسة الاختفاء القسري في معظم المناطق العراقية على مدى فترات مختلفة فيما يسود الإفلات من العقاب ومعاودة الإيذاء مع استمرار الأزمة.

شهادة أم
وسلطت اللجنة الضوء على شهادة أم تظهر النمط النموذجي المستمر لحالات الاختفاء اذ قالت "ذهب ابني لزيارة ابن عمه. اتصلت به بعد وقت قصير من مغادرته... أجاب، قائلا إنه كان عند نقطة تفتيش وأن بعض الرجال في الزي العسكري كانوا يتفقدونه وأنه سيعاود الاتصال بي بعد ذلك مباشرة. لم يفعل أبدا. ومنذ ذلك الحين، بحثت عنه في كل مكان، في جميع السجون، مع جميع السلطات. لكن لا شيء، لا شيء، لا شيء".

موظفون عراقيون متهمون
كما ركزت اللجنة على حالة الأطفال الإيزيديين الذين ولدوا بعد تعرض أمهاتهم للاعتداء الجنسي في مخيمات داعش.. واشارت الى ان بعض الأمهات أجبرن على ترك أطفالهن في دور الأيتام بعد عودتهن إلى العراق.
واضافت انه عندما عُدنَ لاسترجاعهم، قيل لهن إن أطفالهن "أعطوا" لأسر أخرى.. منوهة الى أن هناك ادعاءات بضلوع مباشر لبعض موظفي الدولة في هذه الحالات.


شعارات ضد الاختفاء القسري يرفعها متظاهرون عراقيون في وقت سابق (تويتر)

خمس موجات من الاختفاء
وتوضح اللجنة ان التقديرات الرسمية تشير إلى اختفاء ما بين 250 ألفًا الى مليون شخص في العراق منذ عام 1968 بسبب النزاعات والعنف السياسي.
وأكدت على انه في حين أنه من المستحيل تقديم أرقام أكثر دقة، فقد لخصت اللجنة خمس موجات من الاختفاء، بما في ذلك حالات الاختفاء القسري التي عانى منها جميع العراقيين على مدى العقود الخمسة الماضية:
عام 1968 إلى عام 2003: حكم حزب البعث وحملة إبادة الأكراد.
منذ غزو واحتلال الولايات المتحدة وحلفائها عام 2003.
عام 2014 إلى عام 2017: إعلان داعش الخلافة على جزء من أراضي العراق.
العمليات العسكرية التي قامت بها قوات الحشد الشعبي لاستعادة المدن الرئيسية من داعش
احتجاجات 2018-2020 التي جمعت أشخاصا من جميع الخلفيات الدينية والعرقية ضد اوضاع البلاد واستشراء الفساد والمحاصصة.

دعوة لاستراتيجية تحقيق فورية
وحثت اللجنة العراق على إدراج حالات الاختفاء القسري كجريمة منفصلة في التشريعات الوطنية بشكل فوري حتى يمكن محاكمتها على هذا النحو، كما دعته إلى وضع استراتيجية شاملة للبحث والتحقيق في جميع حالات الاختفاء.
وقالت إنه يجب على العراق أن ينشئ فورا فريق عمل مستقلا للتدقيق بشكل منهجي في سجلات جميع أماكن الحرمان من الحرية مع أسماء جميع المحتجزين، وتسجيل جميع المحتجزين وإبلاغ أقاربهم بأماكن وجودهم.
وأوصت اللجنة بإنشاء لجنة تقصي حقائق مستقلة لمعالجة الادعاءات بشأن إدارتها لأماكن الاحتجاز السرية، التي ينفي العراق وجودها.

تدخل عاجل
كما دعت اللجنة إلى اتخاذ تدابير تشريعية وقضائية لضمان اعتبار أي فرد تعرض لضرر كنتيجة مباشرة للاختفاء، ضحية على النحو الرسمي ويحق له التمتع بالحقوق الواردة في الاتفاقية الدولية لحماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري.
وشددت على أن أبعاد الاختفاء القسري في العراق، بكافة انواعه ونطاقاته، يتطلب تدخلا عاجلا ومتضافرا من جانب الدولة والبلدان المجاورة لها والمجتمع الدولي بأجمعه.

مرصد: الاف المغيبين في سجون سرية للمليشيات
وكان مرصد حقوقي عراقي قد كشف في 11 كانون الاول/ ديسمبر الماضي عن وجود 420 مكانا للاحتجاز لم تكشف عنها أي حكومة
عراقية موضحا ان 11 الف عائلة قد تم ابلاغها عن فقدان ذويها خلال الاعوام الثمانية ألماضية خاصة في الفترة بين عامي 2017 و2022 وهي الفترة التي شهدت سيطرة تنظيم "داعش" على ثلث الأراضي العراقية قبل أن تحررها القوات العراقية أواخر عام 2017.
واشار المرصد وهو مؤسسة غير حكومية في تقرير له اطلعت عليه "ايلاف" الى انه ربما هناك عدد أكبر من المفقودين والمغيبين قسراً لكن عائلاتهم لم تتخذ الإجراءات القانونية للإبلاغ عنهم .. مؤكدا ان "هذه القضية تضع العراق في صدارة الدول التي تشهد عمليات فقدان وتغييب قسري".

رئيس البرلمان فجر قضية المغيبين
وجاء الكشف عن هذه المعلومات بعد ان فجر رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي قبل ذلك بأيام قضية المغيبين قائلا في تصريحات متلفزة "يجب أن نُصارح الناس بحقيقتهم ونغيّر اسمهم أولاً إلى المغدورين وليس المغيبين: مغدورين فارقوا الحياة".
واشار الى انه من غير الصحيح الاستمرار بتضليل عوائلهم منذ عام 2014 ولغاية الآن بعد ان غُيّبوا أوتمّ اغتيالهم في تلك الفترة" داعيا السلطات الى اعتبارهم شهداء ومنح عائلاتهم حقوقهم .

420 مكاناً للاحتجاز السري
ورجح المرصد وجود الآلاف من المفقودين والمختفين قسراً في أماكن احتجاز بعيدة عن أعين مؤسسات الدولة العراقية في أماكن لا تستطيع حتى السلطات العراقية الرسمية الوصول إليها .
وأشار الى انه قد وجهت اتهامات كثيرة الى مليشيات مسلحة في الحشد الشعبي وخارجه حول إدارة هذه الأماكن. ونوه الى ان معلومات نشرتها اللجنة المعنية بحالات الاختفاء القسري في الأمم المتحدة العام الماضي تشيرالى أن "هناك 420 مكاناً للاحتجاز السري في العراق" وهذه المعلومات تتطابق نوعاً ما مع مصادر حكومية قابلها المرصد العراقي لحقوق الإنسان وتشير إلى أن "السلطات العراقية تعترف في اجتماعاتها الخاصة بوجود أماكن احتجاز سرية".
وأضاف ان أماكن الاحتجاز متعددة وليست في مناطق معينة فهي في محافظات بغداد والأنبار ونينوى وبابل.