فسوطة (اسرائيل): أعلنت إسرائيل أنّ أكثر من 30 صاروخاً أُطلقت عصر الخميس من جنوب لبنان باتّجاه أراضيها الشمالية، في قصف أوقع جريحاً وأضراراً مادّية وأكّدت الدولة العبرية أنّها "نيران فلسطينية" وليست هجوماً مباشراً من حزب الله.

وقال المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي الكولونيل ريتشارد هيشت للصحافيين "نعلم علم اليقين بأنّ هذه نيران فلسطينية. قد يكون من أطلقها حماس، وقد يكون الجهاد الإسلامي. ما زلنا نحاول التوصّل إلى نتيجة نهائية بشأن هذه النقطة، لكنّه لم يكن حزب الله".

وأضاف "ننطلق من مبدأ أنّ حزب الله كان على الأرجح يعلم بأمر هذا القصف، وبأنّ لبنان يتحمّل قسماً من المسؤولية" عن إطلاق هذه الصواريخ.

وتابع "نحن نحقّق أيضاً في تورّط إيراني محتمل" في هذا الهجوم الصاروخي.

وحزب الله الشيعي المدعوم من إيران هو الفصيل اللبناني الوحيد الذي احتفظ بسلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990).

واشتعلت الجبهة الإسرائيلية-اللبنانية عصر الخميس بشكل لم يسبق له مثيل منذ حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله.

وقال الجيش الإسرائيلي إنّ 34 صاروخاً أُطلقت من لبنان الخميس، اعترضت الدفاعات الجوية الإسرائيلية 25 منها وسقطت البقية في الأراضي الإسرائيلية.

وأتى هذا القصف في عيد الفصح اليهودي وغداة صدامات عنيفة دارت في المسجد الأقصى بالقدس الشرقية المحتلّة بين مصلّين فلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية وتوعّدت في أعقابها فصائل فلسطينية بشنّ هجمات انتقامية.

وحتّى الساعة 20:30 (17:30 ت) لم تكن أيّ جهة قد تبنّت هذا القصف.

وبحسب منظمة الإسعاف الإسرائيلية "نجمة داود الحمراء"، فقد أصيب بالقصف شاب يبلغ 19 عاماً بشظيّة وإصابته ليست خطرة، بينما أصيبت امرأة في الستينيات بجروح طفيفة أثناء فرارها بحثاً عن ملاذ آمن.

كما أصيبت امرأة بحالة هلع نتيجة القصف، وفق المصدر نفسه.

وقالت المنظمة الطبية إنّها رفعت حالة التأهب في صفوفها واستدعت مسعفين من جميع أنحاء الدولة العبرية.

وفي بيروت، قالت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية إنّ "مدفعية الاحتلال الإسرائيلي قصفت بعدد من القذائف الثقيلة (...) أطراف بلدتي القليلة والمعلية في قضاء صور" في جنوب لبنان.

لكنّ متحدّثاً عسكرياً إسرائيلياً نفى ردّاً على سؤال لوكالة فرانس برس ذلك، مؤكّداً أنّ الجيش الإسرائيلي "لم يردّ حتّى الآن" على مصادر النيران.

ويأتي هذا القصف غداة صدامات عنيفة دارت في المسجد الأقصى بالقدس الشرقية المحتلّة بين مصلّين فلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية وأثارت تحذيرات من أعمال انتقامية.

وشهدت الأيام الأخيرة تصاعداً لأعمال العنف بين الدولة العبرية والفلسطينيين، ولا سيّما في أعقاب اقتحام الشرطة الإسرائيلية الحرم القدسي وضربها مصلّين كانوا بداخله واعتقالها نحو 350 منهم بعدما وصفتهم بأنّهم "مثيرو شغب".

وإثر القصف الصاروخي على شمال الدولة العبرية، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أنّ الأخير "يتلقّى تقارير محدّثة حول الوضع الأمني وسيقوم بإجراء تقييم مع رؤساء المؤسّسة الأمنية".

من جهته، قال المتحدث باسم وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إنّه اطّلع على تفاصيل الأحداث الأمنية الأخيرة على الحدود الشمالية.

وأضاف المتحدّث أنّ غالانت "أعطى توجيهات أولية لرئيس هيئة أركان الجيش ولباقي أذرع المؤسسة الأمنية".

من جهته، أعلن الجيش اللبناني مساء الخميس أنّ وحداته عثرت على عدد من الصواريخ كانت معدّة للإطلاق في محيط بلدتين في جنوب البلاد.

وقال الجيش اللبناني في بيان إنه عثر "على منصات صواريخ وعدد من الصواريخ المعدّة للإطلاق في محيط بلدتي زبقين والقليلة" في قضاء صور، موضحاً انه "يجري العمل على تفكيكها". ونشر صوراً تظهر صواريخ ومنصات مثبتة بين أشجار زيتون.

من ناحيتها، حذّرت قوة الأمم المتّحدة الموقتة في لبنان "يونيفيل" من أنّ "الوضع الحالي خطير للغاية"، داعية إلى "ضبط النفس".

وقالت اليونيفيل في بيان إنّ رئيسها أرولدو لازارو "على اتّصال بالسلطات على جانبي الخط الأزرق" الذي يقوم مقام خط الحدود بين لبنان وإسرائيل.

وفي قرية فسوطة شمال إسرائيل، رصد مراسل لوكالة فرانس برس بقايا صاروخ انفجر على الطريق.

وفي جنوب لبنان، قال أحد سكّان قرية القليلة لوكالة فرانس برس إنّه "سمع إطلاق أكثر من 15 صاروخاً عند أطراف القرية".

وندّدت بهذا التصعيد الأمم المتحدة وواشنطن وباريس.

وقال المتحدّث باسم الخارجية الأميركية فيدانت باتيل للصحافيين "ندين إطلاق صواريخ من لبنان وغزة على إسرائيل"، مشدّداً على التزام الولايات المتحدة "الراسخ" أمن إسرائيل.

وأضاف "نقرّ بحقّ إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها ضدّ أيّ شكل من أشكال العدوان".

بدورها ندّدت فرنسا ب"إطلاق صواريخ في شكل عشوائي استهدفت الأراضي الإسرائيلية إنطلاقاً من غزة وجنوب لبنان".

وقال مساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية فرنسوا ديلما "في هذه الفترة من الأعياد الدينية، تدعو فرنسا جميع الأطراف الى أقصى قدر من ضبط النفس وتجنّب أيّ عمل من شأنه تأجيج تصاعد العنف".

كذلك، ندّد الامين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالقصف الصاروخي من جنوب لبنان.

وقال المتحدّث باسمه ستيفان دوجاريك للصحافيين "ندين إطلاق الصواريخ العديدة من لبنان على شمال اسرائيل اليوم. ندعو جميع الاطراف الى ممارسة أكبر قدر من ضبط النفس"، مشددا على ضرورة "تجنب أي فعل احادي الجانب قد يؤدي الى تصعيد جديد للوضع".

وأتى القصف من جنوب لبنان بعيد تأكيد حزب الله الموالي لإيران دعمه لـ "كلّ الخطوات" التي ستتّخذها الفصائل الفلسطينية ضدّ إسرائيل ردّاً على أعمال العنف في الأقصى.

وحزب الله، العدو اللدود لإسرائيل، تربطه علاقات جيّدة بحركتين فلسطينيتين أساسيتين هما حماس التي تسيطر على قطاع غزة، وحركة الجهاد الإسلامي.

وتزامن القصف من جنوب لبنان على شمال إسرائيل مع زيارة يقوم بها رئيس حركة حماس اسماعيل هنيّة إلى لبنان.

وفي أعقاب القصف ألغى هنية زيارة كان مقرّراً أن يقوم بها عصر الخميس إلى صيدا في جنوب لبنان، بحسب ما أفاد مصدر في حماس وكالة فرانس برس.

ووصل هنية إلى بيروت الأربعاء في زيارة تستمرّ أياماً.

وردّاً على اقتحام الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى، أطلقت ليل الثلاثاء-الأربعاء صواريخ عدّة من شمال قطاع غزة باتجاه إسرائيل التي ردّت عليها بشنّ غارات جوية على القطاع.

وتجدّد إطلاق الصواريخ من قطاع غزة بعد الغارات الإسرائيلية، فيما شنّ سلاح الجو الإسرائيلي غارات مجدّداً قرابة الساعة 06,15 (03,15 ت غ).

وفي آذار/مارس الماضي، أصيب جنديان إسرائيليان أحدهما بجروح خطيرة جراء انفجار لغم أرضي عند الحدود مع لبنان.

وقبل ذلك بأيام أعلن الجيش الإسرائيلي أنّه قتل شخصاً كان يحمل حزاماً ناسفاً، مؤكّداً أنّ التحقيقات الأولية أظهرت أنّه "إرهابي" تسلّل على ما يبدو من الأراضي اللبنانية.

ولفتت إسرائيل يومها إلى احتمال ضلوع حزب الله اللبناني في عملية التسلّل هذه.

وفي 2006 أدّت آخر مواجهة كبيرة بين إسرائيل وحزب الله إلى سقوط أكثر من 1200 قتيل على الجانب اللبناني، معظمهم من المدنيين، و160 قتيلاً على الجانب الإسرائيلي، معظمهم من الجنود.