هل يسعى حزب الله إلى جعل قوات الفجر، الجناح المسلح للجماعة الإسلامية، واجهته السنية على الحدود حيث يمكن أن تمتد الحرب مع إسرائيل؟
إيلاف من بيروت: أعلنت قوات فجر لبنان مسؤوليتها عن هجمات ضد إسرائيل في منتصف أكتوبر الماضي، في تطور فاجأ مراقبي الاشتباكات المستمرة منذ فترة طويلة هناك. لم يترك البيان الصادر عن الجناح العسكري للجماعة الإسلامية في لبنان - الفرع اللبناني لجماعة الإخوان المسلمين - أي مجال للشك حين أعلن تنفيذ في 18 أكتوبر توجيه "ضربات صاروخية استهدفت مواقع العدو الصهيوني في الأراضي المحتلة، أسفرت عن إصابات مباشرة".
يقول سامر زريق، في "المجلة"، إن هذا البيان أثار الكثير من الأسئلة في لبنان وخارجه، "حيث يبدو أن قادة جماعة الإخوان المسلمين أنفسهم لم يكونوا على علم به قبل نشره. وقد فوجئ بعضهم بالتحركات الرامية إلى التورط عسكرياً في مناوشات حدودية مع إسرائيل. وهكذا، ترك المراقبون ينظرون إلى كيف أصبحت قوات الفجر جزءًا من العمل على خط المواجهة، حيث تساءل البعض أيضًا عن الجهة التي تتحالف معها، وكذلك عن هويتها، بل إن البعض تساءل عما إذا كانت الهجمات الصاروخية منسوبة إليهم فعلًا".
انقسامات في الثمانينيات
ظهرت قوات الفجر في أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، وكانت واحدة من المنظمات المتنوعة أيديولوجيًا التي تحدت الاحتلال الإسرائيلي، حتى أنها كانت موجودة قبل صعود حزب الله، الذي أراد الهيمنة على المقاومة. في عام 1989، أنهى اتفاق الطائف الحرب الأهلية اللبنانية وألزم الجماعات المسلحة تسليم أسلحتها للدولة، باستثناء حزب الله. بعد ذلك، لم يظهر اسم قوات الفجر إلا بشكل متقطع، لكنها احتفظت بمكانتها داخل الجماعة الإسلامية، كما احتفظت بميزانية مستقلة.
في عام 2016، تم انتخاب عزام الأيوبي أمينًا عامًا للجماعة الإسلامية وسط مبادرة إصلاحية تهدف إلى تخفيف الإرث الأيديولوجي لجماعة الإخوان المسلمين وتعزيز الانفتاح على القوى السياسية المحلية والدول العربية. فأصبح الذراع العسكري للجماعة تحت المجهر. وكان الأيوبي قد أقال قائد قوات الفجر خالد بديع وقيادات عسكرية أخرى عندما اكتشف قصوراً مالياً وتنظيمياً، وعيّن طلال الحجار من إقليم الخروب جنوب بيروت قائداً جديداً. لكن القادة المخلوعين رفضوا التنحي عن مناصبهم. وعندما تراجع الأيوبي عن قراره، انقسمت قوات الفجر إلى فصيلين، أحدهما بقيادة بديع، وثان بقيادة الحجار.
بحسب زريق، كان هناك انقسام آخر بين القيادة العليا للجماعة الإسلامية على أسس جيوسياسية، إذ اتجهت قيادة الأيوبي ومعه نائبه عماد الحوت نحو تركيا وقطر، فيما انضوى القسم الآخر تحت راية حماس وفضل التحالف مع حزب الله وما يسمى محور المقاومة بقيادة إيران. تماهى ذلك مع ظهور رئيس حماس في غزة يحيى السنوار، ونائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري، في أعقاب إقالة خالد مشعل من عملية صنع القرار. في الوقت نفسه، دعم حزب الله هذا التضارب في المصالح وأججه لتعزيز تحالفه مع حماس. وبحسب زريق في "المجلة"، كشفت مصادر قيادية في الجماعة الإسلامية عن تدخل حماس في الخلافات الداخلية داخل قوات الفجر. فحماس أيدت فصيلا ثالثا بقيادة عمر الكعكي من بيروت، "وتقول مصادر أمنية، إضافة إلى مصادر داخلية ومقربين من حزب الله، إن هذا الفصيل الثالث تلقى تدريبات عسكرية مكثفة من حماس إلى جانب تمويل مباشر عبر العاروري".
إخوان حزب الله
يحدث زريق عن تحول سياسي كبير في الجماعة الإسلامية التي اقتربت أكثر من حزب الله. وعلى الرغم من وجود نائب واحد للجماعة في البرلمان، "فإنها تعد واحدة من أقدم المنظمات السياسية السنية. وكان الأيوبي من الجماعة الإسلامية على وشك الحصول على مقعد برلماني ثان في طرابلس، أكبر مدينة سنية في لبنان، وقد أيد مرشحين في مناطق أخرى. وطلب حزب الله مساعدة الجماعة في سعيه إلى المصالحة مع أهل السنة بعدما نفروا بنه بسبب تدخله في الحرب السورية".
في أعقاب هجمات 7 أكتوبر، سمح حزب الله لحماس والجهاد الإسلامي بتنفيذ عمليات تسلل إلى الجانب الإسرائيلي وإطلاق الصواريخ من مناطق الحدود التي يسيطر عليها. وكان الجناح العسكري لحماس – كتائب القسام – والذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي – سرايا القدس – ينشطان في الأراضي اللبنانية. وجاء ذلك مؤشراً على قدرة العاروري على استخدام فصيله ضمن قوات الفجر لشن عمليات ضد اسرائيل بموافقة حزب الله.
يقول زريق: "كانت محاولة لإظهار جبهة سنية لبنانية موحدة أمام دول محور المقاومة. ووفر حزب الله الحماية لقوات الفجر، ومنع الجيش اللبناني من اعتقال عناصرها، كما حدث من قبل، بما في ذلك في أغسطس الماضي عندما قبض على عناصر من قوات الفجر أثناء التحضير لهجمات صاروخية على إسرائيل".
قلق من العنف السني
ينسب زريق إلى مصادره قولها إن أطرافًا إقليمية أعربت عن استيائها من نشاط قوات الفجر في الجنوب اللبناني، وهذا يعني أن العمليات المباشرة قد توقفت. وأثبتت محاولة توفير غطاء محلي لكتائب القسام عدم فعاليتها وإثارتها ردات فعل سلبية داخل الأوساط السنية، "فهناك تصور بأن حزب الله يسمح بظهور ميليشيا سنية قد يستغلها لاحقاً لفرض هيمنته السياسية على خصومه. وخلف الكواليس، هناك تحركات مستمرة يقوم بها وزراء ونواب سنة حاليون وسابقون لتوحيد الموقف السني في رفض الميليشيا السنية الناشئة"
مهما يكن من أمر، سلطت الأحداث الأخيرة الضوء على مدى نفوذ حماس داخل الجماعة الإسلامية في لبنان. وتبرز الآن أسئلة داخل الأوساط السنية في لبنان حول دور الجماعة والقيود المفروضة عليها بعد الحرب.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبها سامر زريق ونشرتها "المجلة"
التعليقات