نتناول في عرض الصحف الأجنبية والعربية اليوم مجموعة مقالات عالجت أهم القضايا المتعلقة بالحرب في غزة، ومن بينها تهجير الفلسطينيين، وآثار الحرب والتغييرات التي أحدثتها في المنطقة، وعجز إسرئيل عن دفع حماس إلى الاستسلام.

ونبدأ بصحيفة هآرتس الإسرائيلية التي كتبت فيها حنين مجدلي مقالة عنوانها "الترحيل الطوعي" للفلسطينيين في غزة خيال آخر لن يدوم.

فكرتان أساسيتان

تعرض الكاتبة في لفكرتين أساسيتين: أولاهما نظرة الإسرائيليين إلى الفلسطينيين بوصفهم بشرا مختلفين، غير مساوين لهم، ولذلك فهم لا يتعاطفون معهم فيما يواجهونه من فظائع.

أما الفكرة الثانية فهي تعلق الإسرائيليين ببعض "الأوهام منذ تأسيس دولة إسرائيل".

ومن بين تلك الأوهام، وفقا للكاتبة: "لو أن البلاد أخليت من العرب، لكان بوسعنا أن نعيش في أمان .. ومن الممكن الحفاظ على السيطرة العسكرية على الضفة الغربية والحصار المفروض على غزة دون عواقب .. حروبنا كلها حروب لا خيار فيها .. ونحن لسنا مثلهم، ولا يجب أن نكون مثلهم .. ما لم نتمكن من فعله عام 1948 يمكننا فعله الآن".

"هرم التخيلات"

وتقول الكاتبة إن "في أعلى هرم التخيلات .. خيال التهجير"، الذي أصبح الآن – بحسب قولها – "مصطلحا شائعا جدا".

ويرجع انتشار الفكرة و"شعبيتها .. إلى اعتقاد الإسرائيليين أنه بدون وجود أي فلسطينيين، يمكنهم العودة إلى "خصلات الشعر الجميلة والوجوه الجميلة"، في إشارة إلى مقطع من قصيدة شهيرة.

وتقول الكاتبة إن هذه الفكرة الآن "تبدو عملية إلى حد كبير، مقارنة بفكرة إبادة مليون فلسطيني (التي ليست عملية أبدا) .. فالأشخاص الذين يتعرضون للقصف ليلا ونهارا، والذين دمرت منازلهم وقُتلت أو جُرحت عائلاتهم، يظهرون "رغبة" في مغادرة الجحيم".

الفلسطينيون "سيبقون"

لكنها تختتم مقالتها قائلة "إن هذا الخيال لن يدوم طويلا .. ولو انتهى الأمر بفرار عدة آلاف من سكان غزة .. من الجحيم الذي أصبحوا محاصرين فيه، فإن الفلسطينيين سيبقون. وإن لم تغير إسرائيل اتجاهها .. فمن الممكن أن يحدث العكس: المزيد والمزيد من الإسرائيليين - اليهود المتعلمين من الطبقة المتوسطة الذين لا يرون ما يكفي من الأمل للعيش هنا بعد الآن - "سيغادرون طواعية" إلى بلدان أخرى.

جندي إسرائيلي
Reuters
القادة السياسيون والعسكريون يصرون على استمرار الحرب حتى القضاء على حماس واستعادة المحتجزين

"كِشْ مَلِك"

وننتقل إلى صحيفة "الأيام" الفلسطينية التي كتب فيها طلال عوكل مقالة تحت عنوان: "كِش مَلِك".

ويستعرض الكاتب ما حدث خلال 93 يوما من الحرب بالنسبة إلى إسرائيل، الولايات المتحدة، والفلسطينيين، والدول الغربية، والدول العربية والإسلامية.

يرى عوكل أن تلك الأيام الـ93 كانت كافية لكشف "الخصائص الجوهرية للمشروع الصهيوني و.. الخصائص الجوهرية للأهداف التحرّرية الفلسطينية".

"فاشية عنصرية" و "تخاذل"

ويقول إن إسرائيل خلال مجريات الحرب كشفت عن "طبيعتها الفاشية العنصرية، وحقدها وكراهيتها للإنسان الفلسطيني، .. ورغبتها في شطب الشعب الفلسطيني عن خارطة الوجود .. ومع انكشاف طبيعة المشروع الصهيوني وأدواته، انكشفت طبيعة الولايات المتحدة وحلفائها، الذين وقفوا بالباعِ والذراع مع دولة الاحتلال" . فالإدارة الأمريكية في رأي الكاتب "هي من تدير الحرب وتتحكّم في مقودها".

وكذلك كشفت الحرب "مدى ضعف وتخاذل الأمّتين العربية والإسلامية، وعمق خضوعهما للهيمنة الأمريكية وللحسابات الوطنية الخاصة، ما يُنذر بتغيّرات مرتقبة، في كثير من هذه الكيانات التي تشهد غلياناً شعبيا عارما".

فشل التهجير

وكشفت الأيام الماضية أيضا "فشل التحالف الدولي الغربي وإسرائيل في تحقيق أي أهداف ذات أبعاد استراتيجية خطيرة .. فلا التهجير وقع .. فالشعب الفلسطيني صامد على أرضه، ولم ينجحوا في تخطّي وتصفية القضية، و .. توقّفت أحلامهم بالسيطرة على الشرق الأوسط".

ويقول الكاتب إن إسرائيل وحلفاءها يعترفون بأنّ "القضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة، .. وتدمير قوتها .. أمر يستدعي استمرار الحرب إلى أشهر وربّما سنوات".

سيارة استهدفتها طائرة مسيرة
Reuters
عدد الضحايا في غزة تجاوز 22 ألف ضحية منذ بدء الحرب التي دخلت شهرها الرابع

هل يمكن إجبار حماس على الاستسلام؟

ونظل مع فكرة القضاء على حماس التي عالجها أندرس بيرسون في مقالة في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، بعنوان: "لماذا لا تستطيع إسرائيل قصف حماس لإجبارها على الاستسلام؟"

ويبني الكاتب مقالته على فكرة تضمنها كتاب للمؤرخ جون ديفيد لويس ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، مقتنع بها.

وفحوى الفكرة هي "أنه من الممكن كسر إرادة العدو في القتال من خلال العنف الساحق، وأن أمام العدو، في الحروب الحاسمة، احتمالين: إما الاستسلام وإما الموت".

ويقول الكاتب إن نتنياهو "يتطلع إلى الأمثلة المذكورة في كتاب لويس بوصفها دليلا إرشاديا. لكن المشكلة هي أن الحرب في غزة قد لا تكون لها سابقة، وأن حماس تثبت أنها عدو هائل بشكل خاص".

ومن بين الأمثلة التي يقدمها لويس في كتابه الحرب مع ألمانيا النازية واليابان، اللتين أجبرتا على "الاستسلام غير المشروط".

ظروف غزة "مختلفة"

لكن الظروف في غزة – كما يقول – تختلف كثيرا عن غيرها من الصراعات الماضية للأسباب الآتية:

  • لأن غزة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم
  • وحماس تحكم قطاع غزة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن
  • وجود أكثر من 500 كيلومتر من الأنفاق تحت غزة
  • ليس لدى إسرائيل أي حلفاء محليين في غزة للمساعدة في القتال
  • جزء كبير من الجيش الإسرائيلي منخرط في أماكن أخرى في الضفة الغربية والحدود اللبنانية

ويقول بيرسون إن لدى "إسرائيل .. القدرة العسكرية اللازمة لهزيمة حماس وإيديولوجيتها في غزة .. كما أنها تمتلك القدرة على طرد الفلسطينيين قسرا، بمن فيهم حماس .. من خلال القصف والحصار والتجويع وغير ذلك من وسائل الإكراه".

لكنه يرى أنه "من المشكوك فيه أن يكون لدى إسرائيل الإرادة على تحقيق أي من هذا، على الرغم من وعود نتنياهو المتكررة بأنه ملتزم بسحق حماس، وقتل قادتها وجميع مقاتليها البالغ عددهم 30 ألفا".

السحق الحاسم لحماس "بعيد المنال"

وينبه إلى أنه "إذا هاجمت إسرائيل غزة بقوة أكبر مما فعلت، فإن هذا لا يهدد فقط باندلاع حرب إقليمية أوسع وانهيار اتفاقيات السلام مع مصر والأردن، بل يهدد أيضا بإضعاف البنية الأمنية الأمريكية برمتها في المنطقة".

ويقول إنه "من الصعب اليوم رؤية طريق واضح لتحقيق نصر عسكري حاسم لإسرائيل. كما أن الطريق إلى وقف دائم لإطلاق النار يبدو بعيد المنال .. خاصة وأن معظم قادة حماس ما زالوا على قيد الحياة، والمنظمة سليمة إلى حد ما، وأكثر من نصف الرهائن الإسرائيليين ما زالوا محتجزين. وإذا تمكن بايدن من إجبار إسرائيل على قبول وقف لإطلاق النار، فقد تسقط الحكومة الإسرائيلية".

ويختتم الكاتب مقالته قائلا إن "السحق الحاسم لحماس ولأيديولوجيتها يظل بعيد المنال بعد ثلاثة أشهر من الحرب .. وإذا لم يكن تحقيق نصر عسكري حاسم في غزة ممكنا، فقد تضطر إسرائيل مرة أخرى إلى وقف رسمي أو غير رسمي لإطلاق النار"، وهذا يعني خطأ تنبؤ بعض المسؤولين الإسرائيليين السابقين عندما وعدوا في أعقاب حرب 2014 غير مرة بأن الحرب القادمة في غزة ستكون الأخيرة".

نازحون في غزة
Reuters
الفلسطينيون في غزة يعيشون ظروفا تجعل حياتهم بالغة الصعوبة بسبب الحرب

الحرب الأوسع "موجودة بالفعل"

وننهي جولتنا مع صحيفة الغارديان" البريطانية، التي نشرت مقالة لنسرين مالك بعنوان: "تزايد المخاوف من "التصعيد الإقليمي" في الشرق الأوسط، لكن الحرب الأوسع موجودة بالفعل".

تشير الكاتبة في بداية مقالتها إلى أن تعليمات الرئيس الأمريكي، جو بايدن لموظفي السياسة الخارجية عند تعيين سفير جديد لبلاده في القاهرة في مارس/آذار من العام الماضي كانت "إبقاء الشرق الأوسط بعيدا عن مكتبي".

وكانت خطة بايدن – كما تقول الكاتبة – تهدف إلى "دمج" المنطقة في نهاية المطاف من خلال تشجيع المزيد من التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، وعزل إيران وترويضها.

لكن الخطة لم تنجح الأمر، إذ أعادت هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول الشرق الأوسط إلى مكتب بايدن.

وتقول الكاتبة إن منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي الأوسع "انجذبت إلى الحرب بطريقة لم يقابلها إجراء مناسب من جانب الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل الآخرين من شأنه أن يفرض وقفا للأعمال العدائية وتهدئة التوتر الإقليمي".

وترى أنه بالرغم من الحديث عن "مخاوف من اندلاع حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط"، فإن الحقيقة هي أن الحرب موجودة بالفعل .. وقد امتدت الآن إلى لبنان واليمن وإيران والبحر الأحمر وبحر العرب".

كل الأطراف "ستدفع ثمنا باهظا"

وتقول الكاتبة بعد حديثها عن عدد من والهجمات والغارات والضربات في تلك البلدان إن "كل هذا يؤدي إلى سلسلة متتالية من العواقب. فقد أدت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر إلى تحويل حركة الملاحة البحرية التجارية المتجهة إلى أمريكا الشمالية وأوروبا بعيدا عن الممر المائي، مما يؤثر في إيرادات مصر التي تحتاجها بشدة من قناة السويس وربما في استقرارها في خضم أزمة مالية طويلة الأمد .. وارتفاع تكاليف التجارة وأقساط التأمين، وازدحام سلسلة التوريد في سوق السلع العالمية التي تعاني بالفعل من عدم الاستقرار بسبب الحرب في أوكرانيا. وأدى هذا بالفعل إلى زيادة النشاط العسكري في المنطقة". وأشارت نسرين إلى أنه في الأسبوع الماضي، أغرقت مروحيات تابعة للبحرية الأمريكية قوارب الحوثيين التي أطلقت النار عليها.

وتحذر من أن أي "استهداف لقواعد الحوثيين في اليمن، يهدد بزعزعة استقرار هدنة ثمينة في البلاد، ويزيد من احتمال نشوب صراعات مفتوحة مع إيران، التي أعلنت نشر سفنا حربية في البحر الأحمر".

لكن هناك مخاطر أكبر من ذلك، في رأي الكاتبة، إذ من الصعب التهوين من تأثير المشاهد التي تحدث في غزة والضفة الغربية .. إذ تهيمن الحرب في غزة والأحداث في الضفة الغربية والتطورات في المنطقة على الخطاب العام في جميع أنحاء المنطقة، من موائد العشاء إلى العروض الجماعية وتغطية الصحف".

وتختتم نسرين مقالتها بتحذير من أن جميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل، سوف "يدفعون ثمنا باهظا لحرب تجاوزت منذ فترة طويلة الدفاع المبرر عن النفس، ويمكن أن تنتشر لتصبح تهديداً عالمياً".