بدا العرض العسكري السنوي في الساحة الحمراء في موسكو مختلفا هذه المرة، ولم يكن السبب الوحيد في ذلك العاصفة الثلجية التي تمرّ بالبلاد على الرغم من حلول الربيع!
إذ كان هناك 9 آلاف شخص يسيرون عبر الساحة. يبدو هذا الرقم كبيراً، إلا أنه في السنوات السابقة، أي قبل الغزو الروسي على أوكرانيا، كانت الأعداد أعلى في كثير من الأحيان.
كذلك، كان عدد المعدات العسكرية المعروضة اليوم أقل من المعتاد أيضًا، وكانت الدبابة الوحيدة هي T-34، إلا أن العرض شهد الكثير من الإشارات للحرب في أوكرانيا، كما تواجد عدد من الجنود الذين قاتلوا في الحرب بين المشاركين.
وخلال العرض العسكري، ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطاباً في الساحة الحمراء، قال فيه "إننا نحتفل بيوم النصر في الوقت الذي ننفذ فيه العملية العسكرية الخاصة.. أولئك الذين يشاركون في الخطوط الأمامية [في الحرب] هم أبطالنا".
واتهمت روسيا مؤخراً الدول الغربية بتهديدها، بما فيها المملكة المتحدة وفرنسا، فيما لم يستبعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إرسال قوات برية إلى أوكرانيا.
قصة جاسوس سوفيتي قضى أكثر من 30 عاما وسط دوائر النخبة الفرنسية
روسيا وأوكرانيا: لاتفيا تهدم نصبا تذكاريا للحرب العالمية الثانية
روسيا وأوكرانيا: في ذكرى معركة ستالينغراد، بوتين يتحدث عن عودة "تهديد" الدبابات الألمانية
وأصدر بوتين خلال العرض العسكري تحذيراً للغرب، ترافقه الكثير من الإشارات للسلاح النووي، وقال زعيم الكرملين: "إن روسيا ستبذل قصارى جهدها لتجنب مواجهة عالمية، لكن في الوقت نفسه، لن نسمح لأي شخص بتهديدنا، و قواتنا الاستراتيجية في حالة تأهب قتالي دائماً".
في عهد فلاديمير بوتين، أصبح "يوم النصر" أهم عطلة مدنية في روسيا.
إنه يوم للتذكر، ليس فقط بانتصار السوفيت على ألمانيا النازية، ولكن أيضًا بالتكلفة البشرية الهائلة لهذا النصر، حيث قتل أكثر من 27 مليون مواطن سوفيتي في ما يعرف في موسكو بـ "الحرب الوطنية العظمى".
لكن من نواحٍ عدة، لا يقتصر يوم النصر على الماضي فقط، فالأمر يتعلق بروسيا في الوقت الحاضر، فإذا كان لدى هذا البلد اليوم أي فكرة وطنية، فيمكن أن تتمثل بفكرة النصر.
إذ يُقال للروس على نحو مستمر إن بلادهم تعرضت على مدار التاريخ لهجوم من أعداء من الخارج، أمثال نابليون وهتلر، وإنها خرجت منها منتصرة، واليوم لا تتذكر السلطات في روسيا الماضي فقط، بل إنها تستخدمه كسلاح لمحاولة تبرير الحاضر.
أسرار "جزيرة الموت" البريطانية الغامضة خلال الحرب العالمية الثانية
أوكرانيا تعثر على طائرات بريطانية من الحرب العالمية الثانية خارج كييف
وتحاول السلطات دفع الشعب الروسي لأن ينظر للحرب في أوكرانيا باعتبارها استمراراً للحرب العالمية الثانية، حتى يعتقد الروس أن قوى خارجية تقاتل مرة أخرى لتدمير روسيا، والقوى الخارجية هذه المرة هي أوكرانيا والغرب.
لكن في الواقع، كانت روسيا هي التي ضمت شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014 وتدخلت عسكريا في دونباس، وفي عام 2022، كان الرئيس بوتين هو من أمر بغزو أوكرانيا على نطاق واسع.
لكن في هذه الحرب، يحدث شيء غير عادي، ومثير للقلق في روسيا، على إثر الحرب في أوكرانيا.
إذ اعتاد الروس بعد أهوال الحرب العالمية الثانية، وعلى مدى عقود من الزمن أن يقولوا "يمكننا أن نتحمل كل أنواع الحرمان. طالما لم يعد هناك المزيد من الحرب". هذه العبارة "لا مزيد من الحرب" يمكن لأي زائر أن يسمعها في كل البلدات والقرى عبر هذا البلد العملاق، وأينما ذهب.
أتذكر أن الزعيم السوفييتي السابق ميخائيل جورباتشوف قال لي ذات مرة، والدموع في عينيه إن عبارة "لا مزيد من الحرب" كانت على وجه التحديد هي العبارة التي يقولها له الروس في كل كل مرة يقوم فيها بزيارة رسمية كزعيم سوفيتي لأنحاء البلاد.
لكن الآن، لقد تغيرت هذه العبارة!
يوم الخميس، شهدت بلدة صغيرة خارج موسكو، إزاحة الستار عن نصب تذكاري للحرب، إنه مخصص للجنود الروس الذين لقوا حتفهم في الحرب السوفيتية في أفغانستان، والحرب في الشيشان، والحرب الروسية في أوكرانيا. وألقى مسؤول محلي كلمة في تلك المناسبة، وكان ملفتاً ما قاله للكبار والصغار المجتمعين هناك، إذ قال "كانت هناك دائمًا حروب..وستكون هناك دائما حروب.. إنها الطبيعة البشرية".
ما يحدث الآن في روسيا هو تطبيع مع الحرب، في بلد عانى كثيراً من الحروب في ماضيه.
التعليقات