خلال الأيام الماضية، انتشرت بكثافة صورٌ لنواب فرنسيين يرتدون ملابس بألوان العلم الفلسطيني خلال انعقاد الجمعية الوطنية.

ووزّع نواب من أحزاب يسارية مقاعدهم بشكل يؤدي إلى رسم العلم الفلسطيني، مرتدين ملابس خضراء وبيضاء وحمراء وسوداء.

كما رفعت النائبة راشيل كيكي العلم الفلسطيني، مكرّرة حركة مثيرة للجدل قام بها زميلها سيباستيان ديلوغو الأسبوع الماضي.

فرنسا .. إيقاف نائب لوّح بالعلم الفلسطيني داخل البرلمان

وكيكي نائبة من حزب "فرنسا الأبية" اليساري، وتدخّل الأمن لسحب العلم منها.

وأوقف النائب ديلوغو الأسبوع الماضي لمدة 15 يوماً عن العمل لرفعه العلم الفلسطيني، مع تقليص راتبه للنصف لمدة شهرين، وهي أقسى عقوبة ممكنة.

وأبدت رئيسة الجمعية الوطنية يائيل برون بيفيه، وهي من معسكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اعتراضها على رفع العلم، وقالت للنواب إنه يحق لهم التعبير عن أنفسهم "بشكل شفهي حصراً". وأضافت: "هذا ليس المكان المناسب لهذا النوع من التعبير، نحن لسنا في مباراة كرة قدم ولسنا في اجتماع ولسنا على خشبة مسرح".

شابة ترتدي الكوفية الفلسطينية خلال التجتمع الخاص بالحملة الانتخابية لحزب فرنسا الأبية في تولوز، فرنسا، يوم 1 يونيو/حزيران 2024 للانتخابات الأوروبية
Getty Images

يأتي السجال في الجمعية الوطنية الفرنسية بعد اعتراف إسبانيا والنرويج وإيرلندا رسمياً بدولة فلسطينية، وفي خضم النقاش داخل البرلمان الفرنسي حول إمكانية اتخاذ باريس خطوة مماثلة.

وكان الرئيس الفرنسي ماكرون قد قال سابقاً إن الاعتراف بدولة فلسطينية ليس "من المحظورات"، لكن يجب أن يحصل "في لحظة مفيدة".

وشكك أيمريك كارون وهو نائب من حزب "فرنسا الأبية" بنوايا الحكومة الفرنسية في ما يتعلق بالاعتراف بدولة فلسطينية.

وقال: "غزة اليوم غيتو، حيث يقوم الجيش الإسرائيلي بإبادة شعب تخلت عنه فرنسا. ماذا تنتظرون (حتى تعترفوا بدولة؟) ألا يكون يبقى فلسطينيون أحياء يمكنهم العيش هناك؟".

ومن جهته، قال السكرتير الأول لـ"الحزب الاشتراكي"، أوليفييه فور، إن "فرنسا يمكن أن تكون أول دولة من مجموعة السبع تعترف بدولة الفلسطينية". وأضاف: "يجب أن يكون هذا هو الأساس لعملية جديدة تؤدي إلى سلام دائم".

واجه هذا الموقف اعتراضات حادة من الأحزاب اليمينية. وقال رئيس الجمهوريين إيريك سيوتي: "يجب أن نضع حداً للتجاوزات والعنف والاستفزازات. ولا يمكن للجمهورية أن تسمح لنفسها بأن تُداس من قبل عصابة من المتطرفين الخطرين الذين لا يحترمون شيئاً".

ليضيف زميله بيير هنري دومون: "ما يفعله نواب حزب فرنسا الأبية اليساري المتطرّف اليوم هو تحويل الجمعية الوطنية إلى فوضى عملاقة لأغراض انتخابية لجذب أصوات أقلية من سكان البلاد المسلمين".

وقالت ماتيلد بانو، وهي رئيسة الكتلة النيابية لحزب "فرنسا الأبية": "نقول ليائيل برون بيفيه إنهم يستطيعون فرض عقوبات علينا بقدر ما يريدون، ولن نصمت. لقد دخل العلم الفلسطيني إلى الجمعية الوطنية ولن يخرج منها حتى التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة".

وكانت الشرطة الفرنسية استدعت بانو لتحقيق على خلفية "تمجيد الإرهاب" فُتح إثر بيان نشرته الكتلة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، يوم تنفيذ حماس هجوماً غير مسبوق على إسرائيل.

الاعتراف بدولة فلسطينية

يتألف البرلمان الفرنسي من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ الفرنسي. وتُجرى الانتخابات التشريعية الفرنسية كل خمس سنوات لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية التي تُصادق الغالبية فيها على مشاريع القوانين وتعدّلها، ولها تأثير مباشر في رسم سياسة البلاد.

وتتألف الجمعية الوطنية من 577 نائباً، وتنقسم حالياً بين 250 نائباً مع الحكومة و320 مع المعارضة.

ولكن، ما موقف الأحزاب الرئيسية من الاعتراف بدولة فلسطينية؟

يؤيد حزب الخضر الاعتراف بدولة فلسطينية، وكذلك "فرنسا الأبية" بقيادة المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلانشون، ومعهما الحزب الاشتراكي.

أما حزب الرئيس الفرنسي الوسطي، "نهضة"، فيعتبر أن الوقت غير مناسب الآن لاعتراف فرنسا بدولة فلسطينية.

وعلى الجهة المقابلة، يعارض كل من حزب "الجبهة الوطنية" بقيادة جوردان بارديلا خلفاً لمارين لوبان، وحزب "الاستعادة" لمؤسسه إريك زمور، وحزب الجمهوريين، وهي أحزاب يمينية، الاعتراف بدولة فلسطينية.

قواعد برلمانية صارمة

أعضاء البرلمان يصفقون لخطاب رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال خلال اجتماع خاص للمؤتمر بمجلسي البرلمان (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ) في قصر فرساي، خارج باريس، فرنسا، 04 مارس/آذار 2024.
EPA-EFE/REX/Shutterstock

تمنع قواعد الجمعية الوطنية الفرنسية النواب من رفع الأعلام خلال الجلسات. وتلقى نائب من حزب ماكرون تحذيراً في عام 2019، يعد أن رفع علماً أبيض كُتب عليه باللون الأحمر: "فرنسا تَقتُل في اليمن".

وفي مناسبات سابقة، امتدت السجالات السياسية في البرلمان بين النواب إلى إيتيكيت اللباس.

ووقع سجال حول لباس النواب في يوليو/تمّوز 2022 عندما أعرب النائب اليميني إريك سيوتي من حزب الجمهوريين عن استيائه من "تراخي" بعض الأعضاء في احترام قواعد اللباس، مشيراً إلى أن ذلك يعكس عدم احترام للمؤسسة البرلمانية وتقاليدها.

سيوتي أكد أن الابتعاد عن ارتداء البدلة وربطة العنق، الذي مارسه نواب اليسار من حزب "فرنسا الأبية"، يقوّض هيبة المؤسسة.

وطالب نواب "فرنسا الأبية" رداً على ذلك، بحظر الملابس "الباهظة" و"المتعجرفة" التي يرتديها خصومهم، وسخروا من اقتراح سيوتي بارتداء ربطات عنق ملونة في جلسة البرلمان. وقالوا إن "الملابس لا تصنع النائب".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قررت الجمعية الوطنية وضع حدّ لهذا السجال من خلال تحديد قواعد اللباس، مشيرة إلى أن الملابس يجب أن تكون "محايدة ومناسبة" و"شبيهة بملابس العمل". وأصبح ارتداء السترة إلزامياً، مع توصية بارتداء ربطة عنق.

وتشير المادة التاسعة من التعليمات العامة للجمعية الوطنية، إلى أنه تحت قبة البرلمان، يكون التعبير شفهياً حصراً، ويُحظر استخدام الرسوم البيانية أو اللافتات أو المستندات أو الأشياء أو الأدوات المختلفة.

كما تشير إلى أن الملابس التي يعتمدها النواب يجب أن تبقى محايدة وتشبه الملابس الرسمية. وإلى أنه لا يجوز أن تستخدم كوسيلة للتعبير عن أي رأي: لذلك يمنع ارتداء أي رمز ديني، أو زي رسمي يمثل جهة ما، أو ارتداء شعارات، أو ما يتضمن رسائل تجارية، أو شعارات ذات طبيعة سياسية.