نبدأ جولتنا لقراءة الصحف بـ"الغارديان" البريطانية ومقال رأي كتبه بيتر بيومونت بعنوان "نتانياهو يخوض حربا على جبهتين، ولا توجد نهاية في الأفق لأي منهما"، ويشير الكاتب في بداية مقاله إلى أن صراعات إسرائيل مع حماس في غزة وحزب الله في لبنان مقدر لها أن تستمر إلى أجل غير معلوم.

ويقول الكاتب إنه بعد تسعة أشهر من الحرب في غزة، التي أعقبت الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تحارب إسرائيل في جبهتين في نفس الوقت، بيد أن الوعد بتحقيق "نصر سريع" أو "حاسم"، اتضح أنه مجرد وهم، على الرغم من استخدام قوة نيران مفرطة وما ترتب على ذلك من عواقب مدمرة على المدنيين في غزة.

ويضيف الكاتب أن ديناميكيات الحرب طويلة الأمد فرضت واقعها الخاص في ظل الضغوط الدولية بقيادة الولايات المتحدة لإجراء محادثات لوقف إطلاق النار واتفاق لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيلين مقابل السجناء الفلسطينيين، بدعم من صدور قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

ويرى الكاتب أن التقارير التي أفادت وصف يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، الضحايا المدنيين الفلسطينيين بأنهم "تضحية ضرورية"، تشير إلى أن حماس ترى تقدم الصراع في ضوء مختلف تماما عما يراه المسؤولون الإسرائيليون، لا سيما بعد أن كشف الإخفاق المستمر في محادثات وقف إطلاق النار عن وجهات نظر متعارضة بين إسرائيل وحماس، ليس فيما يتعلق بما يمثله الصراع اليوم فحسب، بل أيضا فيما يتعلق بالمسار طويل الأمد.

ويلفت الكاتب إلى أن القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل اعتقدت على مدار سنوات أنها قادرة على إدارة صراعاتها، سواء مع الفلسطينيين أو مع حزب الله في الشمال، في حين تجاهلت العوامل السياسية التي تؤجج العنف، وخاصة المطالبة الفلسطينية بإقامة الدولة وتقرير المصير.

بيد أن حماس وحزب الله كانا ينظران منذ فترة طويلة إلى أفق أبعد، بحسب الكاتب، فبالنسبة لحماس على وجه الخصوص، لا يُنظر إلى الحرب الأخيرة باعتبارها واحدة من سلسلة صراعات عرضية، بل هي صراع أطول تؤمن بأنها ستنتصر فيه في نهاية المطاف، وإذ كان هناك نقطة ميدانية مشتركة بين إسرائيل وحماس، فهي الاعتقاد لديهما بأنه لا يوجد خيار سوى مواصلة القتال.

ويرى الكاتب أن الأمر لا يتعلق بمسألة الحرب في غزة نفسها فحسب، حيث يفرض الصراع ديناميكيته الخطيرة، بل في الصراع الموازي مع حزب الله، الذي بدأ دعمه لغزة في 8 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، إذ انكشفت نفس الافتراضات الإسرائيلية بشأن إدارة الصراع.

ويقول الكاتب إن تسعة أشهر من الهجمات المتبادلة يوميا والمكثفة تدريجيا أدت إلى نزوح عشرات الآلاف من الأشخاص على جانبي الحدود اللبنانية، بل أصبح السيناريو الذي لم يكن من الممكن تصوره في أيلول (سبتمبر) الماضي، وهو سيناريو تورط إسرائيل في حرب حدودية ممتدة وغير حاسمة على نحو خطير مع حزب الله، قضية سياسية وسط تزايد مطالبات بشن هجوم موسع على نطاق واسع ضد حزب الله.

ويختتم الكاتب بيتر بيومونت مقاله بالتأكيد على أنه في الوقت الذي يصر فيه حزب الله على أنه لا يسعى إلى حرب شاملة لكنه مستعد لها إذا حدثت، فالأمر الذي لا يزال غير واضح هو كيف سينتهي القتال وبأي شروط، ويبدو أن الحرب الإسرائيلية على الجبهتين، بغض النظر عن الرعب الذي تتسم به، سوف تستمر في الوقت الراهن.

"الشيطان يكمن في التفاصيل"

دبابات إسرائيلية
Reuters
"الجانب الإسرائيلي - بعد صمت المدافع - سوف يشهد مراجعة شاملة للموقف، ودراسة المشهد العام وضرره التاريخي على الدولة"

نختتم جولتنا بصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية ومقال رأي كتبه محمد الرميحي بعنوان "بين يوم الغضب ويوم التفكير"، ويستهله الكاتب بالإشارة إلى أنه مع صدور قرار مجلس الأمن، الإثنين الماضي، بوقف إطلاق النار والبدء بخريطة طريق، تكون الحرب في غزة قد دخلت مرحلة النهاية، والطريق قد يكون طويلا، حيث إن الشيطان يكمن في التفاصيل.

ويرى الكاتب أن الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، كل له سردية مطلقة، الفلسطيني يقول إنها أرضنا اغتُصبت تحت ظروف غير مواتية لنا، والإسرائيلي يرى أنها أرضه، ومن المستحيل أن يعود إلى أن يكون مطارداً ومنبوذاً في أوروبا غير الموثوقة، ويضيف الكاتب أننا سنكون على مشارف انتهاء الصراع عندما يقتنع الطرفان بالمشاركة في الأرض، إما من خلال حل الدولتين، أو من خلال دولة واحدة تتساوى فيها الحقوق والواجبات.

ويقول الكاتب إنه "بغض النظر عن دوافع وأسباب ومسارات حرب غزة الحالية، فإن ما بعدها بالتأكيد لن يكون مثل ما قبلها، فالطرفان، وليس بالضرورة القيادات القائمة الحالية، ولكن من يليها، سوف يصلان إلى نتيجة إما استمرار الصراع لأجيال قد تأكل الأخضر اليابس وتلحق الدم بالدم، أو وفاق شجعان، والأخير يتطلب التخلص من السرديات المعتمدة على الأساطير والخرافات، والاعتراف المتبادل بمطالب الأمن الإسرائيلي والفلسطيني على حد سواء."

ويضيف الكاتب أن إعادة احتلال غزة تعني العودة إلى المربع الأول، وعودة حماس لحكم غزة أيضا تعني العودة إلى المربع الأول، صحيح أن ما حدث حتى الآن، بصرف النظر عن حساب التضحيات الهائلة، هو تعامل الفلسطينيين لأول مرة بندية مع إسرائيل، وهو جزئياً ما أقنع المجتمع الدولي بحل الدولتين، إلا أن هذا الحل يتطلب حكومة فلسطينية موحدة ومعترفا بها، يكفي حماس أنها تاريخيا قد فتحت الباب لذلك الاحتمال، إلا أن الأمور لا تسير نحو ذلك، فحماس تتوهم أنها تستطيع أن تقاتل، وأيضا تحتفظ بالسلطة، وهذا يعني على أقل تقدير المراوحة في المكان.

ويقول الكاتب إن حرب غزة أنهت مرحلة "تصفية القضية" من الجانب الإسرائيلي، كما أنهت فكرة "القضاء على إسرائيل"، واصفا الوضع الحالي بأنه في نهاية مرحلة "التفكير المغلق" إسرائيليا وفلسطينيا ، وهي مرحلة تنقل الجميع من الغضب إلى التفكير.

ويرى الكاتب أن الجانب الإسرائيلي - بعد صمت المدافع - سوف يشهد مراجعة شاملة للموقف، ودراسة المشهد العام وضرره التاريخي على الدولة، ليس المادي، ولكن أيضا المعنوي الذي جعل مؤسسات دولية تأخذ موقفا سلبيا من دولة إسرائيل، والتأكد من قصور القبضة النارية في ردع الفلسطينيين عن البحث عن مصالحهم الوطنية، وسوف تشهد إسرائيل تغيرات مهمة ومفصلية، وإن لم يحدث ذلك من الجانب الفلسطيني، فسوف يكون ذريعة لإسرائيل للبقاء في المكان.

ويختتم الكاتب محمد الرميحي مقاله مشيرا إلى أن الحراك الدولي يجب ألا يحمل بشعارات عاطفية، فالولايات المتحدة هي القوة الفاعلة الأساس، وشتمها من البعض، لا يقرب الحلول، وها هي تتحرك اليوم لفرض قرارٍ أممي لأسباب خاصة بها، ملزم بوقف النار من مجلس الأمن، كما أن الغمز واللمز، على قوى عربية داعمة خطأ سياسي، فخسارة تلك القوى إضعاف للقضية.