تشهد منطقة الشرق الأوسط اضطرابات، فضلا عن نشاط واضح للجهود الدولية الدبلوماسية، ولأول مرة تتوافق الأطراف في إسرائيل ولبنان وإيران على شيء واحد، "حرب الأعصاب".
يشعر الجميع بقلق، ويترقبون ما يحمله لهم المستقبل، ويبدو الأمر وكأن المنطقة بأسرها تحبس أنفاسها.
والسؤال هل تنزلق المنطقة نحو حرب إقليمية شاملة؟ وهل يمكن التوصل إلى وقف إطلاق النار الصعب في غزة؟ وكيف سيكون الرد الإيراني وميليشياتها التابعة لحزب الله اللبناني على إسرائيل بعد سلسلة من الاغتيالات المتتالية في بيروت وطهران؟ وهل ستستجيب الأطراف لدعوات ضبط النفس؟
وفي لبنان، تسود حالة من القلق تحت وطأة حرارة الصيف الخانقة.
ويمتزج دوي انفجارات، يرهب القلوب، مع أصوات الحركة المرورية في العاصمة بيروت، بينما تخترق الطائرات الحربية الإسرائيلية حاجز الصوت في السماء.
- سامي الجميّل في بلا قيود: تطرف حزب الله وإسرائيل يصعب إيجاد مخرج للأزمة
- خلافات بين غالانت ونتنياهو، وتوقعات بردٍ إيراني قبل مفاوضات الخميس
كان العديد من الأجانب قد غادروا البلاد، تلبية لدعوة حكوماتهم، فضلا عن فرار العديد من اللبنانيين.
بيد أن آخرين لا يطيقون مغادرة البلاد، مثل طاهية، تبلغ من العمر ثلاثين عاما، طلبت عدم ذكر اسمها تجلس في أحد المقاهي المنتشرة في بيروت.
قالت لي: "العيش في بيروت أشبه بعلاقة سامة لا يمكنك الهروب منها".
وأضافت: "أرتبط بالمكان عاطفيا، لدي عائلة في الخارج، وأستطيع أن أغادر البلاد، لكنني لا أريد ذلك. نعيش يوما بيوم، ونمزح بشأن الوضع".
وتعترف في ذات الوقت بأن العمل يواجه صعوبات، كما أنها تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، وتقول: "الأمر أشبه بالحرب الباردة بالنسبة لنا". وتتوقع السيدة اندلاع حرب حامية، بيد أنها تأمل أن تكون هذه الحرب قصيرة.
ويتردد الوسطاء الدوليون على المنطقة، من بينهم المبعوث الأمريكي آموس هوكستين، كما يبذلون قصارى جهودهم على مدار الساعة لمنع اندلاع صراع أوسع نطاقا.
وقال هوكستين: "نعتقد أن الحل الدبلوماسي لا يزال ممكنا، لأننا نعتقد حتى الآن أن أحدا لا يريد حقا اندلاع حرب شاملة بين لبنان وإسرائيل".
جاءت تصريحات المبعوث الأمريكي يوم الأربعاء في بيروت في أعقاب لقاء رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، الحليف الوثيق لحزب الله.
- أيهما تمتلك قوة نيرانية أكبر إيران أم إسرائيل؟
- مساعدات عسكرية أمريكية جديدة لإسرائيل، والحرس الثوري يخطط للثأر لهنية "بأفضل طريقة ممكنة"
وقال هوكستين، ردا على سؤال من أحد الصحفيين عما إذا كان من الممكن تجنب الحرب: "أتمنى ذلك، وأعتقد ذلك"، وأضاف أنه كلما مر الوقت، زادت احتمالات وقوع حوادث وأخطاء.
جدير بالذكر أن المرة الأخيرة التي اندلعت فيها حرب بين إسرائيل وحزب الله كانت في عام 2006، واستمرت ستة أسابيع، وأسفرت عن وقوع أضرار جسمية وخسائر في الأرواح في لبنان، ومقتل ما يربو على ألف لبناني، إلى جانب مقتل نحو 200 مقاتل من حزب الله، وقُتل نحو 160 إسرائيليا، معظمهم من الجنود.
ويتفق الجميع على أن اندلاع أي حرب جديدة في المنطقة ستكون أكثر فتكا وتدميرا مقارنة بما سبق.
كما يجتمع كثيرون هنا في لبنان على أن البلاد لا تستطيع تحمل ذلك، فالاقتصاد متعثر، والنظام السياسي مضطرب، والحكومة عاجزة عن العمل.
وقالت سيدة تدعى هبة مسالخي: "أتمنى عدم اندلاع حرب"، مضيفة أن "لبنان لن يستطيع التعامل مع الأمر".
التقينا السيدة، التي تبلغ من العمر 35 عاما، على منحدر يطل على أحد سواحل بيروت على البحر المتوسط، كانت ترتدي ملابس رياضية، وتمسك في يدها صنّارة لصيد الأسماك.
- إسرائيل تترقب وتتحضر للرد: لماذا هدد نصر الله مدينة حيفا؟
- حزب الله يعتبر اختيار السنوار رئيساً لمكتب حماس دليلاً على "وحدة" الحركة
وقالت: "أتمنى أن تسود الحكمة العقول، وأن نتمكن من السيطرة على التصعيد حتى لا تخرج الأمور عن نطاق السيطرة".
وتتعامل هبة مع كل صوت بشكل مستقل، وتقول: "إذا سمعت صوتا، ينتابني الذعر، وأتساءل عما إذا كانت (القوات الإسرائيلية) قد قصفت موقعا بالقرب من منزلي أم قصفت المطار".
وتضيف هبة، التي تعمل في بيع العطور، أن لبنان عانى بالفعل بما فيه الكفاية.
وتقول: "عشرة أشهر فترة طويلة بالنسبة لنا لتدميرنا نفسيا، والاختباء في المنازل، نخشى من بدء أعمال تجارية لكسب بعض المال، بسبب اعتقادنا بأن الحرب قد تكون وشيكة".
واندلعت جولة الصراع الحالية في المنطقة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما شن مسلحو حماس هجوما من غزة على جنوبي إسرائيل، مما أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص، بحسب بيانات الحكومة الإسرائيلية، معظمهم من المدنيين.
وانضم حزب الله للصراع، وأطلق النار من لبنان على إسرائيل، وتقول الجماعة، الذي تصنفها بريطانيا والولايات المتحدة منظمة إرهابية، إنها تدعم الشعب الفلسطيني بهجماتها.
ويتبادل حزب الله وإسرائيل، منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إطلاق النار، الأمر الذي أسفر عن فرار عشرات الآلاف على جانبي حدودهما المشتركة، وسقوط ما يزيد على 500 قتيل في لبنان، معظمهم من المسلحين، ويقول مسؤولون إسرائيليون إن 40 إسرائيليا قُتلوا هناك، من بينهم 26 جنديا.
كما ازدادت المخاوف من اندلاع صراع أوسع نطاقا في نهاية يوليو/تموز الماضي، عندما أدت غارة إسرائيلية في بيروت إلى مقتل قيادي بارز في حزب الله.
وكانت إسرائيل قد اتهمته بتحمل مسؤولية مقتل 12 طفلا في هجوم صاروخي على مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل في سوريا.
وتشهد بالفعل غزة اندلاع حرب شاملة، أسفرت عن مقتل ما يزيد على 40 ألف فلسطيني في هجمات إسرائيلية، بحسب آخر إحصاء أعلنته وزارة الصحة في غزة، وهي بيانات تعتبرها منظمة الصحة العالمية موثوق بها.
وتعد غزة أبرز القضايا التي تثير قلق لبناني مثل أيمن صقر، الذي يصطاد السمك إلى جوار هبة، على الرغم من اختلاف وجهات النظر بينهما.
ويؤكد صقر، سائق سيارة أجرة يبلغ من العمر 50 عاما، على أنه إذا اندلعت حرب شاملة فإن لبنان سوف يتعامل معها، ويقول: "هناك بعض القلق، لكننا قادرون على التعامل معه. وفي النهاية سوف ندافع عن أنفسنا، وإذا متنا فلا بأس".
وأشاد صقر بمئات المسلحين من حزب الله الذين قتلتهم إسرائيل، كما أشاد بزعيمهم، حسن نصر الله.
وقال: "أشيد بالمقاومة وأولئك الذين استُشهدوا بكل جوارحي، كما أشيد بحسن نصر الله الذي جعلنا وكل العرب نشعر بفخر. الجميع قلقون بشأن إسرائيل، فماذا عن 39 ألف شخص قتلتهم إسرائيل؟"
وأضاف صقر، وهو أب لخمسة أطفال، إن الرعب في غزة لا ينكره أحد، لكنهم يتجاهلونه.
وقال: "العالم أجمع يرى الأطفال والنساء وكبار السن يُذبحون كل يوم أمام الكاميرات ولا أحد يكترث. أطفال الناس يُقتلون أمام أعينهم. أين العالم؟ أولئك الذين يلتزمون الصمت هم متواطئون".
ولا تزال هبة تأمل في تجنب اندلاع حرب شاملة.
وتقول: "لا يملك أحد حق قتل أي شخص، لا المنظمات ولا الأحزاب ولا الميليشيات. آمل أن يكون الجيل الجديد أكثر حكمة من الجيل الذي سبقه".
التعليقات