حققت روسيا تقدماً كاسحاً في الأيام الأخيرة ينذر بتحقيق موسكو مكاسب أكبر من تلك حققتها أوكرانيا في هجومها عبر الحدود في منطقة كورسك مؤخرا.
وأصبحت القوات الروسية على بعد بضعة كيلومترات من مدينة بوكروفسك الأوكرانية، وهي مركز لوجستي حيوي يستخدمه الجيش الأوكراني.
وتُعد هذه المدينة الأوكرانية، التي تحتوي على محطة سكة حديد رئيسية وطرق رئيسية، نقطة إمداد وتعزيز أساسية للقوات الأوكرانية على خط المواجهة الشرقي.
ويحذر معارضون للحكومة في كييف من أن يكون الجيش الأوكراني قد أخطأ في حسابات الوضع على الأرض.
وأشاروا إلى أن الجيش، بإرساله قوات إلى كورسك بدلا من تعزيز الخط الأمامي الشرقي، ترك بوكروفسك وغيرها من المدن الأوكرانية المهمة عرضة للخطر.
وفي فبراير/ شباط 2022، شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزواً واسع النطاق لأوكرانيا.
وفي زيارة إلى الخطوط الأمامية، قال قائد القوات المسلحة الأوكرانية الجنرال أوليكساندر سيرسكي إن روسيا تستخدم "كل ما يمكنها تحريكه" في هجومها.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء، إن "الوضع صعب للغاية".
وحذر الخبير العسكري ميخايلو جيروخوف من الوضع الراهن، قائلاً: "إذا خسرنا بوكروفسك، فإن خط المواجهة بأكمله سوف ينهار".
لماذا بوكروفسك ذات أهمية؟
تقع بوكروفسك إلى جوار بلدة أخرى؛ هي ميرنوهراد التي كان عدد سكانها قبل الحرب أكثر من مئة ألف نسمة، لكن معظمهم فر بسبب الصراع. وتُعد بوكروفسك وميرنوهراد آخر المدن الكبرى الخاضعة لسيطرة القوات الأوكرانية في منطقة دونيتسك.
وتعتبر معركة بوكروفسك امتداداً لمعركة أفدييفكا التي خسرتها أوكرانيا في فبراير/ شباط بعد أشهر من القتال الدامي.
وكانت أفدييفكا، التي تقع على بعد حوالي 40 كيلومتراً جنوب شرق بوكروفسك، وتُعتبر بمثابة حصن يحمي التجمعات السكنية والطرق إلى الغرب منها - مما يساعد على تعزيز وجود أوكرانيا على طول خط المواجهة بأكمله.
وعندما سقطت أخيراً، تحولت المدينة إلى أنقاض وكانت خسارة فادحة لأوكرانيا.
ويعني ذلك أن روسيا قد تبدأ في التركيز على مدينتي بوكروفسك وتشاسيف يار الواقعة على قمة التل، والتي تطل على بعض المدن المهمة التي لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية في دونيتسك، حيث أسفرت المعارك العنيفة هناك السبت الماضي عن مقتل خمسة أشخاص.
وتجري عملية إجلاء جماعي للمدنيين الأوكرانيين من بوكروفسك منذ عدة أسابيع، ويقال إن الآلاف قد غادروا المدينة بالفعل.
وقال الجنرال سيرسكي: "نعمل على تعزيز دفاع قواتنا في أصعب مناطق الجبهة، وتزويد الألوية بكمية كافية من الذخيرة وغيرها من الوسائل المادية والتقنية".
- أوكرانيا تواجه أسوأ أزماتها منذ بداية الحرب
- كيف ردّت روسيا على بايدن باستخدام "الخنجر" في ضرب محطات الطاقة الأوكرانية؟
كيف تقدمت روسيا بهذه السرعة؟
تعتبر روسيا بوكروفسك أحد أهدافها الرئيسية منذ وقت طويل. وعلى مدى أشهر ظلت قواتها تتقدم نحوها ببطء.
ويرى خبراء أن موسكو نشرت حوالي ثلث مجموعتها العسكرية المركزية، أو حوالي 30 ألف جندي، من أجل تنفيذ هذا الهجوم - بالإضافة إلى احتياطياتها الأكثر جاهزية للمعركة.
واستولت القوات الروسية على بلدة نوفوهروديفكا الأوكرانية هذا الأسبوع، ما أثار غضب البعض في أوكرانيا بعد أن رجحوا أنه كان ينبغي على الجيش الدفاع عنها بشكل أفضل.
وكتبت البرلمانية الأوكرانية ماريانا بيزوهلا عبر حسابها عل موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "كانت الخنادق أمام نوفوهروديفكا فارغة. ولم يكن هناك عملياً جيش أوكراني في المدينة التي كان عدد سكانها 20 ألف نسمة".
وقال معهد دراسات الحرب في واشنطن: "من المرجح أن القيادة الأوكرانية اعتبرت أن الدفاع عن نوفوهروديفكا لا يستحق الخسائر المحتملة".
وفي مناطق أخرى، شنت القوات الروسية هجمات على بلدة سيلدوف، جنوب نوفوهروديفكا، وأماكن أخرى في منطقة دونيتسك القريبة.
وكان من بين العوامل التي دعمت القوات الروسية في هذا الهجوم هو ما شهدته التكتيكات القتالية من تحول في الفترة الأخيرة، إذ عكست تلك التحولات بشكل متزايد تبنيها تكتيكات شبيهة بما كانت تستخدمه مجموعة فاغنر.
وأكدت القوات الأوكرانية أنها تواجه موجات متتالية من الهجمات التي تشنها قوات المشاة الروسية الذين أرسلوا إلى الخطوط الأمامية في محاولة لاقتحام مواقع أوكرانية.
ويسمي البعض هذه التكتيكات "هجوم اللحم".
وسرعان ما أنهكت هذه التكتيكات - رغم تكلفتها العالية - الوحدات الأوكرانية التي اضطرت إلى صد الهجمات المستمرة.
وتستخدم المركبات المدرعة في حدود ضيقة، مما يعقد مهمة الدبابات والمدفعية الأوكرانية التي ليس لديها الكثير لتستهدفه في ساحة المعركة.
كما تستخدم روسيا أيضاً قنابل انزلاقية قوية، مما يجبر أوكرانيا على تفريق وحداتها كلما بدأ القصف، بل وفي بعض الأحيان سحب قواتها من خط المواجهة.
- روسيا تشن هجوماً بطائرات مسيرة على العاصمة الأوكرانية، ومقتل وإصابة أفراد طاقم رويترز
- المقاتلون الروس يغادرون بوركينا فاسو للمساعدة في حرب أوكرانيا
هجوم كورسك في أوكرانيا
في نفس الوقت، تباطأ تقدم الهجوم التاريخي عبر الحدود في أوكرانيا إلى حدٍ كبيرٍ الأسبوع الماضي.
ويبلغ عدد سكان سودجا - وهي أكبر مستوطنة استولت عليها أوكرانيا داخل روسيا - حوالي 5000 نسمة أي أقل بثلاث مرات من عدد سكان نوفوهروديفكا، وهي المستوطنة التي استولت عليها روسيا في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وقال القائد العام الأوكراني الثلاثاء الماضي إن القوات الأوكرانية استولت على 1294 كيلومتر مربع من الأراضي داخل كورسك، بما في ذلك مئة مستوطنة – وأسرت 594 جنديا روسيا في هذه العملية.
وينبغي التعامل مع هذه الأرقام بحذر، لكنها بلا شك كبيرة. والسؤال الذي يتبادر إلى الذهب الآن هو ما إذا كانت هذه الأرقام تبرر الخسائر المحتملة على خط المواجهة الشرقي في أوكرانيا.
وقال سيرسكي الثلاثاء الماضي: "كان أحد أهداف العملية العسكرية في اتجاه كورسك هو تحويل اهتمام الجزء الأكبر من القوات الروسية من اتجاهات أخرى، من اتجاهي بوكروفسك وكوراخوفي تحديداً".
لكن يبدو أن القوات الأوكرانية فشلت في تحقيق هذا الهدف، إذ لم يُعاد نشر القوات الروسية من خط المواجهة في بوكروفسك.
بل على العكس من ذلك، تم تعزيزهم بقوات إضافية، مما أدى إلى الإسراع من وتيرة تقدمهم.
التعليقات