توفي المشير عبد الحكيم عامر في أيلول (سبتمبر) 1967 تحت ظروف غامضة، وسط مزاعم حول مؤامرة لإسكاته بعد الهزيمة الكارثية في حرب 1967. من هو عامر، الرجل الذي كان قريباً من عبد الناصر وأحد أبرز قادة الجيش المصري؟
في 14 أيلول (سبتمبر) من عام 1967 توفي المشير عبد الحكيم عامر، الرجل الثاني لفترة طويلة خلال حكم جمال عبد الناصر، والذي كان قيد الإقامة الجبرية بعد هزيمة 1967 أمام إسرائيل. وذكرت الرواية الرسمية أن عامر انتحر بالسم لكن هذا الادعاء أثار الكثير من الجدل والتكهنات حول إمكانية وجود مؤامرة للتخلص منه. فمن هو عبد الحكيم عامر؟
تقول عنه دائرة المعارف البريطانية إنه كان كان مسؤولاً عسكرياً مصرياً ساعد في تأسيس جمهورية مصر العربية في عام 1952، وبصفته قائداً للجيش، كان أحد أقوى الشخصيات في مصر حتى وفاته، وقد قاد القوات المصرية إلى الهزيمة في حرب حزيران (يونيو) من عام 1967.
- الملك فاروق: حكاية ملك مصر المتهم بـ "التواطؤ" مع هتلر
- في الذكرى 67 لـ "ثورة 23 يوليو" 52: ماذا تبقى من إرث عبد الناصر؟
البدايات وعبد الناصر
وُلد عبد الحكيم عامر في 11 كانون الأول (ديسمبر) من عام 1919 في قرية أسطال بمحافظة المنيا لأسرة ريفية ميسورة حيث كان والده عمدة القرية.
والتحق عامر بالكلية الحربية عام 1935 حيث التقى بجمال عبد الناصر وتخرج منها عام 1939، وبدأ حياته العسكرية في سلاح المشاة وخدم في الجيش المصري خلال الحرب العالمية الثانية.
وقد شارك مع عبد الناصر في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في عام 1948.
وبعد هزيمة الجيوش العربية في تلك الحرب، شارك عبد الناصر وعامر في تشكيل تنظيم الضباط الأحرار، وهي منظّمة سرية أطاحت بالملك فاروق الأول من حكم مصر في عام 1952.
وبعد فترة بسيطة من الإطاحة بالملك فاروق، تحوّلت مصر إلى جمهورية، وارتفعت أسهم عبد الناصر الذي تولّى رئاسة الحكومة ثم رئاسة الجمهورية، وكان عامر أحد أبرز المقربين من عبد الناصر وقد أسفر ذلك التقارب عن تعيينه في العديد من المناصب الحساسة، حيث أصبح نائباً للرئيس ورئيساً للأركان، مما منحه نفوذاً كبيراً في الحياة السياسية والعسكرية في مصر.
وفي عام 1956، وقع العدوان الثلاثي على مصر عندما تعرّضت للغزو من قبل جيوش إسرائيل وبريطانيا وفرنسا بعد أن أمم ناصر قناة السويس، لكن الغزو فشل بسبب الدعم الدولي من قبل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إنه على الرغم من الانتقادات التي تم توجيهها لعامر لأدائه أثناء القتال، إلا أن أزمة السويس، كما أصبحت تُعرف، اعتُبرت انتصاراً معنوياً لمصر، واتسع نفوذ عبد الحكيم عامر.
الجمهورية العربية المتحدة
عندما شكلت مصر وسوريا الجمهورية العربية المتحدة في عام 1958، تم تعيين عامر مشيراً ووزيراً للحربية ونائباً لرئيس الجمهورية، وفي العام التالي تم تعيينه حاكماً لسوريا.
غير أن هيمنة مصر المتزايدة على الاتحاد أدت إلى اضطرابات في سوريا، وفي عام 1961 طُرد عامر من البلاد، وانهار الاتحاد بين مصر وسوريا في وقت لاحق من ذلك العام.
وبعد عودته إلى مصر، عُيِّن عامر نائباً ثانياً لرئيس الجمهورية العربية المتحدة في عام 1961 (احتفظت مصر بهذا الاسم حتى عام 1971).
ومع ذلك، بدأ الخلاف يدب بين ناصر وعامر، ففي عام 1962 حاول ناصر انتزاع السيطرة على الجيش منه، لكن نفوذ الأخير داخل المؤسسة العسكرية جعل ناصر يتخلى عن خططه.
وبعد عامين تمت ترقية عامر إلى منصب النائب الأول للرئيس وتم تعيينه أيضاً نائباً للقائد الأعلى للقوات المسلحة وذلك إلى جانب العديد من المناصب الأخرى حيث تولى مهام رئاسة اللجنة العليا للسد العالي، والمجلس الأعلى للمؤسسات العامة ذات الطابع الاقتصادي، ولجنة تصفية الإقطاع، واتحاد كرة القدم.
هزيمة 1967 والوفاة
في 5 حزيران (يونيو) من عام 1967 اندلعت الحرب بين مصر وإسرائيل، وبسبب سوء الاستعداد، عانت مصر من هزيمة كارثية.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن إسرائيل شنت في وقت مبكر من صباح يوم 5 حزيران (يونيو) هجوما جويا استباقيا مفاجئا دمر أكثر من 90 في المئة من سلاح الجو المصري على مدارج المطارات.
وقد أدى هجوم جوي مماثل إلى إعاقة سلاح الجو السوري. وقد تعرض الجيش المصري للهجوم بدون غطاء من الجو، وفي غضون 3 أيام حقق الإسرائيليون انتصارا ساحقا على الأرض واستولوا على قطاع غزة وكل شبه جزيرة سيناء حتى الضفة الشرقية لقناة السويس.
وكانت خسائر الدول العربية في الصراع كارثية حيث بلغ حجم الخسائر البشرية في مصر أكثر من 11 ألفا والأردن 6 آلاف وسوريا ألف مقابل 700 فقط لإسرائيل، كما منيت الجيوش العربية بخسائر فادحة في الأسلحة والمعدات.
وقد أدت تلك الهزيمة إلى إحباط معنويات كل من الجمهور العربي والنخب السياسية. وأعلن عبد ناصر استقالته في 9 حزيران (يونيو)، لكنه سرعان ما استسلم لتظاهرات حاشدة تطالبه بالبقاء في منصبه. وسادت حالة من النشوة في إسرائيل التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها القوة العسكرية البارزة في المنطقة.
لقد كانت هزيمة عام 1967 (النكسة) نقطة تحول حاسمة في مسيرة عبد الحكيم عامر حيث حُملت القيادة العسكرية المسؤولية الكاملة عن ذلك الانهيار الكارثي، فتم إعفاء عامر من مناصبه العسكرية والسياسية في 9 حزيران (يونيو) من عام 1967.
وبعد تراجع عبد الناصر عن الاستقالة حاول استعادة السيطرة على الوضع الداخلي في مصر من خلال اتخاذ إجراءات صارمة ضد عبد الحكيم عامر ومؤيديه في الجيش، وتم فتح تحقيقات لمعرفة أسباب الهزيمة، ووجهت أصابع الاتهام نحو القيادة العسكرية العليا، وعلى رأسها عامر.
وفي 5 أيلول (سبتمبر)، ألقي القبض على عبد الحكيم عامر ووُضع قيد الإقامة الجبرية في منزله حيث اتهم بمحاولة قيادة انقلاب للإطاحة بالحكومة، ثم نُقل بناء على أوامر عبد الناصر من بيته إلى استراحة تابعة للمخابرات في منطقة المريوطية في الجيزة.
وكان من المقرر بالفعل أن يمثل أمام محكمة عسكرية للتحقيق في أسباب هزيمة حزيران (يونيو).
وفي ظل ذلك الضغط الكبير، وُجد عامر ميتاً في ظروف غامضة في استراحة المريوطة في 14 أيلول (سبتمبر) من عام 1967. وتقول الرواية الرسمية للحكومة المصرية إن عامر قد انتحر باستخدام السم، لكن هذا الادعاء أثار الكثير من الجدل والتكهنات حول إمكانية وجود مؤامرة للتخلص منه حيث تقول أسرته إن نظام عبد الناصر قتله لإخفاء الأسرار الحقيقية للهزيمة.
ففي تصريحات صحفية لعمرو، نجل عبد الحكيم عامر، في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2012، حمَّل الرئيس عبد الناصر، مسؤولية "قتل" والده بعد اقتياده من منزله في 13 أيلول (سبتمبر) 1967، وقال: "عبد الناصر غدر بوالدي لأنه لم يكن رجل سياسة".
ووصف عمرو عبد الحكيم عامر التقرير الرسمي في الستينيات من القرن الماضي عن انتحار والده بـ "الساذج"، مشيراً إلى أن أي طفل صغير يستطيع اكتشاف "فبركته"، مضيفاً أن: "الذين يعرفون شجاعة والدي ورجولته يعلمون جيداً أنه لا يمكن أن ينتحر".
من المسؤول عن الهزيمة؟
ورفض عمروعبد الحكيم عامر تحميل والده مسؤولية هزيمة مصر في حرب حزيران (يونيو)، مؤكداً أن هناك 3 أسئلة تقود الإجابة عليها إلى تحميل عبد الناصر كامل المسئولية عنها.
وقال إن السؤال الأول هو: "لماذا حاربنا؟ والثاني: هل كان الجيش مستعداً أم لا؟ والثالث: من الذي أمر بصرف قوات الطوارئ الدولية من سيناء قبل الحرب؟".
وعن السؤال الأول أجاب بأن الحرب قامت "لأن عبد الناصر استعدى إسرائيل بإغلاق خليج العقبة، وهو شريان الحياة بالنسبة لها، أما عن الثاني فجيشنا لم يكن مستعدًا لأن نصفه كان باليمن، والنصف الآخر أنهك هناك، والجميع يعلم أن أول بدايات الخلاف بين المشير وعبد الناصر كانت عندما طلب منه المشير الانسحاب من اليمن، والسؤال الثالث إجابته معلومة، فعبد الناصر هو من أمر بصرف هذه القوات لتصبح سيناء بعدها منطقة مكشوفة".
واستطرد نجل المشير: "والدي حاول مواجهة الخطر الذي وضعنا فيه الرئيس بأن طلب تنفيذ ضربة جوية وقائية، ولكن عبد الناصر هو من ألغاها قبل تنفيذها بأربع ساعات بعد مكالمة هاتفية جرت بينه وبين السفير السوفييتي، الذي أخبره أن موسكو لن تقف معه إذا بدأ هو بالهجوم".
وأضاف: "كان الخيار الذي وضعنا فيه عبد الناصر هو الانتظار حتى نتلقى نحن الضربة الأولى من إسرائيل، وهي الضربة التي كان يتوقعها المشير والفريق صدقي محمود الذي قال للرئيس وقتها إننا لن نستطيع تحملها".
وأبدى نجل المشير حزنه من الشائعات التي طالت والده مثل علاقاته النسائية وسهره مع الفنانات ليلة هزيمة حزيران (يونيو)، مشيرًا إلى أن هذه الشائعات "تدخل في إطار لعبة السياسة القذرة، والتي تنص على أنك إذا أردت أن تحرق شخصًا فشوه سمعته وتاريخه".
وتعجّب في السياق ذاته من القول بأن عبد الناصر لم يكن يعرف بزواج عامر من والدته الممثلة المعتزلة الراحلة برلنتي عبد الحميد، وأضاف ساخراً: "هل هذا كلام يعقل، عبد الناصر كان يملك أجهزة مخابرات قوية، ألم تقل له هذه الأجهزة إن نائبه متزوج؟".
التعليقات