في ظل الحرب المستمرة بين حماس وإسرائيل، خرجت قصص مؤلمة من غزة، مثل قصة الطفلة زينة وآلاء اللتين تم نقلهما إلى إيطاليا للعلاج بعد إصابات خطيرة. تجسد حالتهما معاناة آلاف الفلسطينيين الذين لا يستطيعون مغادرة القطاع لتلقي الرعاية الطبية الضرورية.
على أرجوحة في حديقة صغيرة في ضواحي مدينة بادوا شمال إيطاليا، تتأرجح الطفلة زينة البالغة من العمر عامين، وعينيها تلمعان بالحماس وهي تطلب أن تحلق أعلى وأعلى.
قد يبدو هذا المشهد عاديًا في أي مكان بالعالم، لكنّ زينة تعاني من صعوبة في تحريك رأسها بشكل صحيح. والجانب الأيمن من وجهها ورقبتها وفروة رأسها مليء بندبات عميقة، لا تزال متورمة. ورغم كل ذلك، تشعر زينة الآن بأمان أكثر من أي وقت مضى، وكأنها تطير بعيدًا عن كل الآلام.
زينة هي واحدة من 5000 شخص تم السماح لهم بمغادرة غزة لتلقي علاجا متخصصا في الخارج منذ اندلاع الحرب بين حماس واسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تقول منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 22 ألف فلسطيني في غزة تعرضوا لإصابات غيرت حياتهم نتيجة النزاع، لكن القليل جداً منهم تمكن من مغادرة القطاع منذ إغلاق معبر رفح مع مصر في مايو/أيار الماضي.
تصف شيماء، والدة زينة، اللحظات التي سبقت إصابة ابنتها أثناء لعبها في خيمة عائلتها في المواصي، جنوب قطاع غزة، في 17 مارس/آذار الماضي، بـ"الكوابيس".
نزحت العائلة مرتين من منزلهم في خان يونس، أولاً إلى رفح ثم إلى "المنطقة الإنسانية" الواسعة في المواصي، حيث اعتقدوا أنهم سيجدون الأمان.
تتذكر شيماء لحظة وقوع الغارة الجوية بالقرب من خيمتهم، وتقول إن زينة وأختها البالغة من العمر أربع سنوات، لانا، تلعبان معًا، يحتضنان بعضهما ويقولا "أحبك، أحبك".
وتتابع بالقول إن زينة ركضت لتتمسك بها، بينما كانت والدتها تحمل قدرًا من الحساء المغلي الذي انسكب على ابنتها. تقول: "كان وجهها وبشرتها تذوب أمامي. حملتها وخرجت حافية القدمين إلى الشارع، شعوري بالخوف كان لا يوصف."
كانت خدمات الطوارئ مشغولة جداً، بحسب شيماء، لكن زينة تم علاجها في النهاية على يد أطباء الصليب الأحمر في مستشفى غزة الأوروبي، الكائن ببلدة الفخاري قرب مدينة خان يونس جنوب القطاع، حيث خضعت لزراعة جلد من ساق والدها، تلاها زراعة أكثر نجاحًا من جلد ساقها بعد وصولها إلى مصر.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، تم نقلها من مصر إلى إيطاليا للحصول على علاج أكثر تخصصًا.
وفور وصولها إيطاليا، انضمت زينة إلى آلاء البالغة من العمر 17 عامًا، والتي أصيبت بجروح خطيرة في ضربة جوية على منزلها في مدينة غزة أواخر العام الماضي.
حوصرت آلاء تحت الأنقاض لمدة 16 ساعة، وعندما تم إنقاذها، اكتشفت أن والدها قد توفي. وكذلك إخوتها، نايل، الذي كان طالبًا في الجامعة، ووائل، الممرض.
تستذكر آلاء الساعات التي أمضتها تحت الأنقاض وتقول إنها كانت مستيقظة طوال الوقت، إلا أنها لم تستطع التنفس بشكل صحيح بسبب الوزن الضاغط عليها، كان تفكيرها محصورًا فقط ببقية عائلتها وما حدث لهم.
"لم يكن لنا أي علاقة بحماس"، هذا ما أكدته آلاء التي فقدت إلى جانب عائلتها جدّيها وعمّة.
وكانت قوات الدفاع الإسرائيلية قد نفت لـ"بي بي سي" استهداف المدنيين وقالت إنها تتخذ "احتياطات معقولة لتقليل الأذى المدني" في عملياتها لتفكيك القدرات العسكرية لحماس.
وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة، فقد قُتل أكثر من 41,000 شخص في غزة منذ بدء النزاع قبل نحو عام.
طالبت منظمة الصحة العالمية مرارًا بـ"ممرات طبية متعددة" لإجلاء الجرحى الفلسطينيين. وتقول إنه منذ مايو/أيار الماضي، تم السماح فقط لـ219 مريضًا بمغادرة غزة.
تم إجلاء زينة وآلاء بفضل جهود جمعية خيرية مقرها بريطانيا تُدعى "Save a Child" ومنظمة "كندر ريليف" الأمريكية. فقد عملت هاتان المنظمتان لعدة أشهر على إخراجهما، وقدّمتا التماسات إلى السلطات في إسرائيل ومصر ووزارة الخارجية الأمريكية للحصول على المساعدة اللازمة.
تقول نادية علي من منظمة "كندر ريليف"، التي رافقت الفتاتين من مصر إلى إيطاليا: "زينة وآلاء من بين المحظوظين الذين خرجوا، لدينا أطفال تم إحالتهم إلينا توفوا أثناء انتظارهم للمغادرة."
زينة وآلاء على موعد اليوم مع شهور من العلاج الفيزيائي المؤلم، يتبعها العديد من جولات الجراحة، تحت رعاية أحد أفضل أخصائيي الحروق في إيطاليا.
يقول الدكتور برونو أزينا إن الحروق على ساقي آلاء "عميقة جدًا لدرجة أنها لن تتمكن من المشي بشكل طبيعي مرة أخرى"، مضيفًا أن "الشعر على فروة رأس زينة المتضررة لن ينمو مجددًا".
تقول شيماء والدة زينة، إن ابنتها بدأت تدرك اختلافها عن إخوتها، وبخاصّة عندما تطلب منها أن تربط لها شعرها كبقية الفتيات.
تجد شيماء، التي تعتني بابنتيها بمفردها – إذ لم يُسمح لزوجها بالإجلاء معهما – صعوبة كبيرة، جسديًا وعاطفيًا. لكنها تدلل زينة، وتلقبها بـ"الأميرة"، مخفية دموعها ومخاوفها بشأن المستقبل عنها.
تشعر شيماء بالحزن أيضاً لفقدان والدتها التي توفيت بسبب السرطان الذي انتشر، دون علاج، في جسمها خلال الأشهر التي تلت الحرب.
تقول: "لقد كلفتني الحرب الكثير."
وتضيف: "آمل أن يتمكن المصابون الفلسطينيون الآخرون من مغادرة البلاد للعلاج، أصلي دائمًا ليحميهم الله وأن تتوقف الحرب."
التعليقات