أعلنت الهيئة العليا للانتخابات فوز الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد بالأغلبية المطلقة للأصوات، بنسبة وصلت إلى تسعين في المئة وبالتالي توليه مجددا رئاسة البلاد للسنوات الخمس المقبلة.
وقال رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر إن سعيَّد حاز على نسبة قاربت الواحد وتسعين في المئة.
وحسب هيئة الانتخابات فقد بلغت نسبة الإقبال العامة حوالي التسعة والعشرين في المئة. وحصل العياشي زمّال الرئيس السابق لحركة عازمون الليبيرالية، والموجود في السجن على سبعة في المئة من الأصوات، و زهير المغزاوي أمين عام حركة الشعب القومية على حوالي اثنين في المئة.
قدم مراقبو وملاحظو الانتخابات تقريرهم النهائي بخصوص ما سجلوه من خروقات منذ عملية التصويت وحتى إغلاق مكاتب الاقتراع. وأجمعوا أن عملية الاقتراع مرت في ظروف جيدة، وأن بعض التجاوزات سُجِّلت لكنها لا ترتقي إلى جرائم انتخابية ولا تمس من نزاهة وشفافية الانتخابات، حسب قولهم.
وأكد المدير التنفيذي لمرصد "شاهد" لمراقبة الانتخابات الناصر الهرابي أن ما رصدوه يتعلق أساسا بالجانب اللوجيستي والتقني، وأن بعض المكاتب شهدت نقصا في أوراق الانتخابات أو بطاقات التصويت إلى جانب ارتباك ساد موظفي هيئة الانتخابات أثناء تأدية مهامهم وعدم معرفتهم بطريقة العمل، ما يستوجب تدريبهم مسبقا قبل يوم الاقتراع، إلى جانب استمرار الدعاية الانتخابية حتى يوم الانتخابات ومحاولات التأثير في تجمعات خارج المكاتب على الناخبين.
- انتخابات الرئاسة في تونس 2024: هل تعكس تنافساً حقيقياً أم إنها "مجرد إجراء شكلي"؟
- التونسيون ينتخبون رئيسهم الجديد بعد حملة انتخابية "باهتة"
أعلى نسبة منذ الثورة
وأكد أمين عام حزب المسار محمود بن مبروك: "كنا نتوقع هذه النتيجة ورئيس الجمهورية يحظى بشعبية كبيرة وبدعم من الشعب التونسي من الداخل والخارج ونعرف منذ شهور أن الرئيس سيمر إلى العهدة الثانية في الانتخابات الرئاسية منذ الدور الأول ومن دون أن نمر إلى الدور الثاني."
وأضاف بن مبروك أن تحقيق نسبة تسعين في المائة نسبة معقولة، إذ توجه أكثر من مليوني تونسي إلى مراكز الاقتراع ما يعكس إجماعا وهبّة شعبية تلقائية من الشعب التونسي، وفق تعبيره، مشيرا إلى أن: " الشعب يدرك جيدا خطورة المرحلة وأهمية عدم الرجوع إلى الوراء".
وبالنسبة للتحديات التي تنتظر الرئيس قيس سعيد في السنوات الخمس المقبلة، يرى بن مبروك أنه سيتم الاهتمام بالجانبين الاقتصادي والاجتماعي من خلال فتح وتشجيع الاستثمار في الداخل ودعوة رجال الأعمال التونسيين والأجانب إلى الاستثمار في تونس، وأنه من الضروري الانفتاح على الدول الأخرى لتقف إلى جانب تونس ودفع الديون الخارجية.
وقال المحلل والكاتب الصحفي محمد اليوسفي إن هذه النتائج كانت منتظرة، إذ لا توجد منافسة حقيقية في السباق الانتخابي وإن كل الظروف التي حفّت بالعملية الانتخابية كانت غير ديمقراطية, وفق قوله، وكانت كلها تصب في خانة الرئيس قيس سعيد. ويرى اليوسفي أن هذا يعدّ يوما حزينا في تاريخ التجربة السياسية التونسية لأن ملف الانتقال الديمقراطي أغلق بشكل نهائي، حسب قوله، وأن تونس ستعود إلى نظام الحكم الفردي والنظام الاستبدادي وغير الديمقراطي ونظام ليس فيه الحد الأدنى من شروط الديمقراطية وشروط التنافس السياسي على السلطة، وفق تعبيره.
لم يصعّد فريق حملة المرشح القابع وراء القضبان العياشي زمّال من خطابه بعد إعلان النتائج، وقال في بيان إن ما يهمه هو مصلحة البلاد ومصلحة مرشحهم، داعيا الرئيس سعيد إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين. كما دعا رئيس الجمهورية المنتخب والمعارضة الوطنية إلى تغليب المصلحة الوطنية العليا والدخول في تهدئة سياسية شاملة، تغلب فيها المصالح العليا للبلاد وتبدأ بإطلاق سراح جميع السجناء والمعتقلين على خلفية انشطتهم السياسية، والإعلامية أو الاقتصادية أو الفنية، بغية توفير شروط مناخ سياسي واقتصادي واجتماعي يشجع على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والانخراط في بناء دولة المواطنة، والحريات والازدهار الاقتصادي والرفاه، حسب رأيه.
ونشر المعارض السياسي وعضو جبهة الخلاص أحمد نجيب الشابي بيانا على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك قال فيه إن "هذه هي الأرقام الرسمية أما الأرقام الحقيقية فلا يعلمها إلا الله، لغياب وتغييب كل آليات الرقابة المحلية والدولية."
وجاء في نص البيان أيضا أن هذه الانتخابات عرفت: "انعدام أدنى شروط المنافسة النزيهة بعد ان جرفت السلطة كافة الحقوق والحريات وزجت بقيادات الرأي من سياسيين وإعلاميين في السجن وذهبت الى أبعد مما كان يتصور فلاحقت المترشحين وزجت ببعضهم في السجن مع حرمانهم من حق الترشح مدى الحياة وضربت عرض الحائط بقرارات المحكمة الإدارية التي أذنت بقبول بعض الترشحات".
حريات مقيدة
نشرت الهيئة العليا للانتخابات في تونس بيانا على صفحتها الرسمية على فيسبوك أكدت فيه نشرها لجميع تقارير الانتخابات محذرة من اتهامها بتزوير النتائج وأن أي تصريح بهذا الشأن سيتم إحالته إلى النيابة العامة: "إن كل اتهام مجاني لهيئة الانتخابات بتدليس او تزوير النتائج تصريحا او تلميحا سيتم معاينته بصفة قانونية وإحالته للنيابة العمومية من أجل بث ونشر الأخبار الزائفة ونسبة أمور غير قانونية لموظف عمومي دون الإدلاء بما يثبت صحة ذلك طبق القوانين".
وفي بيان نشرته منظمة "أنا يقظ" الرقابية قالت فيه إنها غابت لأول مرة عن مراقبة الانتخابات بسبب منعها من هيئة الانتخابات قائلة "إنّ تغييب بعض من مكونات المجتمع المدني قسرا عن ملاحظة الانتخابات لسنة 2024 وذلك في سابقة هي الأولى منذ سنة 2011، هو تغييب لشفافية العملية الانتخابية ونسف لحقّ المواطن في المعلومة". وأشارت المنظمة أن نتائج الانتخابات "تذكّرنا بنتائج الانتخابات المجراة في السنوات السّابقة للثورة وذلك لاشتراكها في الممارسات".
وانتقدت المنظمة ما أسمته في بيانها بـ "اصطفاف الهيئة العليا غير المستقلّة للانتخابات وراء مرشّح بعينه والتلاعب بقواعد الترشح من خلال إضفاء شروط جديدة ورفض تطبيق الأحكام القضائية القاضية بإدراج مترشحين للانتخابات ليس إلاّ آلية من آليات حصر إرادة الناخب في الاختيار بين مترشحين دون غيرهم."
وهناك من حذّر من أن نسبة التصويت التي حققها سعيد في الانتخابات تكرس لعودة الاستبداد وتقييد مجال الحريات.
وقال المحلل والكاتب الصحفي محمد اليوسفي إن: "النتيجة ليست صادمة إذ أن المسار الانتخابي شابته عديد الشوائب من خلال إقصاء منافسين سياسيين للرئيس قيس سعيد، سجن البعض الآخر والتحكم في خيوط اللعبة بشكل عزّز من حظوظه. سعيد فعل كل شيء ليجري وحيدا ونجح في الوصول إلى السباق الختامي بهذا المشهد التسعيني الذي يعود بتونس إلى الخلف ويجعل منها تصطف إلى جانب الدول الاستبدادية التي لا يوجد فيها مناخ ديمقراطي للتنافس والتي أصبح فيها التداول على السلطة ليس بالهين والتي تم فيها ضرب كل مكتسبات الثورة على مستوى الحقوق والحريات".
وأكد محمود بن مبروك أمين عام حزب المسار المساند للرئيس قيس سعيّد: "بالنسبة لملف الحريات فليست هنالك أي تضييقات بل هنالك مسيرات للمعارضة تخرج إلى الشارع لكن كل ما من شأنه أن يتعلق بهتك العرض والسمعة هو ما يُزعج لكن أيضا نطالب من جهتنا بمزيد من الحريات ومراجعة المرسوم 54 وستكون المرحلة المقبلة مرحلة فارقة في تاريخ تونس."
ويقول مراقبون إن الانتخابات مهمة لتحقيق الاستقرار السياسي ولا بد من تحسين الظروف الاقتصادية ليتحقق الاستقرار في البلاد فنسبة التضخم جاوزت السبعة في المئة في حين وصلت نسبة البطالة إلى ستة عشر في المئة.
واقتصاديا، هناك تحديات كبرى أمام قيس سعيد إذ أكد في فترات سابقة أن المرحلة القادمة ستكون "مرحلة التشييد والبناء" حسب قوله.
التعليقات