تحذير: يحتوي هذا التقرير على تفاصيل قد يجدها البعض مزعجة.
فجأة، توقفت ملاك عن الكلام، وانحنت للأمام قليلا وقبلت أختها الرضيعة رحمة -ذات الشعر الأشقر والعيون الزرقاء- الجالسة في حضنها. فارق العمر بينهما 13 عاما. ولكن بالنسبة لملاك، التي فقدت والدها في هجوم إسرائيلي، فإن الطفلة البالغة من العمر أربعة أشهر هدية ثمينة لا يمكن تصورها.
تقول ملاك "أنا أحبها كثيرا، بطريقة لا يعرفها أحد غيري".
عادت بي بي سي إلى غزة لمقابلة ملاك وآخرين مع اقتراب الذكرى الأولى للحرب. أجرينا أول مقابلة مع ملاك في فبراير/ شباط، بعد وفاة والدها، عبد الرحمن النجار، عامل المزرعة البالغ من العمر 32 عاما.
كان عبد الرحمن أبا لسبعة أطفال، ويُعتقد أنه أصيب بشظايا، من بين أكثر من 70 شخصاً قُتلوا خلال عملية كوماندوز إسرائيلية لإنقاذ رهينتين محتجزتين لدى حماس في رفح. كان نائماً مع عائلته في خيمة للاجئين عندما وقعت الغارة.
كانت خيمتهم قريبة من مكان القتال. فقدت ملاك إحدى عينيها في الهجوم. كما أصيبت بجرح آخر. في ذلك الوقت كانت تعاني من صدمة شديدة، وعندما التقت بزميل من بي بي سي، صاحت في ألم: "أنا أتألم. لقد فقدت والدي. كفى!"
ومنذ ذلك الحين، ركّب الأطباء كرة بيضاء صغيرة في محجر عينها الفارغ. كإجراء مؤقت وكاف حتى تنتهي الحرب حيث تأمل بعد ذلك أن تحصل على عين اصطناعية مناسبة لها.
لكن ملاك لا تشكو من خسارة وفقدان عينها، بل إنها تتخيل كيف سيكون شعور والدها إذا تمكن من حمل أختها الطفلة رحمة، التي ولدت بعد ثلاثة أشهر من وفاته. تبتسم وتقول: "كان يريد دائما أن تكون له ابنة ذات عيون زرقاء".
وبعد ما حدث، تريد ملاك أن تكون طبيبة عيون، لمساعدة من يعانون مثلها.
تجلس ملاك على أرضية خرسانية في خان يونس جنوب غزة مع أختها رحمة وخمسة أشقاء أصغر سناً -ثلاث شقيقات وشقيقان تتراوح أعمارهم بين أربع سنوات و12 عاما. قبل الحرب، كان والدهم يعمل بجد في مزارع الآخرين لدعم أسرته.
تتذكر ملاك "كان والدنا يأخذنا دائما للتنزه ويشتري لنا الملابس في الشتاء. كان لطيفا جدا معنا. كان يفضلنا على نفسه".
ثم جاء السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وهجوم حماس على إسرائيل الذي قُتل فيه أكثر من 1,200 إسرائيلي بينهم العشرات من الأطفال، بحسب الجيش الإسرائيلي، واختطف أكثر من 250 رهينة إلى غزة.
وأدى هذا الهجوم إلى غزو إسرائيلية بري، وضربات جوية متواصلة، قُتل فيها ما يقرب من 42,000 شخص حتى الآن، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة. ووفق الأمم المتحدة فإن نحو 90 في المئة من سكان غزة، أي ما يقرب من مليوني شخص، أصبحوا نازحين، وقد هُجِّرت عائلة ملاك أربع مرات.
وتضيف "أحمل ألما لا يمكن للجبال أن تحمله. لقد هُجِّرنا، ويبدو الأمر وكأن حياتنا كلها أصبحت نزوحا. ننتقل من مكان إلى آخر".
وترفض الحكومة الإسرائيلية السماح للمراسلين الأجانب بالدخول إلى غزة، وتعتمد بي بي سي على فريق من الصحفيين المحليين لتغطية الأزمة الإنسانية. أعطيناهم مجموعة من الأسئلة وطلبنا منهم التواصل مع بعض الفلسطينيين الذين تحدثنا إليهم في غزة على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية.
ويتقاسم هؤلاء الصحفيون الخوف الدائم والتشرد الذي يعيشه الناس الذين يغطون أخبارهم. فهل يعود الطفل الذي أرسل لإحضار دلو من الماء إلى المنزل؟ أم أنه سيعود ليجد منزله مدمرا وعائلته مدفونة تحت الأنقاض؟ هذه هي الأسئلة التي تطارد أرملة عبد الرحمن، الشابة نوارة، كل يوم.
تقول نوارة "هناك قصف مستمر ونحن دائما خائفون ومرعوبون. أحيط بأطفالي وأحتضنهم باستمرار".
تطلب قوات الجيش الإسرائيلي من الناس الانتقال إلى ما يسمونها "المناطق الإنسانية الآمنة". يفر الناس ولكنهم لا يجدون الأمان في كثير من الأحيان. عندما ينتقلون، يبدأ كفاحهم من جديد لإيجاد الطعام والحطب والأدوية في مكان غير مألوف.
لقد عادت عائلة ملاك الآن إلى منزلهم، لكنهم يعرفون أنهم قد يضطرون إلى الفرار مرة أخرى. هذا هو الواقع الذي لا مفر منه في حياتهم بعد عام من الحرب. على حد تعبير نوارة، "لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة".
تشكو نوارة من مياه الصرف الصحي المتدفقة في الشارع. ونقص الإمدادات الطبية. ومثل العديد من سكان غزة، بدون دخل، تعتمد نوارة على الطعام الذي يمكن لأقارب زوجها أو الجمعيات الخيرية توفيره.
لا توجد مدارس مفتوحة ليلتحق بها أطفالها، حالهم حال 465 ألف طفل تقدر اليونيسف أنهم تأثروا بإغلاق المدارس.
وتضيف نوارة "صحتنا أنا وأطفالي سيئة. إنهم مرضى بشكل مستمر، ويعانون من الحمى أو الإسهال. ويشعرون بالإعياء دائما".
ورغم كل ذلك، تذكر نوارة زوجها عبد الرحمن.
وتقول "أنظر إلى صورته، وأستمر في الحديث معه. أتخيل أنه لا يزال على قيد الحياة"، مضيفة "أستمر في الحديث معه على الهاتف وكأنه يرد علي، وأتخيل أنني أرد عليه. كل يوم أجلس وحدي، وأذكر اسمه، وأتحدث إليه، وأبكي. أشعر وكأنه يعرف كل ما أمر به".
وملاك أيضا، لديها طقوسها اليومية. تحاول هي وإحدى أخواتها القيام بعمل خيري كل يوم لروح والدهما. وعندما يكون ممكنا، تقدم عمتهما صدقة من الطعام لروح أخيها المتوفى. تقول ملاك: "في الليل، نقدم كل هذه الصدقات، ثم ندعو له".
إن قصة نوارة النجار وابنتها ملاك ما هي إلا لمحة مجتزأة من معاناة الأشهر الاثني عشر الماضية. ومع دخول الحرب عامها الثاني، يواصل زملاؤنا في بي بي سي على الأرض تقديم تقارير عن الموت والنزوح. في شمال غزة، قمنا بزيارة عائلة رجل من ذوي الإعاقة، توفي بعد تعرضه لهجوم في عملية إسرائيلية.
"لن أنسى هذا المشهد أبداً"
شعر محمد بهار بالرعب. إذ نبح الكلب واندفع نحوه، عضه وبدأت الدماء تسيل ولم يستطع إيقافها. كانت غرفة الجلوس في بيته مليئة بالضوضاء -والدته وابنة أخته الصغيرة تصرخان من الخوف، والجنود الإسرائيليون يصرخون عليهم لتنفيذ الأوامر.
كان محمد، البالغ من العمر 24 عاما، مصابا بمتلازمة داون إلى جانب إصابته بالتوحد -لم يكن يفهم ما كان يحدث. عندما تحدث أحد الزملاء في بي بي سي لأول مرة مع عائلته في يوليو/ تموز، كانوا لا يزالون تحت تأثير الصدمة مما حدث.
تصف والدة محمد، نبيلة، 70 عاما، ما تتذكره "أتذكر مشهد الكلب وهو يعضه ويمزق يده بشكل متكرر، وأتذكر الدم ينزف من يده. لن أنسى هذا المشهد أبدا -إنه أمام عيني طوال الوقت، ولا يتركني على الإطلاق. لم نتمكن من إنقاذه، لا منهم، ولا من الكلب".
وقعت الحادثة في 3 يوليو/ تموز، عندما كانت قوات الجيش الإسرائيلي تقاتل قتالا عنيفا في حي الشجاعية. وقال الجيش الإسرائيلي إن "تبادلا كبيرا لإطلاق النار وقع بين قواته و مقاتلي حماس".
ووفقا للجيش الإسرائيلي، كانت القوات تفتش المباني بحثاً عن مقاتلي حماس باستخدام كلب -وتستخدم هذه الحيوانات بانتظام في البحث عن المقاتلين والفخاخ والمتفجرات والأسلحة.
قال الجيش الإسرائيلي: "داخل أحد المباني، اكتشف الكلب تواجد "الإرهابيين" وهناك عض أحد الأشخاص". وقد قيد الجنود الكلب وأعطوا محمد بعض "العلاج الطبي الأولي" في غرفة أخرى، بحسب الجيش.
وقالت نبيلة بهار إن طبيبا عسكريا وصل ودخل الغرفة التي كان يرقد فيها محمد. وأضافت ابنة أخته، جنى بهار، 11 عاما، أن الجنود قالوا إنه "بخير".
وأفادت الأسرة أن الجيش الإسرائيلي اعتقل اثنين من أشقاء محمد أثناء المداهمة. لكنهم يقولون إن أحدهما أُطلق سراحه.
وقالت نبيلة إن بقية أفراد الأسرة أُمروا بالمغادرة. وتوسلوا للسماح لهم بالبقاء مع محمد الجريح. لكن الجيش الإسرائيلي قال "إنهم طلبوا من الأسرة المغادرة لتجنب البقاء في منطقة القتال".
بعد ذلك بفترة -لم يذكر الجيش الإسرائيلي كم مدتها- غادرت القوات. وقال الجيش إنهم ذهبوا لمساعدة الجنود الذين تعرضوا لكمين. وذكر تقرير الجيش الصادر في 3 يوليو/ تموز أن الكابتن روي ميلر، 21 عاما، قُتل، وأصيب ثلاثة جنود آخرين، أثناء القتال في الشجاعية.
بقي محمد وحيدا في المنزل. ولم يذكر بيان الجيش الإسرائيلي الحالة التي كان عليها عندما غادر الجنود. لكن شقيقه جبريل يعتقد أنه لم يتلق العلاج المناسب.
ويقول جبريل "كان بإمكانهم معالجته بشكل أفضل بكثير مما فعلوا، لكنهم وضعوا على جراحه بعض الشاش، وكأنهم قاموا بعمل سريع غير مبالين. لم يكن الأمر مهما بالنسبة لهم سواء عاش أو مات".
انسحب الإسرائيليون من الحي بعد أسبوع وعادت عائلة محمد. وجدوه ميتا على أرضية المطبخ.
ما زال من غير المعروف سبب وفاته بالضبط بعد أن هاجمه الكلب. وفي ظل الظروف الحالية التي تعيشها الأسرة بسبب الحرب، لم تتمكن الأسرة حتى من تشريح الجثة.
وقد دفن محمد في زقاق بجوار المنزل لأن الذهاب ودفنه في المقبرة التي دفن فيها والده -الذي توفي قبل الحرب- كان أمرا خطيرا للغاية.
وبعد ثلاثة أشهر، لا يزال محمد مدفوناً في الزقاق. وقد غطى شقيقه جبريل القبر بألواح بلاستيكية وبعض الكتل الخرسانية وصفائح من الحديد. ويحيط به كومة من الأنقاض وقطع المعدن، وهي مخلفات المباني التي تعرضت للقصف في الجوار.
وفي الداخل، تُركت غرفة نوم محمد مغلقة. فتح جبريل الباب، ومشى في الظلام، وفتح الخزانة وأخرج بعض ملابس شقيقه. إلى جانب بعض الصور ومقاطع الفيديو العائلية، هذه هي التذكارات الباقية من حياة محمد في المنزل.
يقول جبريل "كانت غرفته الشخصية حيث كان يمارس الرياضة ويلعب ويأكل، ولم يدخل هذه الغرفة أحد سواه". وفي غرفة الجلوس، يشير جبريل إلى الأريكة التي كان يجلس عليها محمد عندما هاجمه الكلب. لقد جفت بقع الدم التي كانت على قماش الأريكة.
يقول جبريل: "كل ركن من أركان هذا المنزل يذكرنا بمحمد. هذا هو المكان الذي كان يجلس فيه دائما وأشار إلى بقعة في المنزل. كنا نجلس حوله، ونحرص على عدم إزعاجه. كان يحب السلام والهدوء".
تريد الأسرة إجراء تحقيق مستقل في وفاته.
يقول جبريل "بمجرد انتهاء الحرب وعودة المنظمات الدولية لحقوق الإنسان والجماعات القانونية، سنقوم بالتأكيد برفع دعوى قضائية ضد الجيش الإسرائيلي".
ويضيف "كان محمد حالة خاصة لم يكن مقاتلا، ولم يكن مسلحا، مجرد مدني عادي. لم يكن حتى مجرد أي مدني، كان من ذوي الإعاقة".
"المستشفى مدمر إلى حد كبير"
لقد رحل معظم جيران وأصدقاء الدكتور أمجد علوة. إما موتا أو فرارا إلى جنوب القطاع، على أمل أن يكون الوضع أكثر أمانا هناك. عندما يعود إلى منزله سيرا على الأقدام من المستشفى، يرى الناس في الشوارع يحدثون أنفسهم.
يقول أمجد "لم يعد هناك أي شخص عاقل".
يعمل الدكتور أمجد علوة، 32 عاما، في قسم خدمات الطوارئ بمستشفى الشفاء في شمال غزة. في بداية الحرب كان المستشفى أكبر مجمع طبي في القطاع. والآن، تحول قسم كبير من المستشفى إلى أنقاض بعد غارتين كبيرتين شنتهما القوات الإسرائيلية، التي قالت إن حماس ومسلحين آخرين استخدموا المنشأة للتخطيط لشن هجمات تنتهك القانون الدولي. ورفضت وزارة الصحة في غزة هذه التهمة، واتهمت بدورها إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في مستشفى الشفاء.
لقد رأى الدكتور علوة أطفالا يموتون أمام عينيه. إما ضحايا جروح الحرب. أو من الأمراض، التي غالبا ما تكون ناجمة عن نقص المياه النظيفة. وعندما التقت به بي بي سي لأول مرة، كانت المنطقة تعاني من سوء التغذية الحاد.
عندما أجرت بي بي سي أول مقابلة مع الدكتور أمجد، في فبراير/ شباط الماضي، وصف كيف شهد وفاة الرضيع محمود فاتو البالغ من العمر شهرين. والذي توفي بعد وقت قصير من نقله إلى المستشفى.
قال الدكتور "لم يكن من الممكن تزويد هذا الطفل بالحليب. كم أن والدته لم تزود بالطعام حتى تتمكن من إرضاعه. كان يعاني من أعراض الجفاف الشديد، وكان يلفظ أنفاسه الأخيرة عندما وصل".
وُلد للدكتور أمجد صبي بعد 12 يوماً من هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. وبعد وفاة محمود فاتو، أخذ يتأمل في وضع عائلته.
وقال "لقد صدمنا جميعا، فهذا الطفل قد يكون طفلنا. ربما يصبح ابني بعد بضعة أيام مثله تماما". لحسن الحظ، يتمتع ابن الدكتور أمجد بصحة جيدة وهو يقترب من الاحتفال بعيد ميلاده الأول.
ويواجه أمجد وأي طبيب، نفس المشاكل التي يواجهها أي شخص آخر تقريبا في شمال غزة. لقد دمر منزله واضطر إلى الانتقال مع عائلته إلى منزل أحد المرضى.
تقول الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الإنسانية في غزة، إن إسرائيل تمنع بانتظام دخول المساعدات. على سبيل المثال، في الأسبوعين الأولين من شهر كانون الثاني (يناير) (الشهر الذي سبق لقاء بي بي سي بالدكتورأمجد)، قالت الأمم المتحدة إن 69 في المئة من طلبات نقل المساعدات و95 في المئة من البعثات لتوفير الوقود والأدوية لخزانات المياه وآبار المياه والمرافق الصحية في شمال غزة، تم رفضها. فيما تنفي إسرائيل منع المساعدات.
كان الدكتور أمجد يقف في طابور للحصول على الطعام كلما سنحت له الفرصة ووجد وقت فراغ. وقد أدى هذا إلى إصابته عندما فتحت القوات الإسرائيلية النار على دوار النابلسي في شمال غزة في 29 فبراير/ شباط.
وقد تجمع الآلاف من الناس على أمل الحصول على الدقيق من قافلة مساعدات ترافقها القوات الإسرائيلية. وقد قُتل يومها أكثر من 100 شخص وجُرح أكثر من 700 شخص وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة. فيما قال الجيش الإسرائيلي إن معظم الضحايا قضوا نتيجة التدافع عندما تجمع الناس حول شاحنات المساعدات.
وقال الجيش إن هناك حادثتين في الدوار. أطلق الجيش طلقات تحذيرية ثم أطلق النار على أفراد اعتقدت القوات أنهم يشكلون تهديدا. ويتحدى العديد من الناجين هذه الرواية، ويقولون إن التدافع كان بسبب إطلاق الجيش النار على الحشد.
تلقى الدكتور أمجد العلاج الأولى لجرحه ثم ذهب لمساعدة الناجين. وفي غضون أيام عاد إلى عمله في مجمع الشفاء.
وعند عودة زميلنا من بي بي سي، مؤخرا، وجد أن الدكتور أمجد لا يزال يعمل في قسم الطوارئ. وقد تحدث عن موضوع الأطفال الجرحى الذين يعالجهم.
وقال "إنهم الوحيدون الذين يحركون مشاعرنا حقا، وخاصة عندما يفقدون أطرافهم. إنه موقف عاطفي ومحزن. نرى أطفالا لم يروا الكثير بعد قد فقدوا أرجلهم".
خلال الاستراحة، يخرج أمجد ويشير إلى أنقاض مبان مختلفة. ويقول: "كان في هذا المبنى وحدة للعناية المركزة وغرفة عمليات وقسم لأمراض القلب".
ويضيف "سواء كانت أجهزة طبية أو معدات أو أي شيء آخر، فقد دمرت بالكامل، حتى الأسرّة. نحن بحاجة إلى مستشفى مجهز بالكامل، مبني من الصفر".
ويتذكر الدكتور أمجد عندما عاد إلى المستشفى بعد الغارة الإسرائيلية الثانية، كانت هناك رائحة كريهة قوية للموت من عدة مقابر جماعية. يقول أحد مديري المستشفى، محمد مغير، إنه كانت هناك "علامات إعدام ميداني، وعلامات ربط، وجروح طلقات نارية في الرأس وعلامات تعذيب على الأطراف" لبعض الجثث.
وتنفي قوات الجيش الإسرائيلي مزاعم ارتكاب جرائم حرب وتقول إن القبور تحتوي على جثث استخرجها الجيش ثم أعاد دفنها أثناء البحث عن رهائن إسرائيليين قتلى.
ويقول "إن الادعاء بأن قوات الجيش الإسرائيلي دفنت جثث فلسطينية لا أساس له من الصحة".
ويقول فولكر تورك، مدير مكتب حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، إنه في ظل ما أسماه "مناخ الإفلات من العقاب السائد"، ينبغي إجراء تحقيق دولي مستقل.
حاليا، أصبح المزيد من الطعام متوفرا. ويملك الدكتور أمجد إمدادات من الدقيق، لكنه يقول إنه لا توجد خضروات أو فواكه أو لحوم. ويستخدمون بدلا من ذلك الأطعمة المعلبة.
ومثل العديد ممن يعملون لإنقاذ الأرواح في غزة، يصلي ويدعو الدكتور أمجد أن تنتهي الحرب.
ويقول "نريد أن نعود إلى حياتنا القديمة، وأن نتمكن من النوم بأمان، وأن نسير في الشوارع بأمان، وأن نزور أحباءنا وأقاربناــ أولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة".
التعليقات