"بيجردك النزوح من كرامتك" هذا ما أخبرتنا به رفقة رمضان التي نزحت من الضاحية الجنوبية لبيروت باتجاه وسط العاصمة، وباتت تقيم في واحدة من المدارس التي تحولت لمركز لإيواء النازحين.

يصل عدد مراكز النازحين في لبنان، وأغلبها من المدارس، إلى نحو 900 مركز، باتت متكدسة بالعائلات التي فرت من المناطق التي استهدفها القصف الإسرائيلي.

في المدرسة التي التقينا فيها رفقة، علمنا أن السعة الاستيعابية للمكان تصل إلى 350 شخصاً لكن المدرسة تستضيف 550 شخصا. وتقول ليما رعيدي، مديرة المدرسة، "لم يعد بإمكاننا استقبال المزيد من النازحين، لا يمكن."

"كيف سأعيش؟"

تعمل رفقة بالخياطة، وتخبرني أن مركز الإيواء يوفر لها طعاماً ورعاية طبية مقبولة. لكنها لا تملك سوى القليل من المدخرات التي تحاول أن تحتفظ بها لأطول وقت ممكن.

وتقول "أنفق أقل القليل من النقود لأن مدخراتي البسيطة هي كل ما أملك. فأنا بلا عمل الآن، وإذا نفدت تلك المدخرات، كيف سأعيش؟!"

رفقة، امرأة نازحة من الضاحية الجنوبية.
BBC
رفقة نزحت من الضاحية الجنوبية وتعيش على مدخراتها المحدودة من مهنتها كخياطة

وقال بيان صحفي صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن الغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة أجبرت أكثر من مليون شخص على الفرار من منازلهم".

ومن العاصمة اللبنانية بيروت، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي إلى زيادة الدعم الدولي "للتصدي للكارثة الإنسانية التي تجتاح لبنان."

وتعمل العديد من الجمعيات الأهلية اللبنانية على مد يد العون للنازحين الذين فروا بالأساس من جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت. وذهبنا لإحدى تلك الجمعيات التي تقدم آلاف الوجبات يومياً للنازحين. ويعمل المتطوعون على قدم وساق من أجل تأمين الاحتياجات الغذائية لسكان مراكز النزوح. لكن هذه الجهود تظل أقل كثيرا من المطلوب. فمع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية، يتزايد عدد النازحين يوماً بعد يوم.

وتقول كريستين قدسي المسؤولة بمنظمة "سوق الطيب" الأهلية إن "أغلب التبرعات حتى الآن تأتي من اللبنانيين، أفراداً ومؤسسات."

وتجري كريستين مقارنة بين هذه الأزمة وحادثة انفجار مرفأ بيروت التي وقعت في عام 2020 وأودت بحياة أكثر من مئتي شخص وتسببت في جرح الآلاف وألحقت أضرارا واسعة بالعاصمة بيروت. وتوضح أن المساعدات "تدفقت على لبنان، من الخارج، عند انفجار المرفأ وكانت تأتينا سريعاً. لكن هذا ليس الحال هذه المرة."

وجبة واحدة يومياً

في مدرسة أخرى، علمنا من إحدى المتطوعات أنهم يحاولون جاهدين توفير وجبتين يوميا لسكان المكان، الذين يزيد عددهم على ألف شخص، نصفهم تقريبا من الأطفال.

وتخبرني ندى، التي درس أبناؤها قبل سنوات في المدرسة القريبة من وسط بيروت، "نضمن للنازحين وجبة واحدة يومياً وهي وجبة الغداء، وبفضل تبرعات اللبنانيين ننجح في أحيان كثيرة في توفير الإفطار ايضاً".

ويعاني لبنان في السنوات الأخيرة من أزمات الكهرباء والمياه، وهو ما يلقي بظل ثقيل على حياة النازحين، فضلا عن أن المدارس غير مجهزة للإقامة لفترات طويلة.

وتضيف ندى "يوجد ست أماكن للاستحمام في مدرسة يسكنها ألف شخص تقريباً، وهو أمر يثير مخاوفنا بشأن سلامة الوضع الصحي لهؤلاء النازحين."

"نعيش يوماً بيوم"

وينشط بنك الغذاء اللبناني في توفير الكثير من الوجبات الغذائية للنازحين، لكن كالكثير من المنظمات الأهلية هنا يحتاج للمزيد من التبرعات كي يستطيع مواصلة العمل في مواجهة صراع يبدو مفتوح المدة.

"كل يوم نتمنى أن نتمكن من تغطية متطلبات اليوم التالي، فنحن نعيش يوما بيوم، ومن الصعب علينا وضع خطط طويلة الأمد" هكذا تخبرني ود لبان المسؤولة ببنك الغذاء.

ود لبان المسؤولة ببنك الغذاء اللبناني
BBC
ود لبان من بنك الغذاء اللبناني تحذر من تدهور أحوال النازحين مع حلول الشتاء

وتتخوف لبان من قدوم فصل الشتاء لأن "المدارس غير مجهزة للتدفئة" كما تشعر بالقلق من احتمال تفشي الأمراض مع طول مدة النزوح وزيادة الأعداد بشكل يفوق الطاقة الاستيعابية لمراكز الإيواء.

"أرسلت ابني إلى سوريا"

وبسبب تكدس مراكز النازحين، اضطرّ كثيرون لافتراش شوارع بيروت حيث يبيتون ليلتهم في العراء. فالمتجول في شوارع العاصمة، يشاهد الكثير من العائلات تقيم على جنبات الطرقات بلا مأوى. ويظل هؤلاء في انتظار المجهول.

التقيت نجاة على مقربة من "ساحة الشهداء" في قلب بيروت. تخبرني أنها أرسلت ابنها الوحيد حيدر، 20 عاما، إلى سوريا لعله يكون في مأمن من القصف.

وتقول نجاة التي نزحت من الضاحية الجنوبية لبيروت "لا أدري إذا كانت سوريا آمنة، لكنني وجدت الكثير من أبناء منطقتي فروا إلى سوريا، فقررت أن أرسله معهم."

نجاة - نازحة من الضاحية الجنوبية إلى بيروت
BBC
نجاة أرسلت ابنها الوحيد من لبنان الى سوريا هرباً من القصف

وقبل أكثر من عشر سنوات عبرت أعداد ضخمة من السوريين إلى لبنان المجاور هربا من الصراع الدامي في سوريا، حتى امتلأ لبنان باللاجئين السوريين. أما اليوم، فبدأ اللبنانيون بالتوجه صوب سوريا من خلال معبر "المصنع" الحدودي وهو المنفذ البري الأهم للعبور بين لبنان وسوريا. لكن هذا المعبر بات في مرمى نيران الغارات الإسرائيلية مؤخرا.

مساعدات دولية

بدأت عدة دول تعلن عن إرسال مساعدات للبنان من بينها الولايات المتحدة التي تعهدت بتوفير ما يقارب 160 مليون دولار من أجل الدعم الإنساني. وقالت الخارجية الأمريكية إن هذا المبلغ سيخصص لدعم النازحين داخل لبنان وأولئك الفارين إلى سوريا.

وبعث العراق أيضا بكميات من المساعدات. كما وصل وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى بيروت تصاحبه طائرة تحمل 13 طناً من المساعدات. وأوضح الإعلام الأردني أن هناك بضع طائرات سبقت تلك الطائرة الأخيرة، على مدار الأيام الماضية. وأرسلت مصر أيضاً شحنات من المساعدات الطبية كما بعثت الإمارات بستِّ طائرات محملة بالمساعدات.

امرأة ترتدي ملابس المطبخ، وتقوم بتحضير وجبة طعام لأكبر عدد ممكن من الناس.
BBC
الجمعيات الأهلية اللبنانية تقدم آلاف الوجبات يومياً للنازحين لكنها لا تكفي

أين الدولة؟

الكثير من الانتقادات وجهت لغياب الدولة اللبنانية التي لم تتبن خطة واضحة لاحتواء النازحين. محافظة بيروت، التي حملت العبء الأكبر لأزمة النزوح، تقول إن العاصمة دخلها ما يوازي عدد سكانها وإن الدولة تعاني أصلا من ضائقة مالية كبرى.

وأطلقت لجنة الطوارئ التابعة للحكومة نداءات استغاثة لدول العالم كي توفر مئات الملايين من الدولارات. كما طالب رئيس مجلس النواب نبيه بري الأمم المتحدة بتوفير جسر جوي لنقل المساعدات إلى لبنان. وجدد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي دعوته لزيادة الضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار. فكلما طال أمد الصراع كلما زادت التعقيدات.