إيلاف من الرباط: بدا عبد اللطيف وهبي، وزير العدل المغربي، الثلاثاء، منسجما مع نفسه، واضحا في قناعاته، لاذعا في انتقاداته وصريحا في مواقفه بشأن عدد من القضايا التي تهم مهنته كمحامي، أو مسؤولياته كوزير، فضلا عن علاقته بحزب الأصالة والمعاصرة، الذي كان يرأس أمانته العامة، وبعدد من الفاعلين في المشهد السياسي؛ كما لم يحتج إلى لغة الخشب لإبداء رأيه بخصوص عدد من القضايا المجتمعية.

وبقدر ما تمحور النقاش حول قضايا على علاقة بقطاع العدالة، على غرار القانون الجنائي، ومدونة الأسرة، وقانون المسطرة المدنية، ومواقف المحامين والمفوضين القضائيين والموثقين، جاء جانب من الأسئلة، التي طرحتها مقدمة برنامج "خاص" على قناة "ميدي 1 تيفي"، على وهبي، من قبيل وضعية حزب الأصالة والمعاصرة، وإضراب طلبة كليات الطب، والطريقة التي تلقى بها الرأي العام بعضا من تصريحاته، التي بدت "مستفزة"، لتستكمل ما يمكن المشاهد من رسم "بورتريه" لشخصية فرضت حضورها في المشهد السياسي الوطني.

ثقل التاريخ
دافع وهبي عن الأوراش المفتوحة داخل وزارته، مركزا على قانون المسطرة المدنية، وقال "خففنا من كثير من الإجراءات وألغينا أخرى"، مشددا على أن "الحوار كان مفتوحا وكان هناك نقاش، فيما لم يكن المشروع وليد اليوم، بل فتح منذ 30 سنة، وقد جمعت معطيات ونظمتها ثم قدمتها إلى البرلمان".

وعن الانتقادات التي طالت هذا المشروع، قال وهبي: "هناك ثقل التاريخ، والتغيير صعب. والناس أعداء ما جهلوا، ثم إن التخوفات مشروعة، لكننا نحتاج إلى اتخاذ قرار في يوم ما".

وعن مواقف المحامين من النقاش الدائر وانشغالاته كمحامي، رد وهبي، بالقول: "قبل أن أكون محاميا، أنا وزير ومسؤول في حكومة، الوطن ضميري. أنا أفكر كمسؤول وليس كمحامي. لن أضع قانونا خدمة لمصالحي المهنية".

ونفى وهبي، في هذا السياق، المس بمهنة المحاماة أو إفراغها من محتواها، مشددا على أن مثل هذه الاحكام جزافية، وقال: "أنا أعالج انحرافات في قانون المسطرة المدنية، تمس حسن سير العدالة وحسن ولوج المواطن إلى العدالة، من قبيل طول الجلسات، حيث أن المواطن يريد عدالة سريعة".

وتطرق وهبي إلى القانون الجنائي، وقال إنه سيكون متقدما، وهناك نقاش عميق في كثير من التصرفات والأحكام. واستدرك: "سأستمر في الطريق حتى النهاية".

وجوابا على الكم الكبير من الإضرابات خلال ولايته الوزارية ، رد وهبي بالقول: "لأن الكثير من الأشياء تتغير. وليس على هيئة أن تفرض علي تصوراتها. سأستمر إلى النهاية، ولا إشكال في الدخول في مواجهات، ومن حق أي كان أن يدخل في إضراب".

وردا على من يقول إن بعض القوانين لا تتماشى مع الوثيقة الدستورية، رد بأن "اللجوء إلى المحكمة الدستورية حق"، وأنه سيلتزم بقرارها.
كما تطرق النقاش إلى مسألة الاكتظاظ في السجون، حيث تحدث وهبي عن العقوبات البديلة، مشددا على "مساعدة المواطن على تجاوز أخطائه والاندماج داخل المجتمع".

شيء من حتى
بخصوص سؤال حول استقلالية النيابة العامة، طلب وهبي إعفاءه من الجواب، باعتباره وزيرا ليس من حقه إعطاء تقييم في الموضوع. وحين قالت له مقدمة البرنامج "يبدو أن في نفسك شيء من حتى"، رد مبتسما، بأن في نفسه أشياء من حتى،وليس واحدة فقط.

ذراع الدولة
وبشأن رأيه في إضراب طلبة الطب، قال وهبي: "هم أبناؤنا، عليهم أن يفهموا أن الدولة دولة والكلية كلية. الدولة إذا قامت باختيار فهي تعرف لماذا، ولا يمكن للكلية أن تأتي لتفرض على الدولة ما ستقوم به. كان هناك حوار، شارك فيه الوسيط، والبرلمانيون، ورئيس الحكومة، ووزير التعليم العالي ووزير الصحة ... فهل كل هؤلاء مخطئون؟ لا يجوز لأي كان أن يلوي ذراع الدولة، وإلا لن تبقى دولة. الدولة تقوم بوظيفتها، وهي التي تملك القرار وليس أحدا آخر".

الأصالة والمعاصرة
بخصوص سؤال حول ما يجري داخل حزب الأصالة والمعاصرة، بعد قرار تجميد عضوية أحد أعضاء قيادته الجماعية (الثلاثية)، قال وهبي: "مشكلة "البام" (اختصار الحزب باللغة الفرنسية) أنه حزب مفتوح، يعرف الجميع ما يقع بداخله، وليس مثل بعض الأحزاب الأخرى التي هي كالزوايا". وأضاف: "المسألة بسيطة. هناك شخص اتخذ فيه قرار. من خرج عن الخط الحزبي يتخذ في حقه القرار المناسب. لسنا محاكم تفتيش لنعرف سرائر الناس".

الإثراء غير المشروع
دافع وهبي عن سحبه لمشروع قانون الإثراء المشروع، وقال: "أتحمل مسؤولية سحبه ... إنه يناقض تماما مبدأ قرينة البراءة الذي ينص عليه الدستور. البعض يتكلم عن الفساد السياسي. من أعطاه هذا الحق؟ العدالة تقوم بعملها، والأمور تعالج بهدوء".

الأغلبية الحكومية
بخصوص الأوضاع داخل الأغلبية الحكومية، وما يدور من حديث حول التعديل الحكومي، شدد وهبي على أنه وضع مسافة مع الأغلبية منذ أن غادر الأمانة العامة للحزب؛ وأنه يتكلم فقط مع رئيس الحكومة حول الملفات المتعلقة بوزارته، وبالتالي فهو لا يعرف شيئا عن النقاش الدائر حول التعديل الحكومي، وأنه يسمع فقط كلاما في هذا الاتجاه.


العثماني وابن كيران والرميد
عن علاقته بحزب العدالة والتنمية المعارض ( مرجعية إسلامية)، تحدث وهبي عن مستويين: مستوى الأمين العام الحالي (عبد الإله بن كيران) الذي قال إن علاقته به "سيئة"، بينما هي "جيدة" مع الباقين في المستوى الثاني.

وقال وهبي إنه كان يتمنى أن تبقى لهذا الحزب مكانته؛ ثم أثنى على سعد الدين العثماني، الأمين العام السابق، الذي قال عنه "إنه كان فاهما، وكان رجل دولة، ويتفهم الأمور ويعرفها".

في المقابل، هاجم وهبي ابن كيران، وقال عنه: "يبحث عني ليشتمني وهو يعرفني جيدا". وأضاف: "(ابن كيران) مر من الدولة ومن دواليبها ويعرف كيف تمر الأمور، ثم يأتي بهذه التصرفات. هو يبتز من؟ إذا كان الذي في رأسي هو الذي يبتزه، ففيها (تصرفاته) كثير من اللؤم".

كما تحدث وهبي عن المصطفى الرميد القيادي السابق في حزب "العدالة والتنمية" والوزير السابق في العدل، وقال عنه إنه "لم يستطع أن يقطع الحبل السري مع وزارة العدل، ولم يلتزم بواجب التحفظ .. هو يحب أن يتكلم ... دعه يتكلم، ولكنى أعرف وزراء سابقين التزموا واجب التحفظ".


المناصفة
دافع وهبي عن قناعاته بخصوص وضعية المرأة، وقال إنه يريد لها أن تلعب دورا كبيرا في المجتمع، وأن تفتح الأبواب التي يتم إغلاقها عليها. وأضاف: "أريد الإنصاف في إطار الدين الإسلامي أو الفكر الوضعي ... لا إشكال. الدين الإسلامي لا يقبل الظلم، فلماذا يرفضون إنصاف المرأة. فقط، أن ينصفوها؟".

الحصيلة
في معرض جوابه عن سؤال يتعلق بحصيلته على رأس قطاع العدل، قال وهبي إنه يفخر بالتشريع والرقمنة بالوزارة. كما تحدث عن طريقة تدبيره للقطاع، وانفتاحه على الحوار المنتج، وقال: "بابي مفتوح للحوار، لكن لا يمكن لأي كان أن يعطيني الدروس والأوامر".

تصريحات مستفزة
حاول وهبي أن يقدم توضيحات حول بعض التصريحات التي بدت مستفزة من طرف الرأي العام. ولم يفوت، في هذا الصدد،فرصة الاعتذار عن الأخطاء التي قد يكون وقع فيها، وقال: "كل أبناء آدم خطاؤون، وأعتذر عن كل أخطائي. لا عقدة لدي في أن أعتذر". كما نفى أن يكون تدخل يوما في القضاء. وقال "أعرف حدودي، ولكي تكون قويا توقف عند حدودك".

جمهورية كأن
بعيدا عن هموم السياسة وأمواجها، تحدث وهبي عن سياق إشرافه على نشر كتاب "الجامع الكبير بتارودانت / انبعاث صرح حضاري". كما تحدث عن عشقه للقراءة، وقال إنه يقرأ كتب القانون الدستوري، كما يقرأ الروايات حين يكون متعبا. وقال إن من آخر من قرأه من الروايات ثلاثيات المصرية ريم بسيوني، ورواية "جمهورية كأن" للمصري علاء الأسواني.

أصدقاء وأصدقاء
عن الذي غيرته مسؤولياته على رأس وزارة العدل، على مستوى الطباع، قال وهبي: "كثير من الأصدقاء الذين كنت أعتقد أنهم أصدقاء، طعنوني؛ وكثير من الأصدقاء تعاملوا معي بكثير من الأناقة واللطافة... أنا محظوظ بكثير من الصداقات". واستدرك: "هناك أصدقاء وهناك من يدعون الصداقة ويبيعونك لسبب سياسي بسيط. السياسة تعري الإنسان وتعري أخلاق الإنسان".