في لبنان يُسمّى خلو موقع رئيس الجمهورية بالفراغ الرئاسي.
هي عبارة متعارف عليها على نطاق واسع على اعتبار أن الفراغ الرئاسي حالة مكررة في الحياة السياسية اللبنانية. فبالرغم من أن الفراغ الحالي مستمر منذ نحو العامين، بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في الحادي والثلاثين من تشرين الأول (أكتوبر) 2022 فإن هذه الفترة ليست الأطول.
فعليا كان هناك في العامين الماضيين ثلاث عشرة جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، كلها انتهت دون انتخاب رئيس.
الانتخابات في لبنان: استمرار للفراغ السياسي أم بداية جديدة؟
انعقدت آخر جلسة في الرابع عشر من حزيران (يونيو) عام 2023 ومن ذلك الوقت تراجع الكلام عن انتخاب رئيس للجمهورية إلى حدّ التوقف الكامل في البحث عنه، لا سيّما بعد أن فرضت جبهة جنوبي لبنان- شمالي إسرائيل نفسها على المشهد في البلاد.
ثم جاءت تطورات الحرب المستعرة في الأسابيع الأخيرة٬ ليعود موضوع ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية إلى الواجهة بشكل قوي وكضرورة ملحّة.
بداية، لماذا ليس هناك من رئيس في لبنان؟
الجواب باختصار هو لأنه ليس لأي فريق سياسي أغلبية تكفيه لانتخاب مرشّحه، كما أنه ليس هناك من توافق بين الفرقاء المتخاصمين على مرشّح.
وهو ما يُترجم فعلياً بطريقة سير الجلسات. فبحسب المادة 49 من الدستور اللبناني، "ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي".
في كل مرة يحضر النواب ويشاركون في الجلسة الأولى التي لا يُنتخب فيها أحد ثم ينسحبون، فيُفقد النصاب لعقد جلسة ثانية، وهكذا دواليك.
هذا مع الإشارة إلى أن هناك جدلاً واسعاً في البلد بشأن حجم النصاب المطلوب في الجلسة الثانية، لكنها مسألة لا تغيّر شيئا في جوهر أسباب الفراغ.
طوال هذه الفترة، كان هناك فعليا مرشح واحد دائم، هو زعيم تيار المردة والوزير والنائب السابق سليمان فرنجية، حليف حزب الله والمقرّب من الرئيس السوري بشار الأسد.
هو طبعا مسيحي، ماروني - كما يقتضي العرف في هوية رئيس الجمهورية- لكن ليس لديه حجم تمثيلي كبير لدى المسيحيين.
هو باختصار وكما يوصف في لبنان "مرشّح حزب الله" الذي لا يملك وحلفاؤه أغلبية كافية لفرضه، وفي الوقت ذاته كان يرفض التخلي عنه للبحث عن مرشّح آخر.
تغيّر في الواقع السياسي؟
لكن يبدو أنه ربطاً بالتطورات الهائلة التي ألمّت بحزب الله وبلبنان، شيء ما قد يكون تغيّر.
فبالإضافة إلى دعوات كل المسؤولين الغربيين الذين يزورون لبنان بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية٬ برز خطاب داخلي يقوده رئيس مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري الذي للمفارقة، كان متهما من أطراف معارضة بأنه هو الذي يُعرقل انتخاب رئيس.
وقد بدا الطرح المتجدد داخليا مرتبطا بالحديث عن ضرورة وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب ونشر الجيش في الجنوب وتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي وضع حدا لحرب تموز عام 2006.
وهو ما اعتبره البعض ترجمة للتداعيات السياسية للضربات المتلاحقة على حزب الله.
وبالتالي قد يكون التوجّه لانتخاب رئيس يتم التسويق له على أنه سيكون توافقيا لا يستفز طرفا ضد الآخر، هو بمكان ما إرضاء للغرب الذي تسعى الحكومة اللبنانية لاستمالته من أجل الضغط لوقف لإطلاق النار وتقديم مساعدات للبلاد في ظل الظروف المأساوية التي تمرّ بها.
"لطالما كان رئيس الجمهورية في لبنان يعكس تموضع البلاد في الإقليم"، بحسب أستاذ القانون الدستوري في جامعة القديس يوسف د. وسام اللحّام. فيصبح الموضوع إذا انفصال لبنان عن غزة أو عن الساحة الإيرانية، أم لا.
لكن ذلك لا يعني بحسب اللحام أن النظام قد يتغيّر. فخيار التموضع الاستراتيجي "لا يعني حكما أن من سيأتي سيكون جديدا أو مستقلا بمعنى أنه يساعد في إنتاج نظام جديد".
وبالتالي فإن النظام الحالي قد يبقى هو هو، بحسب اللحّام مع بعض التعديلات المرتبطة بمواقع الضعف والقوة لمختلف الأطراف.
يبقى السؤال الذي يردّد كُثر: ماذا لو لم يتمكّن أي من نواب حزب الله من المشاركة في جلسة انتخاب الرئيس لأسباب أمنية، مخافة الاغتيال؟
فعليا ومن حيث الحسابات العددية، لن يؤثر غيابهم على تأمين النصاب أو الانتخاب. كما أنه يمكن لحليفهم الرئيسي نبيه بري تأمين غطاء شرعي للجلسة من خلال تمثيل النواب الشيعة المحسوبين عليه، وبالتالي لا تكون شرعية الانتخاب منقوصة بحسب الاعتبارات الطائفية في البلاد.
التعليقات