تشكل مجموعة حاملة الطائرات الأميركية - وهي أسطول كبير من السفن الحربية - رمزاً قوياً للقوة العسكرية الأميركية وإشارة على استعدادها للدفاع عن الحلفاء وردع الأعداء.
لذلك فإن وجود مثل هذه القوة في بحر الشمال على مدى الأسابيع القليلة الماضية يهدف إلى طمأنة الحلفاء الأوروبيين، على الرغم من حالة عدم اليقين السياسي في الداخل الأميركي.
وساعدت القوة العسكرية الأميركية في حماية أوروبا على مدى 75 سنة مضت، لكن الانتخابات الرئاسية الأميركية تثير السؤال التالي: إلى متى سيظل هذا الوضع؟
يبذل القادة العسكريون قصارى جهدهم لتجنب السياسة.
ولكن بين مجموعة من الصحفيين الذين تمت دعوتهم على متن حاملة الطائرات الأميركية هاري إس ترومان، كان السباق الرئاسي الأميركي على رأس جدول الأعمال. وكان السؤال: هل ستظل أميركا تدعم أوروبا؟
وقال الأدميرال البحري شون بيلي: "ما أستطيع أن أقوله لكم هو أننا ملتزمون بقوة بتحالفنا، وملتزمون بقوة بحلف شمال الأطلسي".
لكن ليس هو من سيقرر السياسة الخارجية الأميركية، ومن غير المرجح أن تخفف إجابته من الشكوك.
يعلم وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أن التغيير قادم.
وعندما سُئل، الأسبوع الماضي، عن التأثير المحتمل للانتخابات الأميركية على أوروبا. قال إن الأمر يتعلق بما إذا كانت أميركا "ستفعل أقل بكثير، أو أقل قليلاً".
ولم يذكر أسماء، ولكن من المرجح أن يفعل دونالد ترامب أقل بكثير.
تحمل السفينة الحربية هاري إس ترومان بفخر اسم الرئيس الذي ساعد في تأسيس حلف شمال الأطلسي قبل 75 عاماً.
ولكن فوز ترامب بولاية ثانية قد تهز التحالف مرة أخرى حتى جوهره.
إن مبدأ ترومان في تقديم الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي للدول الديمقراطية المعرضة للتهديد، يختلف تماماً عن سياسة ترامب "أميركا أولاً".
وقال مؤخراً إن روسيا تستطيع "أن تفعل ما تشاء" للحلفاء الذين لا ينفقون ما يكفي على الدفاع.
يشار إلى أن أي انسحاب أميركي من أوروبا من شأنه أن يخلف فجوة كبيرة.
وتشكل حاملة الطائرات الأميركية هاري إس ترومان دليلاً على ما تقدمه الولايات المتحدة، من حيث الحجم والأعداد، إذ تضم طاقما مكون خمسة آلاف فرد وأكثر من ستين طائرة.
وكانت حاملة الطائرات التابعة للبحرية الملكية البريطانية، إتش إم إس برينس أوف ويلز، التي كانت تبحر في الجوار، بمثابة تذكير بالدفاعات الأوروبية الأكثر تواضعاً.
وكانت حاملة الطائرات البريطانية تبحر بجناح جوي يضم بضع طائرات هليكوبتر وثماني طائرات إف-35 ــ وهو ما يمثل انعكاساً باهتاً للنفوذ العسكري الأميركي.
- من عالمين مختلفين، هاريس وترامب كما لم تراهما من قبل
- زلة "القمامة": هل قدّم بايدن الرئاسة لترامب على طبق من ذهب؟
بشكل عام، لدى الولايات المتحدة أكثر من 100 ألف عسكري منتشرين في أوروبا.
وفي المرة الأخيرة التي تولى فيها الرئاسة، هدد ترامب بسحب بعض هذه القوات. وإذا انتُخِب، فقد يفعل الشيء نفسه مرة أخرى.
يعتقد العديد من الجمهوريين أن أوروبا يجب أن تعتني بشؤونها. هذا هو بالتأكيد رأي إلبريدج كولبي، وهو مسؤول كبير في البنتاغون في إدارة ترامب الأخيرة.
ويقول إن الولايات المتحدة يجب أن "تمنع" قواتها من أوروبا للتركيز على التهديد الذي تشكله الصين.
ستؤثر الانتخابات أيضاً على المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، فأميركا إلى حد كبير هي أكبر داعم عسكري لها.
لكن مسؤولاً كبيراً في حلف شمال الأطلسي، لم يرغب في ذكر اسمه، قال مؤخرا لـ بي بي سي "بغض النظر عمن يفوز، فإن حصة مساهمة أميركا في أوكرانيا ستنخفض على الأرجح نسبيا".
وقال إن أوروبا لا يمكنها أن تتوقع من الولايات المتحدة أن تستمر في تقديم مساهمة "ضخمة".
التركيز العسكري الأميركي
الواقع أن التركيز العسكري الأميركي تحول بالفعل شرقاً إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ وصعود الصين.
ويرى البنتاغون أن الصين تعتبر التحدي الأمني الأكبر الذي يواجهه. وحالياً تمتلك الصين قوة بحرية أكبر من القوة البحرية الأميركية. كما تبني أسطولاً بحجم البحرية الملكية البريطانية بالكامل كل عامين.
ويدرك البحارة والطيارون على متن حاملة الطائرات أن هناك أيضاً تحولاً نحو الشرق.
أمضى القائد بيرني لوتز جزءاً كبيراً من حياته المهنية في البحرية وهو يقود طائرات إف-18 من على متن حاملة طائرات أميركية في المحيط الهادئ والشرق الأوسط.
وهو يدرك لماذا يبحرون الآن في المياه الأوروبية. ويقول: "هناك الكثير من الأمور التي تحدث".
لكنه يضيف: "أعتقد أن مسرح المحيط الهادئ هو الهدف الأوسع والأشمل على المدى الطويل".
ومثله كمثل بقية أفراد طاقم حاملة الطائرات البالغ عددهم 5000 فرد، لم يُبلغ بعد بالمكان الذي سيبحرون إليه بعد ذلك، إلا أنه من المعروف على نطاق واسع أن حاملة الطائرات يو إس إس هاري إس ترومان سوف تكون في طريقها قريبا إلى الشرق الأوسط.
وستشكل هذه المنطقة أيضاً تحدياً لأي رئيس أميركي قادم.
ويقول الكابتن ديف سنودن إنه سعيد بحمل لواء خفض التصعيد أو الردع أو حتى الإبحار في طريق الخطر، أينما أرسلت حاملة الطائرات.
ولكن الافتقار إلى نقاش جاد حول السياسة الخارجية في الانتخابات يعكس إحجاماً عن الانخراط بشكل مباشر في المزيد من الحروب.
سوف تظل أميركا القوة العسكرية الأبرز في العالم.
والسؤال الآن هو كيف سيستخدم الرئيس الأميركي القادم هذه القوة؟
التعليقات