نتناول في عرض الصحف اليوم عدة مقالات بشأن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، من بينها مقال عن انتصار الدبلوماسية وتأثيرها أخيراً في الصراع الدائر في الشرق الأوسط، ومقال يرى أن الاتفاق قد لا يمثل نهاية المطاف بين إسرائيل وحزب الله، وأخيراً هل يعد الاتفاق انتصاراً لجميع الأطراف، خصوصا لبنان، بعد عام من الصراع؟

نبدأ جولتنا بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية ومقال رأي كتبه ديفيد إغناشيوس بعنوان "في موسم الحرب الدائرة في الشرق الأوسط، الدبلوماسية تنتصر أخيراً"، ويستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى وساطة إدارة بايدن في إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، والذي يراه أول فرصة لاستعادة لبنان الممزق سيادته الحقيقية على أراضيه، بل قد يفسح المجال أمام مكاسب دبلوماسية أوسع في المنطقة.

ويرى الكاتب أن اتفاق وقف إطلاق النار يمثل انتصاراً لإسرائيل على حزب الله، أعنف ذراع إيراني في المنطقة، وهو ما اتضح من كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان "انتصاري" أشار فيه إلى أن بلاده قتلت "الآلاف" من مقاتلي حزب الله، و"دفعتهم عقودا إلى الوراء"، وأنه باغتيال حسن نصر الله، أمين عام الحزب السابق، "قضت على... عصب المحور".

كما "أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عن الاتفاق الذي يعد نجاحاً ثميناً لدبلوماسية إدارته بعد عام من مساعي عقيمة للتوصل إلى هدنة في غزة، إذ جاء اتفاق لبنان ثمرة جهود دبلوماسية مكوكية لمبعوث البيت الأبيض، آموس هوكستين"، وفق الكاتب.

ويضيف الكاتب أن إدارة بايدن لا تزال تعمل على التوصل إلى هدنة في غزة، مع انضمام تركيا إلى مصر وقطر كشريك في الوساطة، مضيفاً أن بايدن ألمح في تعليق مهم أن فريقه "لا يزال مستعداً لإبرام" اتفاق تطبيع علاقات بين إسرائيل والسعودية، وهو اتفاق قد يمثل "جوهرة تاج" الجهود الدبلوماسية لنتنياهو وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.

جنود من الجيش اللبناني.
Getty Images
يعتقد الكاتب أن إسرائيل لديها مصلحة كبيرة في نجاح مهمة الجيش اللبناني.

ويرى الكاتب أن "مشكلة نتنياهو الكبرى في غزة تكمن في أنه يفتقر إلى خطة واضحة لليوم التالي لوقف القتال، نظراً لكون الوضع في غزة يتسم بفوضى شديدة خارج السيطرة القانونية، كما أن عودة النظام هناك بعد انتهاء الصراع قد تستغرق شهوراً من الجهود الدؤوبة من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل والعرب معتدلي الرأي".

ويلفت الكاتب إلى أن خطة "اليوم التالي" للبنان التي أُعلن عنها تتمثل في سيطرة القوات المسلحة اللبنانية على معاقل حزب الله السابقة في جنوب لبنان خلال الـ 60 يوماً المقبلة مع رحيل القوات الإسرائيلية، ويعتقد أنه إذا تمكن الجيش اللبناني من الانتشار بنجاح والحفاظ على الوحدة، فسوف يبدأ في إعادة بناء البلد المدمر بعد عقود من الحرب، وفق المقال.

ويؤكد الكاتب أن إيران لم تكن طرفاً مباشراً في المفاوضات، بيد أن مسؤولاً خليجياً بارزاً أخبره شخصياً قائلاً "بالطبع كانت هناك بعض الاتصالات غير المعلنة مع إيران" بشأن وقف إطلاق النار الذي يشمل وكيلها (أي حزب الله)، وأضاف مسؤول بارز آخر أن الولايات المتحدة وإيران تتبادلان رسائل منتظمة وأن "إيران لو كانت عازمة على معارضة هذا لما حدث".

ويعتقد الكاتب أن إسرائيل لديها مصلحة كبيرة في نجاح مهمة الجيش اللبناني، وإن كان نتنياهو وغيره من القادة الإسرائيليين قد لا يقدّرون هذا الأمر، مشيراً إلى أن لبنان أهدر سيادته قبل عقود عندما سمح للميليشيات باستخدام أراضيه لمهاجمة إسرائيل، وهو أمر أدى إلى شل حركة الحكومة اللبنانية وتعثرها.

ويختتم الكاتب ديفيد إغناشيوس مقاله مشيرًا إلى أن منطقة الشرق الأوسط لا تزال مسرحاً للحرب، بيد أنه بعد شهور من القتال، والإحباط الدبلوماسي الأمريكي، فتحت لنا أخبار الاتفاق بين إسرائيل وحزب الله نافذة أمل على أن هذا الكابوس بدأ يتلاشى.

"ليس نهاية المطاف"

دورية تابعة لقوات اليونيفيل على الحدود اللبنانية.
EPA
ضمان الأمن في جنوب لبنان ومنع حزب الله من إعادة تجميع صفوفه مهمة تقع على عاتق الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل.

ننتقل إلى صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية ومقال رأي كتبه أندرو إنغلاند بعنوان "وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله قد لا يكون نهاية المطاف"، ويستهله الكاتب بالإشارة إلى أن البنادق تصمت أخيراً بعد ما يزيد على عام من الصراع المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله.

ويقول الكاتب إن الاتفاق يثمر عن تهدئة لبنان في أمس الحاجة إليها بعد أشهر من قصف إسرائيلي متواصل أدى إلى نزوح نحو 1.2 مليون شخص وأودى بحياة ما يزيد على 3750 آخرين، مضيفاً أن الاتفاق من شأنه أيضا تجنيب المنطقة مخاطر دخول إسرائيل وإيران في جولة أخرى من الصراع المباشر، على الأقل في الوقت الراهن، كما يحد الاتفاق من خطر اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط.

بيد أن كاتب المقال يرى أن الاتفاق قد يمثل سلاما هشا، ووصفه بـ "ضمادة قد تنفك في أي لحظة"، مستشهدا بأن هذا الاتفاق يتأسس على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 الذي أنهى حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، والذي لم يلتزم الطرفان بتنفيذه بشكل كامل.

ويقول الكاتب إن مهمة ضمان الأمن في جنوب لبنان ومنع حزب الله من إعادة تجميع صفوفه مهمة تقع على عاتق الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل، المنتشرة على طول الحدود، ومن المتوقع أيضاً أن تمنع القوتين حزب الله من إعادة تسليح نفسه بالأسلحة الإيرانية المهرّبة عن طريق سوريا أو البحر.

لبنانيان يرفعان صورة لأمين عام حزب الله السابق حسن نصر الله.
Reuters

ويلفت الكاتب إلى أن أحد الفروق هذه المرة هو أن الاتفاق ينطوي على آلية مراقبة بقيادة الولايات المتحدة، التي من المفترض أن تحذر من حدوث أي انتهاكات، على الرغم من أن تفاصيل كيفية تنفيذ هذه الآلية لا تزال غير واضحة، كما يظل جوهر الأمر هو أن إسرائيل أعلنت مرارا احتفاظها بحق الرد من جانب واحد إذا اعتقدت أن حزب الله يشكل تهديدا وشيكا لها، وهو ما يمثل في الأساس "الضوء الأخضر" لانتهاك القرار 1701 والعمل كـ "منفّذ" بغطاء أمريكي.

وبحسب الكاتب "أصبحت إسرائيل أكثر جرأة واستعداداً لملاحقة أعدائها بشكل استباقي على جبهات متعددة، بعد هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي التي شنتها حماس على جنوبي إسرائيل، كما عززت المكاسب في ساحة المعركة ثقة إسرائيل وعززت شعورها بالتفوق العسكري والاستخباراتي، وصعود نجمها، خصوصا عندما وجهت ضربات مدمرة لحزب الله، الذي أصبح اليوم في وضع أضعف كثيرا مما كان عليه في عام 2006".

ويقول الكاتب إنه على الرغم من الضربات التي تعرض لها، يظل حزب الله القوة العسكرية والسياسية المهيمنة في لبنان، الضعيف والممزق، كما يعتقد آخرون أن حزب الله لا يزال تحتفظ ببعض ترسانته ليوم آخر، وفق الكاتب.

ويختتم الكاتب أندرو إنغلاند مقاله بالإشارة إلى أن كل ما سبق يؤدي إلى تهيئة بيئة قابلة للاشتعال في أي لحظة، وأن أي تفاؤل بشأن اتفاق وقف إطلاق النار سوف يتلاشى أمام الخوف مما قد يحدث بعد ذلك.

"هزيمة أم انتصار للبنان؟"

لبنانيون يعربون عن سعادتهم بشأن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.
EPA
لبنانيون يعربون عن سعادتهم بشأن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.

نختتم جولتنا بصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية ومقال رأي كتبه طارق الحميد بعنوان "والآن الهزيمة"، وفيه يستهله الكاتب بطرح سؤال ما هي الهزيمة؟ وكيف نقول هُزم هذا الطرف أو ذاك؟

ويجيب الكاتب عن سؤاله قائلاً "لبنانياً، ليس الحديث هنا عن تفاصيل الاتفاق، وما الذي تحقق لإسرائيل، أو لبنان أو حزب الله، رغم أن كل المؤشرات تقول إن الحزب لم يحقق شيئا وانسحب من الحدود الجنوبية بقوة السلاح".

ويضيف الكاتب أنه إذا جرى وقف إطلاق النار، ونتج عنه ارتداد سلاح حزب الله للداخل فهذه هزيمة للدولة اللبنانية، وإسرائيل، والوسطاء الدوليين.

ويرى الكاتب أنه "إذا لم يتعلم لبنان، وساسته، الدرس، وتصبح الدولة فوق الجميع، وقرار الحرب والسلم بيدها، وحامي حماها هو الجيش، فإن هذه هزيمة ساحقة للبنان، وعلى اللبنانيين التذكّر أن الجميع بالمنطقة يسعى فعليا لوقف إطلاق النار".

ويلفت إلى أن الجميع ليسوا حريصين على إعادة إعمار سبقها إعادة إعمار، في 2006، فقط لأن حزب الله قرر المغامرة بحرب "وحدة ساحات" واهمة وواهية، لأن الدول ليست جمعيات خيرية، وهذه هزيمة جديدة للبنان أيضا.

ويقول الكاتب إنه "بالنسبة إلى غزة، فإذا كان وقف إطلاق النار هو مجرد ضمان سلامة من تبقَّى من قيادات حماس مقابل إطلاق سراح الرهائن، فهذه هزيمة مؤلمة أيضا بحق القضية، وأهل غزة الأحياء والأموات".

ويعتقد الكاتب أنه "إذا انتهت حرب غزة دون عودة السلطة الفلسطينية للحكم هناك، فإن تلك هزيمة لمفهوم الدولة الفلسطينية، ومستقبلها، وهزيمة لكل الجهود الصادقة الهادفة لإنشاء الدولة الفلسطينية، وحل هذا الصراع".

أما بالنسبة لإسرائيل، بحسب رأي كاتب المقال، فإن "نتنياهو حتى لو حصل على بنود اتفاق هي بالأساس، وبلغة مباشرة، تعني استسلام خصومه، وتحديدا حزب الله، مثل حق الرد، أو انسحاب الحزب إلى ما هو أبعد من المتفق عليه سابقا في الحدود الجنوبية، فإن تلك هزيمة أيضاً".

ويفسر الكاتب رأيه بأنها هزيمة لأنَّ الهدف ليس الابتعاد 7 كيلومترات، أو 20، من الحدود اللبنانية الإسرائيلية، الهدف هو الاستقرار والسلام، وما دام هو "اتفاق هدنة"، أو مجرد "وقف إطلاق نار"، وليس مشروع سلام حقيقي، فتلك هزيمة، وفق الكاتب.

ويختتم الكاتب طارق الحميد مقاله مشيراً إلى أن الأمر نفسه في غزة، ولو استسلمت حماس، فما دام لا يوجد مشروع سلام يُفضي لحل هذا الصراع، فإن كل ما يتم التوصل إليه هو هزيمة، ولكل الأطراف، وأولهم إسرائيل، هذه هي الصورة الكبرى، والباقي تفاصيل.