إيلاف من بيروت: أثارت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي دعا فيها إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، ردود فعل غاضبة ومخاوف متزايدة في الأوساط الدبلوماسية العربية، وسط تحذيرات من أن مثل هذه الطروحات قد تؤجج التوترات في المنطقة وتهدد جهود وقف إطلاق النار الهشة.

وأكد مسؤولان عربيان، في تصريحات خاصة لشبكة "سي إن إن"، أن هذه التصريحات لا تقتصر تداعياتها على الفلسطينيين فحسب، بل تمثل تهديدًا للاستقرار الإقليمي برمته، مشددين على أن مثل هذه الأفكار غير واقعية ولن تجد أي قبول على الأرض.

أحد المسؤولين، وهو دبلوماسي عربي طلب عدم الكشف عن هويته، أشار إلى أن تصريحات ترامب "لا تتماشى مع أي منطق سياسي أو إنساني"، مؤكدًا أن "طرح فكرة التهجير بهذا الشكل يتجاهل تمامًا الحقائق التاريخية والإنسانية، كما أنه لا يأخذ بعين الاعتبار إرادة الشعب الفلسطيني".

وأضاف أن سكان غزة "سيرفضون بشكل قاطع أي محاولة لفرض التهجير عليهم، وسيتشبثون بأرضهم مهما كانت الظروف"، معتبرًا أن أي خطوة في هذا الاتجاه "لن تؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد والعنف، وستُدخل المنطقة في دوامة من عدم الاستقرار".

وشدد المسؤول على أن "الوقت الحالي يتطلب جهودًا مكثفة للحفاظ على التهدئة والعمل على تحقيق تقدم دبلوماسي، وليس إثارة مزيد من التوترات بتصريحات غير مسؤولة قد تعيد إشعال الأزمة".

توقيت حرج
مسؤول عربي آخر أكد أن توقيت هذه التصريحات يزيد من خطورتها، إذ تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة مساعي دؤوبة لتثبيت هدنة هشة والتوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى والرهائن.

وأوضح أن "مثل هذه التصريحات قد تعرقل الجهود المبذولة لإنهاء القتال، بل وقد تعطي ذرائع لبعض الأطراف لتصعيد العمليات العسكرية بدلاً من السعي إلى حلول سلمية". وأضاف: "أي حديث عن تهجير الفلسطينيين، سواء في غزة أو في أي مكان آخر، هو لعب بالنار وسيُقابل برفض قاطع على المستوى الشعبي والسياسي".

وأشار المسؤول إلى أن الموقف العربي واضح في رفض أي محاولة لفرض تغييرات ديموغرافية بالقوة، مؤكدًا أن الدول العربية ترى أن الحل الوحيد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يكمن في إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وليس في تهجير السكان وإعادة تشكيل المنطقة بما يتماشى مع رؤى غير واقعية.

خطاب متطرف
وكان ترامب قد أدلى بتصريحاته يوم الثلاثاء، معتبرًا أن الفلسطينيين في غزة "ليس لديهم خيار سوى المغادرة"، زاعمًا أن بقاءهم في القطاع يعود فقط إلى عدم توفر بديل لهم، كما أشار إلى أن الولايات المتحدة ستكون مسؤولة عن إزالة القنابل غير المنفجرة والأسلحة المتبقية في غزة.

تصريحات ترامب ليست الأولى من نوعها، إذ لطالما تبنّى مواقف متشددة تجاه القضية الفلسطينية خلال فترة رئاسته، بما في ذلك قراراته المثيرة للجدل مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، وإيقاف المساعدات الأميركية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

ويرى مراقبون أن عودة ترامب إلى مثل هذه التصريحات تعكس محاولته استمالة قاعدة اليمين الأميركي المتطرف، وهو أمر يثير قلقًا متزايدًا في العواصم العربية التي ترى في مثل هذه الطروحات تهديدًا مباشرًا لجهود تحقيق الاستقرار الإقليمي.

إصرار فلسطيني
من جهتها، ترفض الفصائل الفلسطينية أي حديث عن تهجير سكان غزة، معتبرة أن هذه الفكرة "لن تمر"، وأن الشعب الفلسطيني أثبت في جميع المراحل أنه متمسك بأرضه رغم الحروب والحصار والمعاناة.

وأكدت مصادر فلسطينية أن أي محاولة لفرض واقع جديد في غزة ستُواجَه بمقاومة شرسة، وأن الفلسطينيين لن يقبلوا بأن يُجبروا على مغادرة وطنهم، كما حدث خلال نكبة 1948 ونكسة 1967.