ظافر محمد العجمي

لم تكن مأساوية اللحظة فقط حين استشهد وكيل عريف عبدالرحمن العنزي في الاشتباك البحري الذي وقع في المياه الإقليمية الكويتية جنوب شرق جزيرة بوبيان بين زورق خفر السواحل الكويتي (مبارك 304) وزورق عراقي يشتبه في أنه لمهربين أو مخربين أو متسللين، بل تكمن مأساويتها في المشهد الخلفي للأحداث التي استمرت أربع ساعات في يوم 10 يناير الجاري.
فبعد مطاردة عنيفة، وعلى مسافة 9 أميال بحرية، تم إعطاب الزورق العراقي وغرقه في المياه الدولية وضبط 4 بحارة عراقيين، بينما انتشلت القوات البحرية العراقية 5 بحارة ورفضت تسليمهم لزورق خفر السواحل الكويتية. وقد أوضح العراق والكويت على لسان المتحدث باسم حكومة المالكي علي الدباغ ولسان وزير الخارجية الكويتي الشيخ د.محمد صباح أنه حادث مؤسف يتطلب تكثيف الدوريات البحرية والتنسيق الأمني ما بين الكويت والعراق لضبط الحدود.
نعلم أن حوادث الاشتباك بين خفر السواحل والزوارق المشبوهة لن تتوقف، وإلا لما كان هناك حاجة لتشكيل مثل هذه القوة ليس في الكويت فحسب بل في جميع الدول البحرية، لكن رواية قائد زورق خفر السواحل الكويتي أظهرت عدة ثغرات على الجانب الكويتي، منها عدم تطبيق قواعد الاشتباك laquo;Rules of engagementraquo; التي تحمي أفراد المجموعة، وعدم ارتداء معدات تقلل حجم الإصابة، وتأخر الإسناد الجوي، والإسعاف الطبي وغيره من الإجراءات الأخرى.
لكن التفاصيل تلك لا توازي جزءا صغيرا جدا من رواية قائد زورق خفر السواحل الكويتي حين قال واصفا أجواء المواجهة: (كانت هناك دورية بحرية تابعة للجيش العراقي وزورق حربي تابع للجيش الأميركي)، ثم قال في موضع آخر بعد غرق زورق العراقيين (فيما كان أفراد الزورق الأميركي يراقبون الوضع).
فما هذا الزورق الأميركي؟ ولماذا لم يتدخل؟ وهل كان من واجبه التدخل؟
يعرف من يتابع النشرات الاستراتيجية الغربية أن بالإمكان معرفة مواقع القطع البحرية الأميركية حول العالم، وقد فعلنا ذلك من خلال المنفذ: laquo;U.S. Naval Update Map: Jan. 5، 2011raquo; واتضح لنا أن حاملة الطائرات أبراهام لنكولن (Aircraft Carrier USS Abraham Lincoln) ومجموعتها القتالية كانت في طريقها للانضمام إلى الأسطول الخامس، وما زالت في بحر العرب ضمن منطقة عملياته المسماة (CVN-72).
إذا ما هذا الزورق الأميركي الذي لا يمكن أن يكون ضمن مجموعة الحاملة؟
لقد سبق أن تحدثنا في أكثر من مقال عن قوة الواجب البحري المسماة laquo;Combined Task Force 152raquo; أو اختصاراً laquo;CTF152raquo;، والموجودة في مياه الخليج العربي والمكونة من أكثر من 28 دولة من ضمنها دول الخليج وأكثرها من حلف شمال الأطلسي، وهذا الزورق هو أحد قطع البحرية الأميركية التابعة لهذه القوة الدولية، أما عدم تدخله في مساندة زورق خفر السواحل الكويتي في مواجهة الزورق العراقي فقصور تفضحه واجبات هذه القوة، فقد تكونت عام 2004م ضمن عملية الحرية الدائمة (Operation Enduring Freedom) وسأفتح هنا قوسا كبيرا مستقى من موقع القوة laquo;http://cusnc.navy.mil/cmf/152/index.htmlraquo; يظهر واجباتها التي تشمل: التعاون في مسرح عمليات الخليج العربي مع دول مجلس التعاون لفرض الأمن البحري، من خلال المراقبة وإيقاف السفن وصعودها وتفتيشها في المنطقة. لمنع التهريب والتسلل، والقرصنة، والإرهاب، وتهريب الأسلحة، وكل الأعمال التي تعكر صفو السلم البحري والاستقرار في المنطقة.
وعليه لم يكن قائد زورق خفر السواحل الكويتي في حاجة لطلب المساعدة، فقد شاهد الزورق الأميركي دخول الزورق المتسلل حتى وصل إلى جنوب بوبيان في خرق صريح للمياه الإقليمية الكويتية، كما كان الاشتباك الأول وزمن المطاردة كافيا لفهم ما يجري، بالإضافة إلى أن الزورق المغير لم يكن من زوارق خفر السواحل العراقية حتى يكون حياد الأميركيين حكيما.
إن على الكويت أن لا يمر عليها هذا الموقف الأميركي دون سؤال، أو تفسير لماذا تقاعس الزورق الأميركي عن القيام بعمل هو من صميم واجباته ضمن قوة laquo;CTF152raquo; التي نشارك فيها بأموالنا وأولادنا. فموقف الزورق الأميركي هو الخذلان مع laquo;ألraquo; التعريف الكبيرة كما يفهمونها، ولو كنا في موقعهم لما سلمنا من تهمة التقصير في الحرب على الإرهاب والقرصنة؟