محمد الحمادي

تكلم الشعب فلم تسمع الحكومة، شكا الشعب فسخر المسؤولون، عبّر الشعب عن رأيه فاستخفت الحكومة بكلامه، تحرك الشعب في الشوارع فقالت الحكومة هؤلاء غوغاء، زاد غضب الشعب فقام يكسر ويخرب فأكدت الحكومة أن هؤلاء إرهابيون، ذهب الشعب ليشتكي فأوصدت الأبواب في وجهه، قال الشعب إن لديه همومه فقالوا إنهم يبالغون، قال الشعب إنه يريد أن يعمل فقالوا إنهم يجدون الفرص ولا يريدون العمل، قال الشعب إنه خائف على مستقبله ومستقبل أبنائه فقالت الحكومة وماذا يعرف الشعب عن المستقبل!

الناس في كثير من الدول العربية يشتكون من الجوع ومنهم من يحلم أن يأكل اللحم الأحمر أو حتى الأبيض مرة في الأسبوع. المواطنون العرب يريدون أن يشعروا بالأمان والحكومات تقول إنها تشعر بالأمان وتقول لمواطنيها لا تتكلموا تكونوا آمنين، المواطنون يريدون التعبير عما يجول في خاطرهم، والحكومات تقول إنكم تعرضون البلد وأمن الوطن للخطر بكلامكم.





‫المواطن العربي يريد أن يشارك في هموم بلده ويشارك في حلها والحكومة ترد بأنه لا يفهم شيئاً. المواطن العربي يعتقد بأنه جزء من الوطن والحكومة تعتقد أن المواطن جزء من الشعب وأنها وصية على الشعب والوطن. المواطن العربي يريد أن يتأكد من أن الحكومة ما تزال في خدمة الشعب، والحكومة تقول إنها والمواطن في خدمة الوطن، وفي بعض الأحيان ينقلب الحال ليكون الشعب والوطن في خدمة الحكومة.

‫الحكومات لا تريد الإقرار بأن الإعلام التقليدي لم يعد مؤثراً وأن الإعلام الجديد quot;فيس بوكquot; وquot;تويترquot; بل وحتى quot;الإيميلاتquot; صارت تحرك الجيل الجديد من الشباب العربي، والغريب أن هذه الحكومات تحاول تقييدها وهي كمن يحاول الإمساك بالسراب، فالولايات المتحدة بكل تقنياتها العالية لم تستطع أن توقف ويكيليكس، فهل باستطاعة الحكومات العربية فعل ذلك؟! الحكومات لا تريد أن تفهم أن الطريقة الوحيدة للحد من خطر هذه الوسائل في تركها للاستخدام المقنن وقبل ذلك السماح للإعلام التقليدي -الصحف والتلفزيونات والإذاعات- بممارسة دورها في التعبير عن هموم المواطن العربي وأحلامه وأمانيه، أما الأهم والأنفع فهو إصلاح الخلل الذي يؤدي إلى غضب ذلك المواطن وبالتالي لا تكون هناك حاجة إلى كل ذلك.

في الأردن يحاول مجلس الوزراء أن quot;يفهمquot; الوضع ويقوم ببعض التعديلات على قراراته التي أغضبت الشارع، فتم إلغاء الزيادات المقرر اعتمادها وإلغاء بعض الضرائب، فهل تكون الحكومة الأردنية فهمت الشعب في الوقت المناسب؟ وفي الجزائر لم يدركوا بعد‫، فأحد المسؤولين قال لمواطن يبحث عن وظيفة :quot;‫احرق نفسك كما أحرق البوعزيزي نفسه في تونسquot; فأحرق الشاب نفسه وأحرق شابان آخران نفسيهما في حادثين منفصلين في الجزائر.

كما أحرق رجل نفسه في مصر، وآخر في موريتانيا.

إنها ظاهرة جديدة على المنطقة العربية، أن يحرق الشعب نفسه كي يحصل على أبسط حقوقه. فقد بدأها شاب منذ شهر تقريباً، أحرق نفسه فأشعل ثورة في تونس، غضب الشعب بأكمله فهرب الرئيس وسقط النظام.

إنهم لا يفهمون الشعوب، وهذه هي المشكلة. كلمة خالدة قالها بن علي في آخر خطاب رئاسي له فقد قال مخاطباً التونسيين: quot;أنا فهمتكم.. إنني أفهمكم الآنquot;. لقد جاء الفهم متأخراً وهذه مشكلة.

ليست مشكلة أغلب الأنظمة العربية في المال ولا في الثروات الطبيعية وغيرها التي تمتلكها كي تستخدمها من أجل توفير الحياة الكريمة للشعب، وإنما المشكلة في الفساد وفي وجود فئة صغيرة تسيطر على كل مقدرات الشعوب وتستفيد دون أن تترك للآخرين مجالاً للاستفادة.

وتتلخص مشكلة الحكومات العربية في أنها quot;لا تريد أن تفهمquot; ما يحدث في بلدانها، بل إن بعض الحكومات لا تريد أن تفهم أن الدول الغربية تسير مع مصالحها وأنها تتخلى عن حلفائها العرب بدون أي تردد، وبن علي نموذج لا يمكن القفز عليه. والحكومات العربية لا تريد أن تفهم أن العالم لا يرفض ما تريده الشعوب، فالشعب عندما يكون قوياً وعندما يخّير المجتمع الدولي بين quot;حاكمquot; وquot;شعبquot; فإنه يختار الشعب بشكل تلقائي لأنه يعرف أن البقاء له.

من المهم أن تدرك الحكومات أيضاً أن الديمقراطية تعني أن لا ضمان لحرية التعبير عن الرأي والسماح للمواطن أن يقول ما يريد دون أن يشعر بالخوف ما دام كلامه لا يخرج عن إطار القانون واللياقة والاحترام... وكذلك هي عدالة ومساواة، ومن ثم هي انتخابات وصناديق اقتراع وبرلمان.

أخيراً، بعض الحكام يعرفون أن الشعوب لا يضرها الجوع فهي قادرة على تحمله، فالإهانة هي التي أحرقت البوعزيزي وليس الجوع، فهو شاب من أسرة فقيرة، طوال حياته يتعاطى مع الفقر والجوع والحاجة، وهذا لم يجعله يوماً يفكر بحرق نفسه، لكن بعد أن صفعته الموظفة الحكومية أحرق نفسه.