سمر المقرن

نادر جداً أن نرى من التيار الإسلامي أي خطاب يدين الإرهاب بشكل مباشر، وإذا ما ظهر هذا الخطاب فإنه يظهر باهتاً وغير ذي فاعلية، ولا يحمل أية خطط حقيقية لكبح جماح هذا التطرف. مهما يكن من أمر، إننا نتطلع أن يقوم القائمون في الجامعات السعودية الإسلامية (كجامعة الإمام بن محمد سعود الإسلامية) والوزارات المعنية (كوزارة العدل والقضاء) والهيئات العلمية الإسلامية (كهيئة الإفتاء وغيرها)، بتقديم رؤية واضحة تحمل خططاً مبرمجة وموجهة للعلماء والدعاة حول كيفية كبح جماح التطرف والحد من خطورته والتقليل من آثار وقوع أبنائنا في هذا المنزلق المظلم من خلال تطوير الخطاب الإسلامي الحاث على العدل والتسامح والصبر.

إن تطوير الرؤية الدينية للتوافق مع روح العصر ولتتوافق كذلك مع الرؤية الإسلامية الحقيقية التي لا تجيز القتل العشوائي والتغيير بالقوة والافتئات على ولاة الأمر وغيرها من الأمور التي تعتبر في صميم الرؤية الإرهابية المتشددة.

لقد اكتشفنا مؤخراً أن الخطاب الإسلامي المعاصر لا يعدو كونه لبنة شرعية للإرهاب، وأن الخطوة الأولى للوصول إلى هذه المرحلة هو التشدد، وهذا بكل أمانة شيء سيئ للغاية، ذلك أن الخطاب الإسلامي المعاصر يكاد يخلو من شرح الطرف الآخر وهو الطرف المتشدد، ولكنه يركز على الطرف الذي يطلق عليه أسماء مثل: laquo;التغريبي، أو العلماني، أو الليبراليraquo; وغيرها من المسميات التي أجزم بأن أكثر من يرددها لا يُدرك معناها ولا تاريخها، المهم أن إطلاق هذه الأوصاف يكون بشكل مبالغ فيه على حساب غض الطرف عن الآخر غير المتوقع، وباعتبار أن الحماس صاحبه معذور لكنه مع الوقت تحول الحماس إلى منهج ورؤية وقضية، بل وحركة لها قوّادها وحواريوها وزبانيتها!

ثم، إذا ما كانت هذه المؤسسات قدمت بعض المحاضرات أو بعض الكتب فإنها لم تقدم ما نستطيع أن نسميه منهجاً دينياً سليماً يصلح أن يكون منارة يرجع لها من يريد رؤية إسلامية وسطية لكافة المعاملات والعلاقات الإسلامية، على سبيل المثال: (التعامل مع الحاكم، والتعامل مع المنكرات، وطرق الإنكار، والاحتساب، وحرية المعتقد والعبادة للأديان والمذاهب الأخرى، والحكمة من حالة الإسلام في حالات ضعفه وحالات قوّته، وكذلك رؤية الدولة الإسلامية والحاكمية وغيرها..)

أخيراً، أتطلع كغيري من الناس لرؤية المؤسسات الدينية كالمؤسسات الإعلامية تقوم بدورها المنوط بها في مكافحة التطرف والإرهاب والفكر المتشدد، بل أتطلع أن تشارك الجامعات والوزارات والمؤسسات المحايدة في تقديم رؤيتها حول هذا الموضوع الذي صار قضية وطنية، بل قضية عالمية. فالجامعات بتخصصاتها الإنسانية والوزارات كوزارة العمل، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة التخطيط، والرئاسة العامة لرعاية الشباب، وكذلك وزارة التربية والتعليم التي تصنع البذرة الفكرية في عقول النشء.

كل هذه المؤسسات بالتأكيد يجب أن تحمل رؤية حول علاقة المواطن بالإرهاب، وخدماتها التي تقدمها يفترض أن تتطور ولا تكون مجرد وزارات خدمية، بل وزارات متوقع أن لديها رؤية محددة حول مساهمتها في التقليل من أسباب جنوح الشباب والمراهقين نحو الإرهاب، لأن العمل بين المؤسسات والوزارات منظومة تكمل بعضها البعض، فلا ترفع يدها معتقدة أن هذه وظيفة وزارة الداخلية فقط، كلنا في ظل هذه الظروف وهذه الانتكاسات الفكرية نتحمل المسئولية. فليس laquo;القدرraquo; وحده هو المسئول عن الإرهاب.