عصمت الموسوي
اذا قدر للتحرك الشعبي المصري ان يحقق اهدافه ويصل مرساه الاخير مكللاً بحكومة جديدة فإن من المرجح ان يحظى ميدان التحرير الشهير الذي دارت على ساحته واحدة من اكبر الثورات المصرية منذ عهد الفراعنة والى غاية اليوم، من المؤمل ان يحظى هذا المكان بسمعة سياسية وسياحية عالية تفوق ربما جميع المعالم الاثرية على الارض المصرية، سمعة تبرز الاهرامات والمتحف ومعابد الاقصر واسوان وخان الخليلي وآثار مصر الفرعونية والقبطية والاسلامية، ولكي يرسخ في اذهان الناس، بوصفه الميدان العظيم الذي بحت فيه الحناجر بالهتاف وشعارات التغيير والديمقراطية وتداول السلطة سلميا، اما اذا اخفق التحرك وحل محل الحكومة الراهنة حكما قمعيا عسكريا مستبدا او اسلاميا متشددا او laquo;التفافيا مناوراraquo; يكره الديمقراطية ويناصبها العداء ويرى الى الاختلاف والتعدد كفرا وارتدادا وعامل عدم استقرار، فليس من المستغرب ان تقوم الحكومة الجديدة بتغيير اسمه، وإزالة كل اثر لميدان التحرير ومنع اي تظاهرات احتجاجية تنطلق من ساحته، بل والغاء جميع الميادين الواسعة والساحات التي تتسع لاستقبال الملايين من البشر والتي تنطلق منها شرارة التغيير، بل قد تعمل على اقامة الاسوار والحواجز وتفتيت وبيع هذا الملك العام الى قسائم صغيرة ومتناثرة، والايعاز الى اجهزة الاعلام بعدم الاشارة اليه والتمهيد لمحوه من الذاكرة الجمعية والمناهج المدرسية والمنشورات السياحية، وربما اقامة المحلات التجارية والمقاهي ودور الترفيه - خصوصا اذا ظلت السلطة السياسية على تلازم وثيق بافكار ومبادرات رجال الاعمال الذين لا هم لهم الا التربح وجني المال ومساندة السلطة في تمكين استبدادها واغراقها في الاخطاء والتجاوزات.
ان شريحة رجال الاعمال التي اتهمت في مصر تحديدا بتوسيع دائرة الفساد والاستيلاء على الاراضي والاملاك والسواحل العامة وتجاوز القانون والافلات من المحاكمات الجنائية والسياسية لا تحمل قيمة ولا معنى لرمزية اي مكان او ما ينطوي عليه من دلالات ثقافية وتاريخية وسياسية لا تقدر بثمن.
نتمنى من كل قلوبنا المحبة لمصر وشعبها وامنها واستقرارها ان تنجو قاطرة الشرق من مغبة السقوط في الفوضى التي تعقب الانقلابات والثورات في العادة ،وان يتمكن شبابها وحكماؤها وسياسوها من استثمار هذا التحرك وكل ما رافقه من تضحيات وجهود ونوايا صادقة وتوظيفها لخدمة مصر واقتصادها واستقرارها ومستقبلها تذكير اي حكومة مقبلة بالالتزام بوعودها ومسئولياتها، والا فإن ميدان التحرير بانتظارها...
التعليقات