أمجد عرار

بمعزل عن أي ظروف تجري هنا أو هناك، عندما يقر بلد ما بأن خللاً ما يعتري نظامه السياسي، فإن عليه أن يبدأ معالجة علمية وجادة وملموسة، معالجة لا تتأثّر بما يجري في المحيط، لكنّها تأخذه بالاعتبار، فما يجري في أي مكان يلقي بظلاله في أماكن أخرى . الزلزال الذي وقع تحت بحر اليابان حرّك أمواج تسونامي المدمّرة إلى اليابسة في اليابان ومناطق أخرى . ولا شك أن الزلازل السياسية لا تختلف كثيراً، ولا يستطيع أحد أن يدعي أنه بمنأى عنها وعن تداعياتها .

في مقابلته الأخيرة قبل أيام، سئل الرئيس السوري عن برنامجه للإصلاح في ضوء الثورات العربية الراهنة، فكان جوابه امتداداً لإجابات سابقة حول القضية ذاتها . قال من جملة ما قاله ldquo;لا يمكنني أن أقوم بإجراءات إصلاحية لمجرد أن ثورة حصلت في تونس ومصرrdquo;، وفي هذا جزء كبير من الصحّة . في لقاءات سابقة أوضح أن الديمقراطية يجب أن تكون ابنة الظروف الخاصة، بمعنى أنها ينبغي أن تنشأ في سياق الظروف الخاصة لكل بلد ووفق ثقافته ومسار تقدّمه السياسي والاجتماعي، وفي هذا جزء كبير أيضاً من الصحّة . لكن هل ينتهي الأمر هنا؟ لا نعتقد ذلك .

نعرف أن الثورات ليست ثوباً جديداً يعجبنا فنستورد مثله، وصحيح أن ظروف كل بلد تختلف عن الآخر، لكن الصحيح أيضاً أن هناك ظروفاً متشابهة، وربما تنشأ في مساحة التشابه ظروف مواتية لارتدادات زلزالية لا نتحسّب لها، لاسيما أن هناك من يتلقّف الظروف الملائمة ويوظفها لمصلحته، في الداخل والخارج، وباسم الديمقراطية والمصالح الوطنية القومية العليا أيضاً . لا بد هنا من ملاحظة أن كم ردود الفعل التي تقاطرت في عواصم الغرب على احتجاجات صغيرة جرت في دمشق، يفوق كل ما صدر من ردود صدرت على الثورتين التونسية والمصرية .

لا نعني بذلك أن هذا وحده هو الدافع لكي يجري النظام في سوريا إصلاحات سياسية، فالأساس أن الإصلاح هو حاجة سورية خالصة، وهو تحصين لبلد يقع في دائرة الاستهداف والترصّد، تحديداً لمواقفه وموقعه في خارطة الصراع الصهيوني واحتضانه المقاومة، وبخاصة في لبنان . من المؤكد أن هذا الدور يقابل بالتقدير من الشعب السوري والشعوب العربية، لكنه لم يعد مبرراً للامتناع أو التردد في مبادرة النظام لإطلاق عملية تغيير وإصلاح سياسي شامل في سوريا تقوم على أساس الانفتاح على الشعب والمعارضة الوطنية الحقيقية التي يستطيع النظام أن يميّزها عن تلك المرتبطة بأعداء سوريا والعرب مهما غلّفت نفسها بالشعارات البراقة تربصاً واستعداداً لامتطاء الدبابات الأمريكية .

لقد بات من المسلّمات أن الديمقراطية والحريات العامة لا تتناقض مع مواجهة العدو، بل على العكس فإنها تعززها وتمنحها مزيداً من قوى الدفع والشرعية الشعبية . نأمل أن يصل الحكم في سوريا إلى قناعة بأن سجن أناس بسبب آراء سياسية مخالفة يمكن أن لا يخدم أحداً سوى المتصيّدين الذين يستجدون حدوث ذلك ليتكسّبوا منه . ونأمل أن نرى انطلاق عملية إصلاح في سوريا تقطع الطريق على المتربصين بها من الاعداء وهم كثر، ومنهم من هو على مرمى حجر .