خليل حسين

شهد عام 1981 حدثين بارزين، الأول انطلاق مجلس التعاون الخليجي، والثاني قمة فاس العربية في المغرب التي أسست لمشروع السلام العربي ldquo;الإسرائيليrdquo; . وبعد ثلاثين عاماً تمدد مجلس التعاون ليضم المغرب والأردن إليه، في ظروف عربية استثنائية، أبرزها الحراك الشعبي الممتد من المحيط إلى الخليج، وسط انهيار شبه كامل للنظام الإقليمي العربي الذي تمثل أخيراً في تأجيل القمة العربية المقررة في العراق . باختصار ربما هذا التمدد المفاجئ يؤسس لمراحل لاحقة، ينبغي التمعّن والنظر فيها ببصر وبصيرة لئلا تضاف هذه التجربة إلى مجموعة التجارب الإقليمية العربية غير الناجحة .

فمن حيث المبدأ لا يضير هذا التمدد بشيء، لاسيما أنه مغطى قانوناً بالمادة التاسعة من ميثاق الجامعة العربية الذي يعتبر هذه التجمعات مرحلة تكاملية في إطار الطريق العربي الطويل نحو وحدتها . وبصرف النظر عن حجم النجاحات والإخفاق التي ستواجه هذه الانطلاقة، ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها لجهة الزمان والمكان الذي سيشغله هذا التجمع بجغرافيته السياسية والآمال المعلقة عليه .

فالأردن الذي جاهد عقدين من الزمن لدخول هذا التجمع أتاه الفرج على طبق من فضة في ظروف إقليمية عربية وداخلية لا يحسد أي بلد عربي عليها . وهو في الواقع يشترك مع دول المجلس الخمس في كثير من الجوانب والقضايا ولجهة التركيبة الاجتماعية وإلى حد ما الدستورية السياسية رغم بعض الفوارق، فكيف سيكون تأثير ذلك في هذا الانضمام؟ وهل سيرتب هذا التمدد مفاعيل خاصة في إطار الجغرافيا السياسية للصراع العربي ldquo;الإسرائيليrdquo;، بعد متغيرات مصر المعروفة حتى الآن؟ ثمة حدود أردنية ldquo;إسرائيليةrdquo; تبلغ 610 كلم، كما أن ثمة خصوصية للواقع الأردني وارتباطه تاريخياً بالقضية الفلسطينية وملفاتها المتشعبة في غير اتجاه عربي متباين مع عمان وغيرها من عواصم القرار العربي .

في الوقت نفسه، ثمة مصالحة فلسطينية فلسطينية انطلقت في القاهرة وهي مرشحة للاستمرار والبناء عليها مستقبلاً، في ظل انهماك مصر بأوضاعها الداخلية، فهل سينتقل الملف الفلسطيني إلى دائرة القرار السياسي الخليجي تحديداً بعد مروره واحتوائه أردنياً؟ ربما تكون أفكاراً أكثر مما هي مشروعات واضحة، لكن الإدارة الأمريكية الديمقراطية ستخوض انتخابات رئاسية العام المقبل، فهل ستستغل الملف الفلسطيني وجغرافيته السياسية الجديدة كبطاقة انتخابية رابحة؟

في المقلب الآخر، ماذا عن موقع ودور المغرب في التركيبة الجديدة؟ وما مصير المجلس المغاربي المشلول أصلاً بفعل التباين الحاصل بين دوله؟ الكثير من الأسئلة التي تبحث عن أجوبة في ظل حراك عربي محيّر . وما مواقف الدول العربية الأخرى التي يمكن أن ترحب وتؤيد، أو يمكن أن تتوجس وتتساءل؟ لكن في مطلق الأحوال إن أي مشروع يهدف إلى التقارب والتعاون هو أمر مطلوب بل ضروري في ظل أوضاع إقليمية ودولية ضاغطة على مجمل الأوضاع العربية .

إن تأجيل القمة العربية الدورية هو رسالة واضحة لإخفاق النظام الإقليمي العربي في احتواء التحديات الكبيرة والكثيرة التي تواجهنا نحن العرب، فهل يكون البديل تجمعات فرعية ذات خصوصية تكون قادرة على مواجهة التحديات؟ على مدى عقود سبقت عشرات المحاولات برزت بين البلدان العربية من مشرقها إلى مغربها، لكن بجميعها لم تكن مشجعة بالمطلق، فكيف السبيل لأن يأخذ هذا التجمع دوره المأمول والمعوّل عليه؟

لا شك أن هذا التجمع يمتلك مقومات فارقة، اقتصادية ومالية وجغرافية وبشرية، علاوة على انضمام بلدين لهما موقع سياسي خاص في المنطقة، ما سيفتح المجال واسعاً أمام آفاق أخرى إذا أحسن التعاطي مع ظروفه الموضوعية . فالتجمع يجاور بلداناً عربية أخرى تواجه تحديات البقاء والاستمرار، مثل اليمن وسوريا والجزائر وليبيا وغيرها، وبذلك من المفترض ألا يكون شكلاً من أشكال التحدّي للبلدان الأخرى، وعنواناً يطمئن ويخف حالات التوجّس والتخّوف .

ثمة العديد من المحطات الريادية التي تمكن من تحقيقها مجلس التعاون الخليجي بين دوله وبين الدول العربية الأخرى، وبالتأكيد نحن العرب اليوم بأمس الحاجة إلى حراك تعاوني يؤمن الحد الأدنى لمواجهة المخاطر التي تعصف بالعرب دون استثناء .

ربما محاولة استشراف واقع التجمع الجديد هو أمر مبكر ومن الصعب تكوين صورة واضحة عنه، لكن في المقابل وليس من باب التمنيات بقدر ما هو باب من أبواب الآمال، أن يسهم في إيقاف التدهور العربي، وإعادته إلى الخريطة السياسية بعدما توزّع الثقل السياسي الفاعل في المنطقة بين أيدي غير عربية .

* أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية