صمت العرب تجاه سورية

داود الشريان
الحياة اللندنية
الوضع في سورية مازال محور جدل بين اعضاء مجلس الأمن، بسبب موقفي الصين وروسيا اللتين لوّحتا باستخدام حق النقض، اذا جرى التصويت على قرار ضد سورية، فضلاً عن ان مشروع القرار الذي يشهد مساعي لإصداره يندرج في اطار الفصل السادس، ولا يخوّل المجلس بالتدخل، كما في القرار 1973 الخاص بليبيا، والذي يندرج في الفصل السابع. لكن الخلاف على توقيت القرار وشدته ومضمونه لن يطول، وربما ساهم تجاهل القيادة السورية لاتصالات الأمين العام للأمم المتحدة في تصعيد محتمل.
الموقف الدولي ضد سورية اصبح جدياً، وانتقل من التصريحات الى التحرك، ورغم ذلك يواجه العرب هذا التحرك بالصمت وعدم المبالاة. فهم ممثلون بجامعة الدول العربية ويعتقدون بأن تجاهل التحرك الدولي سيمنع صدور قرار يجيز استخدام القوة لحماية المدنيين. وربما راهن العرب على تردد بعض الدول التي تعتقد بأن فتح جبهة ضد سورية سينعكس سلباً على استقرار منطقة الشرق الأوسط. لكن صمت الدول العربية، وتردد حلفاء سورية، لن يحولا دون إصرار الشركاء الغربيين على صدور قرار دولي لحسم الأزمة السورية، وعلى نحو ربما لا يختلف كثيراً عما يجري في ليبيا.
لا شك في ان الأحداث في المنطقة كشفت انهيار دور الجامعة العربية، ولعل ارتباك تحركها، وتصرفها السريع، وغير المدروس في بداية الأزمة الليبية، والاكتفاء بالتفرج، ساهمت في تمسكها بالصمت حيال ما تشهده سورية خشية اتهامها بالمساهمة في تخويل الدول الغربية التدخل في تشكيل الوضع في الدول العربية. لكن هذا الندم المتأخر لن يعفيها من المسؤولية، وربما أفضى الى نتائج اخطر مما يحصل في ليبيا. فغيابها سيحرم العرب من المشاركة في التحرك الدولي المحتمل تجاه سورية، وسيجدون أنفسهم في النهاية في موقع المستجدي او المندد، في احسن الأحوال.
جامعة الدول العربية في وضع لا تُحسد عليه، فهي أفرطت في التسرّع، والصمت، فضلاً عن ان الأحداث في غير بلد عربي كشفت ان الظروف السياسية تجاوزت حجم الجامعة ودورها. فتجاهلها المخجل للأحداث الدموية في سورية يشير بوضوح الى ان الجامعة تتحرك بحسب حجم الدول وقوة تأثيرها داخل أروقة الجامعة. فما هو جائز ضد نظام، ممنوع ضد نظام آخر. هل آن الأوان لرفع شعار laquo;الشعب العربي يريد إسقاط الجامعة العربيةraquo;؟
التيه العـربي
مصطفى المقداد
الثورة السورية
يتباين مشهد الاحتجاجات والمواجهات العربية ما بين دولة وأخرى، وتختلف الصورة والأهداف من منطقة لأخرى، فيما يتم السعي لإسباغ صفة واحدة، صفة جميلة وبراقة،
صفة تعني التغير والانتقال السلس والهادئ لشكل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، صفة تشكل حالة حضارية موصوفة، وتمثل حلماً للمثقفين يعيشون على تاريخه زمناً، ويسهمون في بناء مرحلة ما بعد التغيير تؤسس لحال أفضل، وواقع أجمل، وعلاقات أكثر استقراراً..rlm;
ما بين الواقع ذي الوجوه المتعددة، وما بين الصورة المنعكسة في الإعلام ووسائله الخارجية عن أبجديات المهنة وأخلاقها هناك بون شاسع من الفروق والاختلافات، يحاول طمس الحقائق وإلباس الفوضى لبوس الثورة وطهرها..rlm;
ولربما كان تعاقب الأحداث، وانتقالها من دولة عربية لأخرى، قد اسهم في تشويش الصورة الحقيقية وسط تصاعد عمليات التحريض وبث الإشاعات واستخدام وسائل غير مسبوقة في إشاعة الأكاذيب ونشر أخبار مفبركة أو مجتزأة تغير الوقائع وترسخ مفاهيم مخالفة للواقع الحقيقي.rlm;
والأمر في سورية لا يخلو من تداخلات خارجية ورسم مخططات استعدائية تتكئ في هجومها على مخالفات واحتياجات داخلية كان السعي لتجاوزها ومعالجتها واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار..rlm;
ففي ظل التداخلات الهادفة إلى تشويه الصورة الحقيقية سارعت الحكومة إلى استباق أهداف المخططات المرسومة داخل الغرف السود، باعتبار أن احتياجات المواطنين ومطالبهم واجب مستحق التنفيذ من جانب السلطة التنفيذية باعتبارها مسؤولة عن خدمة أبناء شعبها والسهر على رعاية مصالحهم، وتحسين أوضاعهم المعيشية.rlm;
ولكن الأمر اللافت أن كل المبادرات التي أظهر المواطنون رضا وفرحاً كبيرين بها، كانت تقابل في جانب آخر بالرفض كلياً في صورة تكشف عن المخبوء في دواخلهم، فمن غير المعقول أن يدعو شخص للحوار ويطالب به بشدة معتقداً أن الحكومة لا تملك مشروعاً أو برنامجاً للحوار الوطني ضمن المشروع الإصلاحي الأكبر، ولكن عندما يبدأ التنفيذ العملي لعملية الحوار، وإقرار آليات عملها، نجد المطالبين- الموجودين في فنادق أوروبا ومنتجعاتها- يسارعون إلى رفضها وهم يدعون انتماءهم إلى الفكر الحر، ويعيشون في العالم الحر، ويعتمدون الحوار أسلوباً، ويؤمنون بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع طريقاً للتغيير والانتقال ومستندين إلى حماية قضائية، وصحافة حرة ومستقلة تمارس دوراً رقابياً شعبياً لا يغرر أو يشوه الوقائع والأخبار...rlm;
وتبدأ رحلة التيه مع عمليات الخلط التي يمارسها أصحاب مشاريع عدائية، مهدوا لها على مدى سنوات طويلة حيث نجحوا إلى حد ما في إلباس الواقع شكلاً كاذباً، فيما يغيب جزء كبير من جانب المثقفين المنوط بهم الدور الأساس في كشف القناع الزائف والتفريق ما بين الغث والسمين.rlm;