Simon Tisdall - The Guardian

يتخذ القلق التركي، الذي بدأ يتحول إلى غضب من الوضع القائم، طابعاً إنسانياً واستراتيجياً، لقد واجهت أنقرة مشاكل كبرى بسبب توافد اللاجئين السوريين عبر الحدود، ويُقال إن أردوغان شعر بسخط عارم لأن الأسد تجاهل دعواته الشخصية إلى وقف ذبح الناس وتبني إصلاحات جوهرية، لذا أدان علناً laquo;وحشيةraquo; النظام.
في الأسبوع الماضي، اعترف وزير الخارجية البريطانية ويليام هيغ بأن بريطانيا لا تستطيع بذل المزيد لوقف الأعمال القمعية في سورية، بينما انحصر دور نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون باحتساب عدد القتلى.
في المقابل، يبدو أن تركيا، أقوى دولة مجاورة لسورية، تتابع نشاطها لحل الأزمة، فهي أرسلت وزير خارجيتها إلى دمشق لتحليل تداعيات أعمال الشغب في سورية على مسامع الرئيس بشار الأسد المحاصر.
تأتي زيارة أحمد داود أوغلو في ظل تفاقم تداعيات الأعمال الوحشية اليومية على يد نظام يصارع لاحتواء الانتفاضة. سقط 42 مدنياً على الأقل يوم الأحد نتيجة اعتداءات من تنفيذ الجيش في بلدة دير الزور الشرقية، بحسب قول الناشطين. وأشارت التقارير أيضاً إلى سقوط عشرة قتلى في الحولة في وسط سورية، ويبدو أن الوعود المتأخرة التي أطلقها النظام بشأن إجراء انتخابات حرة ومتعددة الأحزاب لم تنفع بأي شكل لتبديد الأزمة التي كلفت حياة 1600 شخص منذ شهر مارس.
يتخذ القلق التركي، الذي بدأ يتحول إلى غضب من الوضع القائم، طابعاً إنسانياً واستراتيجياً. لقد واجهت أنقرة مشاكل كبرى بسبب توافد اللاجئين السوريين عبر الحدود. ويُقال إن رئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان شعر بسخط عارم لأن الأسد تجاهل دعواته الشخصية إلى وقف ذبح الناس وتبني إصلاحات جوهرية. لذا أدان أردوغان علناً ldquo;وحشيةrdquo; النظام.
لكن تشعر تركيا بالقلق أيضاً من تأثير الاضطرابات السائدة على جهودها الرامية إلى قمع عناصر حزب العمال الكردستاني الناشطين في جنوب شرق البلاد، علماً أن عدداً منهم مولود في سورية أو مقيم فيها. يشير تقرير أصدرته منظمة الاستخبارات الوطنية إلى أن 1500 عنصر من حزب العمال الكردستاني، في منطقة قنديل الجبلية، هم من أصول سورية، ويتنقل هؤلاء بين تركيا والعراق وسورية وإيران.
تُذكّرنا الشكاوى الواردة في التقرير عن عدم تعاون سورية بالشكل المناسب مع الجهود التركية في إطار مكافحة الإرهاب بأحداث حقبة التسعينيات، حين وفّرت سورية ملجأ آمناً لعناصر حزب العمال الكردستاني واستضافت زعيم الحزب عبدالله أوجلان المسجون الآن. كما أن البلدين كادا يخوضان الحرب بسبب خلافات أخرى على موارد المياه والأراضي. منذ ذلك الحين، تحسنت العلاقات بين البلدين، لكن بدأت هذه المكاسب تتلاشى الآن بوتيرة سريعة.
يُعتبر رفض إيران تبادل المعلومات الاستخبارية بشأن عملياتها الخاصة المعادية للأكراد وروابطها الوثيقة مع النظام السوري سبباً آخر لتعزيز مخاوف تركيا، إذ أكد داود أوغلو، يوم الجمعة، مصادرة شحنة الأسلحة الإيرانية التي كانت متجهة إلى سورية، وهي كانت ستصل على الأرجح إلى ldquo;حزب اللهrdquo; في لبنان. كذلك، تمت مصادرة شحنة جوية من البنادق الأتوماتيكية وقاذفات الصواريخ وقذائف الهاون الإيرانية التي كانت متجهة إلى سورية في شهر مارس.
مع تنامي عزلة الأسد، اكتسب تحالفه مع طهران أهمية أكبر، فتعززت مخاوف تركيا بسبب الوضع القائم، علماً أن محاولاتها لعب دور الوسيط بين إيران والدول الغربية، في الشأن النووي مثلاً، أزعجت الطرفين ولم تحقق أي تقدم ملحوظ.
في وجه هذه التداعيات كلها، اتخذت زيارة داود أوغلو شكل المواجهة المحتدمة ظاهرياً. فقد قال أردوغان في نهاية الأسبوع: ldquo;لقد تحلّينا بصبر كبير حتى الآن، وكنا نترقب ما سيحصل لنرى إذا كانوا سيصغون إلى كلامناhellip; لكن بدأ صبرنا ينفذ الآنrdquo;.
وأضاف أن ما يحصل في سورية كان ldquo;شأناً داخلياًrdquo; بالنسبة إلى تركيا، نظراً إلى الروابط التاريخية والثقافية المشتركة وإلى الحدود المشتركة على طول 850 كلم. بالتالي، لا يمكن الوقوف من دون تحريك أي ساكن بحسب قوله.
تسود توقعات كثيرة مفادها أن تركيا، في حال تجاهل موقفها، قد تفكر بفرض عقوبات تتراوح بين تدابير دبلوماسية واقتصادية تستهدف النظام من جهة وإنشاء ملاجئ آمنة في شمال سورية على أن تخضع لحراسة الجيش التركي من جهة أخرى. في حال تنفيذ أي تدخل خطير مماثل، من حق تركيا أن تدعو دول حلف شمال الأطلسي إلى دعمها، بما في ذلك بريطانيا، بما يشبه ما حصل في الشأن الليبي.
يأتي قرار تركيا بمواجهة الأسد في عرينه في ظل تنامي الانتقادات العربية بحق سورية، وهو ما تعكسه دعوة مجلس التعاون الخليجي، في نهاية الأسبوع، إلى وقف استعمال ldquo;القوة المفرطةrdquo; والسعي إلى تطبيق ldquo;إصلاحات جديةrdquo;. في الأسبوع الماضي، دعمت روسيا، حليفة تقليدية لسورية، بياناً صدر عن مجلس الأمن لإدانة ما يحصل في سورية. وحذر الرئيس ديميتري ميدفيديف الأسد من أنه سيلقى ldquo;مصيراً حزيناًrdquo; إذا لم يغير مسار سياسته.
تشير هذه المعطيات كلها إلى أن إقدام هيغ على دعوة الحكومات الإقليمية وغير الغربية إلى بذل المزيد للضغط على الأسد لاقى آذاناً صاغية. تشير هذه التطورات إلى نزعة متكررة تطبع القرن الحادي والعشرين، فعندما تعجز بريطانيا والولايات المتحدة عن التحرك، تعمد أطراف أخرى إلى أخذ المبادرة، وقد تحقق تلك الأطراف نتائج أفضل منهما!