يوم أمس عنون الكاتب إيال زيسر في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية مقالته كما يلي: "بدأ العد العكسي للانفجار الذي لا مفر منه على الحدود مع لبنان"! من جهتنا، لم نذهب إلى حد القول إن الحرب باتت قدراً لا مفر منه. لكن السحب السوداء تتراكم فوق الحدود اللبنانية – الإسرائيلية. والطرفان، الإسرائيلي كما "حزب الله"، يبدوان وكأنهما صعدا على شجرة التصعيد وعلقا فوقها. والأخطر أنهما لا يعرفان وسيلة للنزول عنها.

هذا هو الواقع. فمن حيث المبدأ لا مصلحة لإسرائيل بنشوب حرب على جبهة ثانية غير غزة، مع تنظيم مسلح تابع من الناحية العملية لمحور "الممانعة" ويمثل جزءاً من تركيبة "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري". وهو يفوق حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية قوة، وعدة، وعديداً، وعتاداً.

ومن جهته، ليست الحرب من مصلحة "حزب الله" الذي التزم حرفياً بسياسة طهران التي تقود محور الممانعة التي تقضي بعدم الدخول في حرب مفتوحة مع إسرائيل لأسباب عدة، أولها أن الولايات المتحدة بالمرصاد إذا قامت إيران كطرف ثالث بفتح جبهة ضد إسرائيل. وثانيها أن إيران ومحورها قدّرا وفق ما جاء على لسان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله أن الانتصار على إسرائيل لن يكون بالضربة القاضية، بل بالنقاط. إذاً لا فائدة من تأليب الغرب وقائدته الولايات المتحدة على إيران في قضية شديدة الحساسية كوجود إسرائيل.

من ناحيته "حزب الله" ملتزم بالسياسة العامة التي تُرسم في طهران. وهي واضحة جداً. ممنوع التورط في حرب شاملة مع إسرائيل، وخصوصاً أن ثمة ملفات أميركية - إيرانية على طاولة التفاوض في أكثر من مكان. أضف إلى ذلك أن إيران لا تريد المجازفة بمصير "حزب الله" الذي قد يخرج من حرب شاملة مع إسرائيل (وربما أميركا) مدمراً ومعه البيئة الحاضنة ولبنان بأسره. ولبنان مهم لإيران. فهو قاعدة متقدمة على شاطئ المتوسط، وحدود إسرائيل. هذه القاعدة مضمونة ومريحة لنفوذ طهران بحراسة "حزب الله" المدجج بالسلاح، والممسك بالساحة اللبنانية بوسائل متنوعة تتراوح بين الترغيب والترهيب.

"حزب الله" لا يريد الحرب، لكنه يريد تسخين الجبهة الشمالية لإسرائيل لإنقاذ فكرة "وحدة الساحات"، ودور إيران وفصائلها في القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من أن نصر الله يزعم أن التسخين يؤثر في ميدان الحرب في غزة، فقد تبين بعد أكثر من 90 يوماً على "طوفان الأقصى" أن الإعلام الذي ينشر مشاهد مروعة من غزة، أو مواقف المسؤولين الأميركيين أكثر تأثيراً على ساحة الحرب من مناوشات "حزب الله" والفصائل العراقية والحوثيين معاً.

لكن إذا كان الطرفان لا يريدان الحرب أساساً، فلماذا وصلنا اليوم إلى حافة الحرب؟ ولماذا بدأ البعض يقول إن العد العكسي بدأ للانفجار الذي لا مفر منه؟ بكل بساطة لأن إسرائيل تريد هدوءاً تاماً على جبهاتها الشمالية كما حصل بعد حرب 2006 ولغاية 8 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ولكنها فوجئت بـ"حزب الله" يعمد إلى تسخين الجبهة، ويتسبب من خلال مناوشات خفيفة نسبياً بتهجير 100 ألف إسرائيلي من المناطق الشمالية. والأخطر أنه أعاد فتح العيون على قدراته وخطره الداهم شمالاً، ولا سيما بعدما ذاقت إسرائيل طعم عملية "طوفان الأقصى". فماذا لو قام "حزب الله" بـ"طوفان" شمالي؟

إن "حزب الله" غير معني بالحرب لكنه معني بتنشيط جبهة الشمال الإسرائيلي بمناوشات. هذه الحالة تزعج إسرائيل وتدفعها في الظرف الذي تمر به إلى فتح ملفات كبيرة عالقة (القرار 1701) تعتبرها وجودية. ولذلك تخرج أصوات إسرائيلية تنادي بشن عملية عسكرية ضد "حزب الله" لترميم قدرة الردع مع لبنان، وتغيير الوضع على الجبهة الشمالية.

إذاً نحن أمام إسرائيل خائفة وقلقة ويدها على الزناد، و"حزب الله" مرتبك وضائع ويده على الزناد. كلاهما عالق على الشجرة. والوصف الأمثل لهدف كل من الطرفين في الحد الأدنى هو "ترميم الردع المتبادل" من أجل تثبيت هدنة طويلة الأمد.