من أبرز وأهم المشاكل التي تواجه المنطقة الإسلامية العربية بالذات إضافة إلى الكثير من المشكلات الأخرى هالة القداسة المطلقة التي أسبغناها طواعية على مدى قرون مضت حين أغلقنا باب الإجتهاد والتحليل على كل ما يتصل بالدين وعلاقته بالأديان الأخرى .. هذه الهالة حددت كل ما لدينا بالعظمة وحقّرت الآخر وما يؤمن به برغم إعتراف الدين به .. وبينما لا يجوز الإقتراب من العظيم وتحليله موضوعيا ناهيك عن نقده وحتى الإقتراب منه وتحليله موضوعيا . لم ولا نتوقف عن ذم وتحقير كل ما يخالف هذه العظمة. المثال الحي على ذلك الخوف ثم الخوف من الإقتراب من ما وصلنا من قصص التراث .. وما يتصل بها .. خاصة وحين إتخذ الكثير من المؤرخين الدعوة الإسلامية كبداية تجاهلت كل ما قبلها من أديان وحضارات .. متناسين تسلسل الأديان وأخذ كل منها بشيء مما قبله .. وأن الحضارات تأخذ من بعضها وتتلاقح لتنتج الأفضل لشعوبها ..
وبينما آثر مؤرخي العالم العربي طمس الماضي الذي سبق الإسلام . أجد اليوم أن هناك محاولات لطمس ادوار شخصيات أثّرت وأثرت في الدين الجديد.. كما في تأثير ورقة بن نوفل إبن عم السيدة خديجة الذي كان يقرأ العبرانية وينقل أجزاء من التوراة إلى اللغة العربية .. وهو الذي بشّر محمد بأنه نبي هذه الأمة . والذي يعتقد الدكتور عدنان الحريري في كتابه بأن الآيات المكية ما هي إلا ترجمه ورقه بن نوفل لأجزاء من تلك الترجمات؟
ولكن البحث في التراث يؤكد وجود أديان أخرى غير تلك التي نعرفها كاليهودية والمسيحية .. حقيقة أن التركيز جاء على أن الوثنية كانت الشكل الديني الأبرز في الجزيرة العربية .. ولكن علينا أن لا نغفل عن معتقدات أخرى ساهمت في بروز وتبلور أديان أخرى . بحيث شهدت تلك الحقبة تنوعا فكريا وحضاريا نتيجة التأثير المتبادل بين سكانها ... كما في الحنفية .. والصابئة والديانة الأخرى التي لا يعرف عنها كثيرون الدهرية ؟؟؟
تحليلي اليوم ليس بهدف الإنتقاص من ’قدسية شهر رمضان الكريم .. فهذه القدسية مثبته في كتب التراث من خلال تأثير هذا الشهر على عرب الجاهلية .. حين قدّسه معظمهم لدرجة أنهم كادوا يحرمون القتال فيه كما حرموه في الأشهر الحرم .. تقديس هذا الشهر الكريم الذي قدّسه جد النبي الأول عبد المطلب كما قدّسه أيضا زيد بن عمرو بن نفيل عم عمر بن الخطاب . إضافة إلى إحتفاء الأديان التي ’وجدت قبل الإسلام به وصومة صوما مماثلا لما جاء به الإسلام . والمؤكد في القرآن الكريم صراحة .. "" ’كتب عليكم الصيام كما ’كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون "".
تحليلي اليوم هدفه الخروج من النرجسية والإستعلاء والتأكيد بترابط الأديان خاصة في قيم تؤدي إلى الألفة والعطاء كما يحصل في هذا الشهر الكريم ..
ففي الديانة الحنفية التي إعتنقها أثرياء قريش الذين زهدوا عن عبادة الأصنام وتمسكوا بالديانة الإبراهيمة وإن لم يعتنقوا اليهودية .. آمنوا بالبعث والحساب .. وحرّم معتنقيها الزنا وشرب الخمر وأكل الميته ولحم الخنزير والربا ووضعوا حدا للمخالفين. ’يقال بان لؤي بن كلاب (’قصي بن كلاب ) الجد الخامس للنبي المؤسس لهذه الديانة . ولكن الثابت ومن خلال كتب التراث أيضا بأن جد النبي الأول عبد المطلب كان حنفيا ..حيث تعلمنا عنه الزهد والتحنث والإكثار من عمل البر وصوم رمضان .. بحيث يجد الباحث .. الكثير من التشابه بينها وبين الإسلام .. و’تعتبر الحنفية مرحلة في مراحل الإنتقال إلى الإسلام ..
الصابئة ..
هم عابدو الملائكة التي آمنوا بانها الوسيط للوصول إلى الله قدّموا لها الأضحية للتقرب إليه ... صلّوا للشمس والكواكب خمسة مرات في اليوم بتطهر وبوضوء الذي هو من وجوب مقدمة الصلاة .. وحرّموا لحم الخنزير والكلاب .. أما عقائدهم الإجتماعية فلا تختلف كثيرا عنها في الإسلام . حيث لا يتزوجون إلا بوجود شهود .. وأباحوا الطلاق .. أهم ما يلفت النظر في عقيدتهم هي فريضة صيامهم . لأنها إمتناع كامل من الفجر وإلى الغروب عن الطعام والشراب لمدة ثلاثين يوما تنتهي برؤية هلال الشهر الجديد بحيث ’يعيّدون بيوم إنتهاؤه .وسموه نفس التسمية للعيد الإسلامي عيد الفطر .. وأن عليهم تأدية الزكاة قبل العيد.
أهم ما آمنوا به هو أن التسامح أكبر مؤلف للقلوب ..ولكن يبقى أهم دور لعبته في تاريخ ما قبل الإسلام هو صهر مختلف العقائد التي تؤمن بالإله وتصوير التوحيد كمعنى شامل .. وكما نعلم .. بأن إسمهم ورد في القرآن الكريم ثلاث مرات .
كلا الديانتين السابقتين مهدت لعقيدة التوحيد التي بدأها أخناتون فرعون مصر قبل اليهودية ..
الديانة الثالثة " الدهرية " وأعتقد بانها الأهم لأنها ترمز إلى شيء من العلمانية ..خاصة حين نرى تعتيم ’متعمد من المؤرخين برغم رؤيتنا لجذورها التي إرتبطت بالفلسفة اليونانية التي إستبعدت فكرة الخلق وركّزت على أزلية الكون بحيث أن هذه الأزلية تؤكد أزلية الخالق ووجوده. وإن أنكرت البعث والرسل . وحسب كتب التراث آمن بها البعض من زعماء قريش مثل أبي سفيان والوليد بن المغيرة .. ولكن كان ’يطلق على ’معتنقيها بالزنادقة المؤمنين ببقاء الدهر .. برغم ذكرها بشكل غير مباشر في القرآن الكريم "" "" قالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ""
ظهرت الدهريه واضحه في شعر أبي العلاء المعري.
نزول كما يزول آباؤنا ويبقى الزمان على ما ترى
نهار يمر وليل يكر ونجم يغور ونجم يرى
فلا تحسب مقال الرسل حقا ولكن قول زور سطروه
وكان الناس في عيش رغيد فجاؤوا بالمحال فكدروه
وقد زعموا هذي النفوس بواقيا تشكل في أجسامها وتهذب
وتنقل منها فالسعيد مكرم بما هو لاق والشقي معذب
تحطمنا الأيام حتى كأننا زجاج ولكن لا يعاد له سبك
’تعتبر الدهرية من أخطر التيارات الفكريه الواقعيه .. ويعتقد الدكتور شاكر النابلسي بأنها كانت أكثر المذاهب إنتشارا. وقفت بصلابة ضد الغيبيه حين أكدت أن الزمان هو الموجود الوحيد .. واللافت للنظر وبرغم إختلافها عن الديانات الأخرى إلا أن أحدا لم يتعدي على معتنقيها وإن وقفت ضد الديانات السماويه كلها وضد الوثنيه...
التعتيم على هذه الديانات التي كان لها أثرا على الإسلام والحضارة الإسلامية وكانت موجودة قبل الإسلام وتعايشت مع الديانات الأخرى كا اليهودية والمسيحية .. ولكن التعتيم الذي إنتهجه المؤرخون خلق حالة’متشددة من الإنحياز الأيدلوجي للإسلام ومنعت الباحثين من الموضوعية والصدق مع النفس ومع الإنسان المسلم بحيث خلقت لدية ذهنية مشوه تتعالى وترفض الإعتراف بحق الآخر في العقيدة بل وحقه في الحياة. ولكن ما عجزت عنه هذه الأديان وإن مهدت لعقيدة التوحيد التي أقرها الإسلام وإستعملها في جمع القبائل العربية هي توحيد هذه القبائل في وحدة لم يسبق لها مثيل في التاريخ.
وكل رمضان وأنتم بألف خير.
- آخر تحديث :
التعليقات