لو لم يكن الوضع السوري على ماهو عليه اليوم، هل كانت تركيا تتجرأ بإنتهاك حدودها بهذه العنجهية والوقاحة وتستبيح لنفسها كل هذا القتل والدمار والتشريد تحت ذريعة حماية أمنها القومي؟ ثم بأي مسوغ قانوني دولي تبيح تركيا لنفسها أن ترسل دباباتها وطائراتها الى داخل دولة ليست هي في حالة حرب معها لمجرد أن هناك قوة مدنية ( غير نظامية ) وهي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تشتبه تركيا بأنها تشكل تهديدا مستقبليا على أمنها القومي ؟ وهل بإمكان تركيا أن تفعل الشيء ذاته مع إيران وعلى حدودها قوة مماثلة للقوة التي تحاربها تركيا اليوم في سوريا وهي " حزب الحياة الحرة الجديدة " التي يشتبه بنفس الحال بأنه جناح إيراني لحزب العمال الكردستاني؟ ثم أين ومتى أعلن هذان الحزبان بأنهما جناحان مرتبطان بحزب العمال الكردستاني حتى تبرر تركيا عدوانها عليهما؟
سؤال في السياق ذاته ، هل يجيز القانون الدولي لدولة عربية أن ترسل طائراتها ودباباتها الى داخل أراضي دولة جارك لضرب أقلية هناك بإعتبارهم خصوما يهددون أمنها القومي؟ أو أن تجتاح أراضي جارتها لأن فيها عدد من تلك الاقلية يهددون أمنها القومي مستقبلا؟
لو كانت تركيا تعتبر كل الكرد أعداء لها ويشكلون تهديداً على أمنها القومي، فلماذا قبلت أساسا بإلحاق الجزء الأكبر من كردستان الشمالية بحدودها عند تقسيم كردستان بداية القرن الماضي؟ولماذا تتعامل تركيا مع كرد العراق سياسيا وإقتصاديا، بل تخوض الحرب لصالح بعض أحزابهم، ولا تعتبر هؤلاء تهديدا لأمنها القومي، في حين أنها تهاجم كرد غربي كردستان (روزئافا) وتسعى الى إبادتهم بإعتبارهم أعداء لها؟ وأي أمن قومي يهدده كرد سوريا وهم لم يجتازوا حدود تركيا يوما ولا يطمعون أبدا بالهجوم ولو على المخافر الحدودية التركية القريبة منهم؟ وأين ومتى شكل كرد سوريا تهديدا لأمن تركيا وهم في حالة حرب عظمى مع القوى الإرهابية دفاعا عن أرض بلدهم؟ ولماذا تجيز تركيا لكرد العراق أن يتنعموا ليس بحكم ذاتي فحسب، بل بشبه دولة مستقلة بجوارها، وتمنع حق الإدارة الذاتية للقوى الكردية داخل أراضيهم القومية بسوريا؟
إن تركيا تستخدم هذه الفزاعة لتبرير وشرعنة سياساتها العنصرية البغيضة ضد الشعب الكردي، وأن رئيسها المصاب بالهستيريا يسعى لإستعادة جزء من كرامته المهدورة على الصعيدين الدولي والإقليمي على حساب شعب لاحول له ولا قوة سوى الإيمان بعدالة قضيته القومية، فالمعلوم أنه بعد أن أغلق الاتحاد الأوروبي جميع الأبواب أمام تركيا للإنضمام الى عضوية النادي الأوروبي، وبعد الهزيمة المنكرة لحلفائها من جماعات داعش والنصرة والقوى الإرهابية الأخرى في سوح القتال بالعراق وسوريا، وبعد تغير مواقف دول العالم تجاه تركيا وتحجيم دورها على الساحة الإقليمية، يحاول أردوغان أن يستعيد دوره ببناء مجد مزيف عبر خوض حرب غير متكافئة مع شعب أعزل لايمتلك سوى البنادق مقابل طائرات اف 16 ودبابات ألمانية متطورة.
يريد أردوغان أن يقول للعالم والمنطقة بأنه مازال موجودا وعلى الآخرين أن يراعوا دوره في التخطيط لسياسة المنطقة، والثمن يدفعه الشعب الكردي في روزئافا دون أن يكون له يد في عزلة هذا النظام الفاشي.
لقد قلتها مرارا وتكرارا بأن كل الدكتاتوريين في العالم وعبر التاريخ هم أغبياء، وبنتيجة غبائهم يرتكبون خطأ قاتلا سيودي برؤوسهم كما شاهدنا ذلك عبر صفحات التاريخ، فلو لم يرتكب هتلر حماقة إجتياح الأراضي السوفيتية أثناء الحرب العالمية الثانية، لما ألب على نفسه قوة عظمى مثل الجيش الأحمر. ولولا حماقة صدام حسين بإحتلال الكويت لما علقت رقبته بحبل المشنقة. ولولا غباء الرئيس المصري حسني مبارك بتوريث السلطة لإبنه لما ثار خمسين مليون مواطن مصري ضده . ولولا عنجهية أولاد القذافي وتهتكهم لما وصل الحال الى إخراج أبيهم من داخل أنبوب المجاري . هكذا هي تصاريف القدر الذي يحكم على كل دكتاتور بمصير محتوم . ولن يكون أردوغان إستثناءً ، لأنه بالفعل تحول الى دكتاتور قصير النظر لا يرى سوى مسافة شبر واحد أمامه، وبالتاكيد ستكون مغامرته الطائشة في سوريا وكردستانها هي القشة التي ستقصم ظهره وترميه في مزبلة التاريخ.
التعليقات