الأفلام والمسلسلات ضخمت صورة الجهاز الأمني الإداري
واقع الإنتربول لا يشبه الأساطير إطلاقاً
الياس توما من براغ: تعتبر المنظمة الدولية للشرطة الجنائية المعروفة بالإنتربول من أعرق المنظمات الدولية كون عمرها يعود إلى عام 1923 عندما تأسست في فيينا اللجنة الدولية للأمن الجنائي. ورغم أن المنظمة شهدت تغييرات كبيرة في عملها وتقدم خدماتها إلى دوائر شرطة 177 دولة وانتقلت مقراتها من فيينا إلى برلين ثم إلى باريس فليون في فرنسا، إلا أن بناء هذه المنظمة ظل لكثر من الناس سرا تنسج حول ما يجري فيه العديد من القصص والحكايات التي تجافي الحقيقة في الكثير من الأحيان ويتداخل فيها الخيال مع الحقيقة وتظهر فيها المبالغات العديدة وتصوير الرغبات والتمنيات على أنها واقع، وعلى أساس هذه المبالغات التي تقدم عادة في الأفلام والمسلسلات والقصص.
يسود في العالم تصور ان الرجال الذين يعملون في هذه المنظمة هم على الأغلب محققون على شاكلة جيمس بوند، يمتلكون الجرأة الكافية والأكتاف الرياضية العريضة والنظرات الثاقبة، إضافة إلى المقدرة السريعة على استخدام الرشاشات والمسدسات الآلية بحيث يستحيل في حال إطلاقها ألا تصيب الأهداف المبتغاة، وإن هؤلاء لا ينامون الليل ولا النهار ويلاحقون من بلد إلى أخر المجرمين واللصوص ومزوري العملات والمهربين وقراصنة الجو والبحر. يعيشون حياة محفوفة بالأخطار بعيدا عن أسرهم وأصدقائهم ثم ينتصرون في النهاية.
على أساس هذه المعلومات المنتشرة في أذهان الكثير من الناس تصل إلى مقر الانتربول في مدينة ليون الفرنسية آلاف الرسائل من الشباب في مختلف دول العالم تطلب الانضمام إلى هذه المنظمة كمحققين جدد، مع أن واقع الحال يشير بوضوح إلى أن منظمة الانتربول لا تضم في صفوفها محققين أبدا لا متخصصين ولا عامين، إنما يوجد فقط موظفون لديها يعملون في أقسام مختلفة وهم عمليا لا يعرفون شيئا عن المطاردات والمداهمات وتقفي آثار المجرمين. ففي السكرتارية يعمل فنيون في الاتصالات والأرشفة والبصمات والمخابر ومترجمون ومصورون ومتخصصون في الكومبيوتر...
والمسلي في الأمر أن معظم الموظفين في السكرتارية العامة لم يغادروا فرنسا إلا نادرا في قضايا تتعلق بعمل الانتربول، فعملهم الرئيسي واليومي هو في مقر المنظمة الكائن عند رصيف شارل ديغول في ليون، وبعد إنجاز أعمالهم الإدارية والفنية الطابع يعودون إلى بيوتهم وهناك يتابعون على شاشات التلفزة الأفلام والمسلسلات والقصص التي تصور حياة عملاء ومحققي الانتربول بإعجاب كبير كغيرهم من الناس ، رغم علمهم أن هذه الأمور ليست لها علاقة إطلاقا بمنظمتهم إلا اسميا .
إذن ما هي منظمة الانتربول إذا لم تكن على هذا الشكل ؟ أكثر التعاريف دقة وموضوعية لطبيعة هذه المنظمة تقول ان الانتربول منظمة دولية تؤمن تعاون فروع الأمن الجنائي في دول العالم المختلفة من خلال تنظيم التنسيق والتعاون الدولي في مكافحة الجريمة بأشكالها المختلفة ولذلك تستخدم معظم الأحيان الأدوات التي تناسب طبيعة المنظمة الدولية .
ونشأت الحاجة إلى قيام هذه المنظمة من جراء انتشار توسع مدى العمليات الإجرامية إلى عدد من الدول، كما ظهرت الحاجة إليها عندما بدت جهود قوى الأمن المحلية في العديد من الجدول عاجزة عن التصدي للإجرام الدولي كتهريب المخدرات وسرقة الآثار الفنية وتهريبها وتزوير العملات.
ولا يلعب تعقيد جريمة كبيرة أو ردود الفعل الكبرى عليها دورا أساسيا في عمل هذه المنظمة. فما يقرر تدخل الانتربول هو طبيعة الجريمة ومشاركة عناصر دولية ، كأن يقترف مجرم جريمة ما على ارض دولة ثم يهرب إلى دولة أخرى، أو أن تكون مرحلة من مراحل الجريمة حصلت في أراضي عدة دول. أما الشكل العملي الذي يتم فيه عمل المنظمة فيأخذ على الأغلب الشكل التالي:
يتصل فرع الأمن الجنائي في إحدى الدول بفرع الأمن الجنائي في دولة أخرى إما مباشرة أو عبر الانتربول ويطلب منه أن يجمع له معلومات عن جريمة أو مجرم ما أو أن يؤمن له التحقيق والإمساك بالمجرم أو بمراقبة متهم ما . في هذا المعنى فقط يمكن القول ان الانتربول تدخل في العملية لأنه بهذا الشكل يبدأ تعاون أجهزة الأمن في العديد من الدول بتنسيق وتنظيم تقوم به منظمة الانتربول . وعندما تتسلم الإدارة الوطنية لفرع الانتربول في دولة ما طلبا من دولة أخرى تلبي الطلب أو ترفضه حسب القوانين المعمول بها في الدولة المتلقية للطلب. أما السكرتير العام للانتربول الذي يتلقى الطلبات بواسطة آلات حديثة تعمل ليلا ونهارا فيقوم بالاتصال الدائم مع كل الدول المشاركة في المنظمة.
إن الانتربول في الواقع لا يستطيع القيام أكثر من تزويد الجهة الطالبة بالمعلومات من الأرشيف الواسع الذي لديه عن الجرائم والمجرمين، وبتنظيم عملية الاتصال وتبادل المعلومات بين فروع الأمن الجنائي في الدول المختلفة المنتمية إلى الانتربول. أما الذين يصورون في الأفلام والمسلسلات على أنهم رجال الانتربول فهم في الحقيقة رجال الأمن في الدولة التي تلقت طلب المساعدة أي أن نشاطهم الذي يقومون به يخدم جهة أجنبية في دولة لها صلات بها وبالتالي فالانتربول ليس سوبر شرطة إنما هو في الواقع بنك للمعلومات عن الجرائم العالمية والمجرمين، وفي استطاعة الانتربول تنظيم نشاط أجهزة الأمن في دول عدة دفعة واحدة ويمكنه أن يساعد في القضاء على العصابات وذلك بان يبلغ الدول المعنية بوجودها أو بتحركاتها وينسق عملية البدء بملاحقتها. ويمكن تلمس قوة هذه العملية من خلال معرفة أن عدد الدول الأعضاء في المنظمة يصل إلى 177 دولة.
ويأخذ الشكل الإداري للانتربول الشكل نفسه تقريبا الذي تأخذه المنظمات المتخصصة في الأمم المتحدة فأعلى هيئة في المنظمة الدولية للأمن لجنائي هي الجمعية العامة التي يتألف أعضاؤها من ممثلي الدول المنضمة إلى المنظمة، أما الجهة التي تديرأنشطة الانتربول فهي اللجنة التنفيذية التي يقف على رأسها رئيس ينتخب لمدة أربعة أعوام ويتلخص عمل هذه اللجنة بالقيام بمختلف النشاطات في الفترة الممتدة بين جلستي الجمعية العامة . وتشكل السكرتارية العامة الجهاز الدائم العامل في الانتربول، ويتلخص عملها في القيام بتحقيق وتنفيذ قرارات الجمعية العامة واللجنة التنفيذية وفي القيام بدور مركز معلوماتي متخصص ومركز دولي للكفاح ضد الجريمة، إضافة إلى التنسيق الدائم مع فروع الانتربول في دول العالم والعمل مباشرة في فروع الأمن للدول الأعضاء في المنظمة التي تعتبر وحدات هيكلية للانتربول.
وهناك كذلك الكثير من الخبراء والمستشارين يمدون الانتربول بالنصح في مختلف المجالات التي تتعلق بطبيعة نشاطاته التي توسعت وغدت أكثر حساسية وأهمية نظراً إلى طبيعة التهديدات والأخطار التي بات يشكلها الإرهابيون ومجموعات الجريمة المنظمة التي تسعى إلى الحصول على أسلحة الدمار الشامل.
التعليقات