خلف خلف من رام الله: قبل أن تنفجر الأمور بين حركتي (فتح وحماس)، كانت الأوضاع في الساحة الفلسطينية تقف على حافة الانهيار، فقد وصلت حالة الاحتقان بين أنصار الحركتين للذروة، كما أن شعور المواطنين بالضفة الغربية وقطاع غزة بالأمن بدأ يتلاشى تدريجياً، فالساحة الفلسطينية تشهد فلتاناً لم تعهده من قبل، فخلال أسبوع واحد تعرض رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية لمحاولة اغتيال عند عودته من معبر رفح، كما تعرض موكب وزير الخارجية محمود الزهار أمس لإطلاق نار سبقه أيضاً تعرض موكب وزير الداخلية سعيد صيام لنيران مباشرة، كما أعدم ضابطاً فلسطينياً يوم أمس على يد مسلحين مجهولين في قطاع غزة، كما اقدمت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس على اختطاف الوزير السابق والقيادي في حركة فتح سفيان ابو زايدة.

ومنذ بداية العام الجاري 2006 سقط أكثر من 300 مواطن فلسطيني، بينهم حوالي 31 طفلاً، فيما أصيب أكثر من 1300 مواطن، بينهم أكثر من 160 طفلاً، في جرائم واعتداءات تندرج في إطار الانفلات الأمني، وهو ما يعني أن ناقوس الخطر بدأ يدق، ويتطلب البحث عن جذور المشكلة لوضع لها حلولاً.

المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يرجع السبب الذي يقف وراء تزايد ظاهرة الفلتان الأمني التي تعاني منها الأراضي الفلسطينية، للصراعات الداخلية بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية، إضافة إلى أن القانون لا يزال مهمشا، فحتى الجهات الرسمية لا تقوم بتطبيق أحكامه، ولا يتم تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، كما ساهم تقاعس النيابة العامة عن ملاحقة الجناة في زيادة عدد هذه الانتهاكات، في تفاقم الحالة، يضاف لذلك تأجج حالة الاحتقان بين حركتي (فتح وحماس).

وتشير التقارير الحقوقية الفلسطينية أن عام 2006 شهد زيادة غير مسبوقة في حالات سوء استخدام السلاح، حيث أدى انتشار السلاح واستخدامه في نزاعات فصائلية وعشائرية وشخصية، إلى إصابة وقتل عدد كبير من المواطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويؤكد مركز حقوق الإنسان أن عام 2004 شهد ارتفاعاً في عدد ضحايا الفلتان الأمني الذين وصلوا إلى (131) ضحية، كان بينها (72) ضحية في قطاع غزة، و(59) ضحية في الضفة الغربية، أما العام 2005 فقد شهد المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان على المستوى الفلسطيني، تتحمل مسئوليتها السلطة الفلسطينية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، حتى إن ظاهرة الانفلات الأمني وفوضى انتشار السلاح باتت تشكل أحد أهم التحديات على المستوى الداخلي الفلسطيني، حسب المركز.
وأشارت تحقيقات المركز وتوثيقه إلى أنه في كثير من الأحيان، تورط أشخاص مكلفون بإنفاذ القانون، أو مقربون من أجهزة أمنية فلسطينية، أو مجموعات مسلحة مرتبطة بحركة فتح في تلك الأعمال، كما فشلت النيابة العامة في التحقيق في تلك الجرائم، وتقديم المتورطين فيها للعدالة، الأمر الذي كان له أعمق الأثر في استمرار الظاهرة - بل وتفاقمها- خلال ذلك العام.

ومنذ صعود حركة حماس لسدة الحكم ازدادت الأمور خطورة، وذلك بسبب الصدام وتعقيدات الحياة السياسية الفلسطينية، وطبيعة تركيبة السلطة الفلسطينية، فالجسد المتمثل في الأجهزة الأمنية (فتحاويا) بينما الرأس (حمساوية)، وهذا ما جعل الوضع يزداد خطورة وفوضى، فقد أصبح من المألوف أن تقوم مجموعات من المسلحين بإغلاق الشوارع التي تمثل شرايين الحياة لتنقل لفلسطينيين في الضفة والقطاع للحصول على امتيازات خاصة، أو للاحتجاج على القرارات التي تتخذها السلطة، دون أن يبالي أحد بحجم المعاناة التي يكابدها الجمهور الفلسطيني جراء هذه الممارسات.

كما ترفض جميع الأجهزة الأمنية عمليا الالتزام بسلطة وزارة الداخلية، وهو ما زاد أنماطا معينة من الفلتان الأمني، وفي صورة تدلل على خطورة الوضع، لجأت بعض العائلات إلى السيطرة على مقر المجلس التشريعي الفلسطيني- الذي يمثل أهم الرموز السيادية- للتنفيس عن غيظها في حال تشاجرت مع عائلات أخرى، في مشهد يشي بفداحة الواقع ومأساويته، كما تضاعفت جرائم القتل، وبالذات على خلفية الأخذ بالثأر، وعمليات الخطف بغرض تلقي الفدية، وجرائم الاغتصاب والسرقة والسطو المسلح والاتجار وتعاطي المخدرات وإتلاف مال الغير.

ومن جهة أخرى، تم احصاء الكثير من حالات فوضى السلاح، مثل تبادل إطلاق النار بين عناصر الاستخبارات العسكرية الفلسطينية وجهاز الأمن الوقائي، وتبادل إطلاق النار بين عناصر من فتح والقوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية.

هذا في وقت ترى حركة (حماس) أن حالة الفلتان الأمني في الوقت الراهن تتم بشكل مدروس من أجل تحقيق هدفين بضربة واحدة: الأول: إظهار الحكومة الفلسطينية التي تقودها بمظهر العاجز عن توفير الأمن الداخلي ووقف الاغتيالات. الثاني: الوصول إلى حالة تجعل من كل الأسلحة سلاحا غير شرعي ومحاولة تجييش رأي عام فلسطيني، إلى ضرورة أن تنزع كل الأسلحة من كل الأيادي مهما كانت، ويبقى فقط ما يسمى بالسلاح الشرعي (سلاح السلطة)، أما إسرائيل فأنها تقف متفرجة وتقوم بالاستعداد لأي مواجهة جديدة مع الفلسطينيين.