الأميركيون يراجعون خططهم بعيدا عن توصيات بيكر
الأسباب الخارجية والداخلية للأزمة اللبنانية

مفتي لبنان يحذر من إسقاط حكومة السنيورة
بلال خبيز من بيروت : لا يخفى ان الازمة السياسية الراهنة التي تعصف بلبنان، وليدة تغير وتبدل في موازين القوى الداخلية والخارجية عما كانت عليه قبل عامين، اي غداة اغتيال الرئيس الحريري. ويمكن المجازفة بالقول ان اللحظة الراهنة في المنطقة تشهد نوعاً من التوازن في القوة بين حدة الهجوم الاميركي وحجم الردود عليه.
قد لا يشكل تقرير لجنة بيكر ndash; هاميلتون مرشداً للسياسة الاميركية في المنطقة فالتقرير في فحواه واساسه
ليس اكثر من انتقاد مدو لسياسة اميركية عرجاء. لكن الخطة الاميركية حيال المنطقة قد لا تلتزم، وهي على الارجح لن تلتزم، توصيات التقرير. إذ ان نقطة ضعف التقرير الأساسية تكمن في افتراضه ان السياسة الاميركية في المنطقة باتت لا ترى هدفاً غير وقف النار، في حين ان وقائع الاعوام الماضية تشير إلى هجوم اميركي ما زال يتوالى فصولاً، رغم تعثره الميداني الواضح في العراق. لكنه تعثر لم يؤد إلى تغيير جذري في طبيعة الهجوم. فطبيعة الهجوم الاميركي على المنطقة وانجازاته التي حققها على اكثر من صعيد، جعلت من هزيمة خصومه سبباً لتقوية خصومهم المحليين الذين وجدوا في الهجوم الأميركي فرصتهم الذهبية في الطموح إلى دور لم يكن متيسراً لهم ما قبل الهجوم.
منذ ايام قليلة دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي جيش النظام السابق وضباطه إلى مفاوضات حول دورهم المستقبلي في العراق. ذلك ان هذا الجيش كان قبل الهجوم الاميركي على العراق في العام 1990 الدرع الاول الذي يمنع تمدد الثورة الخمينية الإيرانية نحو منطقة الخليج. وبسقوط هذا الدرع على يد الجيش الأميركي وجدت ايران نفسها امام ارض سائبة تدعوها لملء فراغها.
تركز الهجوم الاميركي في المنطقة منذ حرب افغانستان على موقعين اساسيين مترابطين ومتصلين في كثير من الوجوه. الموقع الاول مثله التطرف
الاصولي السني الذي اخذ ينشط في المنطقة على حساب ضمور في دور الحركة القومية العربية التي شهدت اسوأ انحدار لها مع نظام البعث في العراق. هذا المد الاصولي السني لم يكن يولي فلسطين وقضيتها همه الاساس، ففي وقت كانت اسرائيل تفجر شلالات من الدم الفلسطيني في الثمانينات وشطر اساسي من سبعينات القرن الماضي كان هم التطرف الأصولي وهدفه الاول يتمثل في الخطر الذي يمثله الاتحاد السوفياتي السابق على العقيدة والدين. ولم يعرف لهذه الحركات الأصولية اي نشاط يذكر في حمأة الصراع العربي ndash; الإسرائيلي.
من جهة ثانية كان الاستهداف الاميركي يطاول في هجمته على المنطقة ما تبقى من قوى حركة التحرر الوطني العربية والقوى القومية التي قادت فصول الصراع ضد اسرائيل في سبعينات القرن الماضي وستيناته وشطراً اساسياً من خمسيناته. والحق ان هذا الموقع هو الموقع الأِشد عداوة لإسرائيل على مر تاريخ الصراع العربي ndash; الإسرائيلي، مما جعل الإدارة الاميركية تنظر إلى ضمور دوره ومساره انحداره بعين الراضي والراغب في المساهمة بدفن هذا التيار مرة واحدة وإلى الابد. وإذا كان صدام حسين ونظامه يمثلان اسوأ ما انتجته الحركة القومية العربية فإن الهجوم الاميركي لم يوفر اكثر المواقع تقدماً في التيار القومي العربي والذي تمثل في منظمة التحرير الفلسطينية. فناصبت الإدارة الاميركية ياسر عرفات عداء مكشوفاً واطلقت يد اسرائيل في التنكيل بالشعب الفلسطيني، بل والزمت محمود عباس بالدعوة لانتخابات نيابية كانت تعرف نتيجتها سلفاً. ذلك ان هم دفن آخر المواقع القومية العربية لم يغادر السعي الاميركي لحظة واحدة.
حقق الهجوم الاميركي نصراً ساحقاً على الجبهتين اللتين استهدفهما، رغم بعض ما يشوب هذا النصر من اعراض في الوسط السني العراقي. لكن تقارير الاستخبارات الاميركية نفسها باتت تشير منذ
وقت ليس بقصير إلى سيطرة ايرانية على تنظيم القاعدة، فضلاً عن الدور الذي يلعبه النظام السوري في دعم مجموعات اصولية في العراق لصالح النفوذ الإيراني، واليوم نكاد نشهد ما يشبه سقوط حركة حماس نهائياً في الحضن الإيراني. اما على مستوى الحركة القومية العربية فليس ادل من الضعف البالغ الذي اصابها نتيجة الهجوم الاميركي، هذا الحديث المتواتر عن سقوط سورية في فلك المشروع الإيراني نهائياً. وهي كانت ركيزة من ركائز المشروع القومي العربي منذ ولادة هذا المشروع، فضلاً عن العجز الذي يبديه العرب مجتمعين في فرض بعض الضغط على الإدراة الاميركية لتحقيق تسوية تحفظ الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية، الأمر الذي يجعل مشروع الرئيس الفلسطيني مصاباً بعطب اساسي يتعلق بانعدام حظه في تمكينه من تحقيق انجاز ما على المستوى الوطني الفلسطيني.
من المنصف القول ان الارتباك الاميركي اليوم يتمثل في اكتشاف الإدارة الاميركية مدى محورية القضية الفلسطينية في المنطقة، وان هزيمة الطرف الذي ناضل زمناً طويلاً من اجل تحقيق بعض المكاسب للشعب الفلسطيني لا تعني ان الصراع انتهى بل يمكن لاي قوة اقليمية ناشئة وناهضة ان تستغل حماوة هذا الصراع وتركب مركبه السهل لتكتسب فيضاً من القوة المعنوية يؤهلها لإحراج اميركا وعرقلة مشاريعها في المنطقة.