مظاهر إحياء الذكرى اختفت نهائيا
ذكرى انتفاضة الحجارة.. تجدد وجع الفلسطينيين

خلف خلف من رام الله:
يصادف اليوم السبت ذكرى انتفاضة الفلسطينية الأولى التي عرفت باسم quot;انتفاضة الحجارةquot;. وتأتي هذه الذكرى وسط حالة من الانقسام الداخلي الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية، في ظل حالة من الاحتراب بين حركتي فتح وحماس، وتعثر سبل الحوار بين قادتهن، لتمسك كل طرف بشروطه، ففي وقت يشدد رئيس السلطة الفلسطينية والقائد العام لحركة quot;فتحquot; محمود عباس quot;أبو مازنquot; على ضرورة تراجع حماس عن انقلابها في قطاع غزة، وإعلانها التقييد بالتزامات منظمة التحرير، يدعو قادة حماس من جانبهم للبدء بحوار غير مشروط.
وقد اختفت هذه العام تقريباً مظاهر إحياء ذكرى انتفاضة الحجارة التي كانت اندلعت بالتاسع من ديسمبر عام 1987م، وشراراتها جاءت على خلفية استشهاد 5 فلسطينيين من مخيم جباليا على حاجز ابرز العسكري في قطاع غزة، حيث خرجت جماهير غفيرة باحتجاج شعبي واسع تعبيراً عن حالة السخط والاستياء من الممارسات الإسرائيلية، ويمكن القول إن الانتفاضة جاءت رداً على الوضع العام المزري بالمخيمات الفلسطينية، وانتشار البطالة وإهانة الشعور القومي والقمع اليومي الذي مارسه الاحتلال بحق الفلسطينيين.
لم تشهد هذا العام مدن الضفة الغربية وقطاع غزة أي احتفالات أو نشاطات واسعة تعبيراً عن هذه المناسبة، في وقت اعتاد الفلسطينيون في الأعوام الماضية على تذكر هذه التاريخ بشكل دراماتيكي، حتى في السنوات التي تلت دخول السلطة للأراضي الفلسطينية عام 1994 اعتادت المدارس والمؤسسات وبعض المحلات التجارية إغلاق أبوابها، في اليوم الذي يحل به ذكرى الانتفاضة المذكورة. فقد اكتفت معظم الفصائل والقيادات البارزة بإصدار بيانات تذكر بانتفاضة الحجارة التي سميت بهذا الاسم كون الفلسطينيين استخدموا الحجارة في مقاومتهم للجيش الإسرائيلي.
وقالت الجبهة التحرير العربية في بيان لها وصل quot;إيلافquot;: تطل علينا الذكرى العشرين لانطلاقة الانتفاضة الشعبية المباركة لتعيد إلى أذهاننا صورة الصمود الأسطوري لشعبنا الذي خرج بكل فئاته شيباً وشباناً، نساءً ورجالاً، صبية وأطفالاً بصدورهم العارية عزلاً إلا من إيمانهم بحقهم وعدالة قضيتهم وبحجارتهم التي أضحت رمزاً لنضال شعبنا في تلك المرحلة التاريخية من مسيرة نضاله ليواجهوا طاغوت العصر بكل أسلحته وقدرته الفائقة على الإبادة والفتك، واستطاع شعبنا أن يجعل من انتفاضته وعزيمته التي لا تلين حدث العالم الأبرز وادخلها كما هي (انتفاضة) في كل لغات العالمquot;.
بينما دعا النائب الدكتور إبراهيم المصدر عضو المجلس التشريعي عن كتلة quot;فتحquot; البرلمانية كافة الإعلاميين إلى quot;إعادة الاعتبار لذكري الانتفاضة الفلسطينية المباركة من اجل ترسيخ هذه الذكرى في وعي وإدراك و ذاكرة الأجيال الجديدة.
وأشار النائب المصدر بأن quot;يوم 9/12/1987 ذكري الانتفاضة الأولي المبارك يوم تاريخي للشعب الفلسطيني، وابرق المصدر بالتحية للشهداء والجرحى الذين ضحوا بدمائهم في هذه الانتفاضة من أطفال ونساء وشيوخ ورجال ومقاومين ومستذكرا الجرحى الذين أعيقوا ولازالوا يحملون معاناتهم على كراسيهم وعصيهمquot;.
وأضاف النائب: quot;إن هناك أبطال واسود من الأسرى الذين عانوا ومازالت معاناتهمgt; مستمرة من اسر المحتلين ، يجب أن نحني هاماتنا للذين لازالوا خلف القضبانgt; ونذكر الذين خرجوا و بهذه الانتفاضة المباركةquot;.
ويذكر معظم الفلسطينيين وبخاصة من تجاوزت أعمارهم الثلاثين عاماً، تفاصيل اندلاع انتفاضة الأقصى، فما ما زالت صورة اقتحام جنود الاحتلال الإسرائيلي لمنزل الفتى ساهر يوسف قبل عشرين عاماً راقدة في ذاكرته، عالقة في ذهنه مع توالي الأيام، حيث يقول لـquot;إيلافquot;: quot;في مثل هذه اليوم، قام الجنود باقتحام منزلنا، وكيف طلبوا مني القيام بإنزال علم لفلسطين وضع على أسلاك الكهرباء، وكذلك إزالة شعارات ثورية كتبها المقاومون على الجدرانquot;.
ويفسر يوسف الذي يبلغ من العمر الآن 29 عاماً، عدم احتفال الفلسطينيين بذكرى انتفاضة الحجارة لانشغالهم بالمأزق السياسي الذي يعايشونه في الوقت الراهن، قائلاً: quot;الناس مشغولة في الحديث عن توقعاتها لمفاوضات السلام، والحديث عن إزالة الحواجز، والأسرى، وجدار الفصل الذي ابتلع ألاف الدونمات من أراضي الضفة، وكذلك عمليات الاستيطان المتواصلة، وبالتالي فليس هناك من يسأل عن انتفاضة الآنquot;.
وشهدت انتفاضة الحجارة الكثير من التطورات السياسية، فقد سجل خلالها انطلاق حركة quot;حماسquot; لتصبح فيما بعد أقوى فصيل معارض بعد توقيع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لاتفاق أوسلو مع الجانب الإسرائيلي، كما قام الرئيس عرفات بإعلان استقلال دولة فلسطين من الجزائر عام 1988 أي بعد عام من اندلاع الانتفاضة، التي بدأت بالهدوء رويداً مع بداية 1991 حينما بدأت المنظمة مفاوضات سرية مع الجانب الإسرائيلي.
وتوقفت نشاطات الانتفاضة بشكل قاطع مع توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، فيما استمرت حركة quot;حماسquot; بمعارضتها ونفذت العديد من العمليات التفجيرية في إسرائيل، وهو ما جعلها تنظيماً محظوراً من قبل السلطة، التي اعتقلت العديد من قادتها وأنصارها.
وسقط خلال انتفاضة الحجارة 1550 شهيداً، كما سجل خلال الانتفاضة المذكورة، اعتقال مائة ألف مواطن فلسطيني، وتعرض أيضا نحو 70 ألف لإصابات وجروح مختلفة، يعاني 40% منها من إعاقات دائمة، و65% يعانون من شلل دماغي أو نصفي أو علوي أو شلل في أحد الأطراف بما في ذلك بتر أو قطع لأطراف رئيسية في الجسم. كما توفي داخل السجون الإسرائيلية نحو 42 فلسطينياً، حيث كان المحققون الإسرائيليون يستخدمون أساليب تعذيب جسدية قاسية لانتزاع الإعترافات من المعتقلين والمقاومين الفلسطينيين.