الرياض: تبرز العلاقات السياسية بين المملكة وجمهورية روسيا الاتحادية راسخة في التاريخ السياسي بين البلدين وتعود إلى العام 1926م عندما اعترف الاتحاد السوفيتي آنذاك بالمملكة العربية السعودية ليصبح أول دولة في العالم تعترف بقيام المملكة. وفي عام 1930م تم تحويل القنصلية السوفيتية في جدة إلى سفارة، وفي عام 1938م تم استدعاء السفير السوفيتي في المملكة بيد أن العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وروسيا أعيدت في العام 1990 م .
وتجسدت متانة العلاقات السياسية بين المملكة وروسيا من خلال الزيارات واللقاءات التي ما انفك المسئولون في البلدين يتبادلونها لإجراء المزيد من التنسيق، وبحث وتعميق سبل التعاون الثنائي لتدعيم العلاقات بين البلدين في جميع المجالات ومختلف الميادين .
أبرز المحطات في العلاقات بين البلدين منذ العام 1926 م حتى الآن أهمها الزيارة التي قام بها الملك فيصل بن عبدالعزيز للإتحاد السوفيتي عام 1932م، والزيارة التاريخية للملك عبدالله بن عبدالعزيز لموسكو في سبتمبر عام 2003م، وذلك عندما كان ولياً للعهد والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جو يسوده التفاهم والتعاون.
وتم خلال الزيارة التوقيع على اتفاقية تعاون بين حكومتي البلدين في قطاع النفط والغاز، ومذكرة تفاهم للتعاون العلمي والتقني وعدد من الاتفاقيات الأخرى. كما افتتح الملك عبدالله معرض المنتجات السعودية الذي نظمه مجلس الغرف السعودية هناك . كما أقامت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة وعلى هامش زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدلله بن عبدالعزيز إلى موسكو أعمال اللقاء الثقافي السعودي الروسي.
وتنفيذا لتوجيهات قيادتي البلدين وحرصهما على تنمية العلاقات الثنائية بينهما يقوم المسئولون في البلدين بالتبادل المستمر للزيارات إيمانا بأهمية الاتصال المباشر ودوره في التفاهم المشترك . ومن خلال هذه التوجه كانت زيارة الأمير سلمان بن عبدالعزيز إلى موسكو في يونيو 2006م التي أسهمت في المزيد من دعم العلاقات المتينة والعريقة التي تربط بين المملكة وروسيا. كما أسفرت زيارات الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية عن الكثير من النتائج الإيجابية.
وتأتي العلاقات الاقتصادية بين البلدين لتبرز قوة ومتانة هذه الروابط وفي مقدمة الشواهد على متانة هذه العلاقة المتميزة يأتي التوقيع في نوفمبر 1994م على اتفاق للتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والفني بين البلدين، وذلك في ختام زيارة رئيس الوزراء الروسي الأسبق فيكتور تشير نوميردين للمملكة، وشكلت بموجبها اللجنة السعودية الروسية المشتركة وافتتحت دورتها الأولى في أكتوبر عام 2002م، كما عقد في نفس الفترة المؤتمر الأول لرجال الأعمال الروسي السعودي المشترك للتعاون التجاري و الاقتصادي.
وعرف التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين خلال السنوات الأخيرة نسقا تصاعديا وتطوراً ملموساً على جميع الأصعدة وبخاصة في مجال الاستثمار والتبادل التجاري . وتعد المملكة العربية السعودية وروسيا من اكبر الدول المصدرة للنفط ويتعاون البلدان في هذا المجال من اجل الحفاظ على أسعار متوازنة وعادلة لهذا المنتج الحيوي .
كما يتعاون البلدان في مجال إنتاج البترول إذ وقعت المملكة مع شركة (لوك أويل) الروسية في مارس عام 2004م اتفاقية لاستكشاف وتطوير موارد الغاز غير المصاحب في منطقة شمال الربع الخالي بالمنطقة الشرقية.
وبدأ التعاون بين المملكة العربية السعودية وروسيا في المجال الفضائي حيث أطلقت المملكة بمساعدة روسيا عددا من الأقمار الصناعية إلى المدار . وفي المجال الإعلامي وقعت في موسكو في الثالث من سبتمبر عام 2003م اتفاقية للتعاون الإعلامي بين كل من وكالة الإنباء السعودية (واس) ووكالة الإنباء الروسية (إيتار تاس) .
وفي المجال الرياضي تم في التاسع والعشرين من شهر مايو عام 2006م في موسكو التوقيع على برنامج التبادل الرياضي بين الرئاسة العامة لرعاية الشباب والوكالة الفيدرالية للتربية والرياضة في روسيا خلال الاجتماع الذي عقد بين الأمير نواف بن فيصل بن عبدالعزيز نائب الرئيس العام لرعاية الشباب ورئيس الوكالة الفيدرالية للتربية والرياضة في روسيا الاتحادية. ومن المنتظر أن يتم خلال زيارة الرئيس الروسي للمملكة توقيع العديد من الاتفاقيات وبرامج التعاون بين البلدين لتكون لبنة جديدة في مجالات التعاون بينهما .
ولا تقتصر العلاقات السعودية الروسية على الجوانب التجارية والاقتصادية فحسب بل تتعداها لتشمل الجانب الثقافي والرياضي . ففي نوفمبر عام 1995م شهدت العاصمة الروسية موسكو افتتاح قسم الأمير نايف بن عبدالعزيز للدراسات الإسلامية بجامعة موسكو، وفي سبتمبر عام 2001م افتتح سفير خادم الحرمين الشريفين في موسكو جناح المملكة العربية السعودية في معرض الكتاب الدولي بموسكو وتم من خلاله إطلاع الرأي العام الروسي على المنجزات الحضارية الكبيرة التي تحققت في المملكة بجهود قادة هذا البلاد وفقهم الله إضافة إلى مشاركة المملكة في معارض أخرى أقيمت هناك .
كما استضافت الأكاديمية الإنسانية الاجتماعية الروسية في موسكو في مارس 2002م مهرجانا ثقافيا بعنوان يوم الثقافة السعودية شاركت فيه مجموعة من الشخصيات الثقافية والاجتماعية العربية الروسية وعدد كبير من رؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية المعتمدين لدى روسيا الاتحادية .
في السياق ذاته استضافت الأكاديمية المالية الروسية في أكتوبر 2002م ندوة العلاقات السعودية الروسية ماضيها وحاضرها ومستقبلها التي نظمها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالتعاون مع المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والسياسية بموسكو وذلك بمناسبة مرور سبعين عاما على زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز إلى روسيا .
كما تم في شهر مارس 2003م تدشين اليوم الثقافي للمملكة العربية السعودية بموسكو . وتقوم الأكاديمية السعودية في موسكو منذ تأسيسها في عام 1992م وحتى اليوم بدور كبير في نشر التربية والتعليم والثقافة العربية والإسلامية وسط العرب والروس هناك .
من جهة أخرى ينظم مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية مساء يوم غد الإثنين محاضرة بعنوان (الدور الروسي في تحقيق التوازن في السياسة الدولية المعاصرة في الشرق الأوسط) يلقيها الدكتور فيتالي ناؤومكين رئيس المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والسياسية في موسكو وذلك في قاعة المحاضرات التابعة للمركز بمبنى مؤسسة الملك فيصل الخيرية.
التعليقات