عين اميركا quot;القلقةquot; على قمة الرياض :
رسائل روسية بالجملة..وخيارات سعودية اخرى غير واشنطن

جلسة مباحثات سعودية روسية

العاهل السعودي : نأمل من روسيا أن تساهم في إحياء عملية السلام

بوتين يزور الإمارات وسط تحول في سياسات روسيا في الشرق الأوسط

إنتقاد أوروبي أميركي لتصريحات بوتين الأخيرة

وكالة نوفوستي ووكالة الأنباء السعودية

صحفيات الكرملين يرافقن بوتين بجولته بالحجاب

إيلاف -الرياض-موسكو: اعتبر عدد من المراقبين والمحللين ان زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى المملكة العربية السعودية تنطوي على عدد من الرسائل والاشارات الهامة وانها مكملة للهجوم الحاد الذي كان قد بدأه على الولايات المتحدة الاميركية في ميونيخ اضافة الى اهمية الدور الذي لعبته موسكو خلال الاسابيع الاخيرة حيث كانت المحطة الرئيسية في عمليات البحث عن تسويات لاكثر من ملف اقليمي مرتبط بلبنان وسوريا وايران.

ونقلت وكالة اسوشييتد برس عن مسؤولين سعوديين قولهم إن زيارة بوتين quot;لا تعني فك الارتباط مع واشنطن، وإنما الإظهار للولايات المتحدة أن لدى المملكة خيارات أخرىquot;.ومن موسكو ويرى عدد من المراقبين أن هدف روسيا من هذه الزيارة ينطوي على تثبيت أقدامها في الخليج العربي بواسطة الاقتصاد، وذلك ما يثير قلق واشنطن.

وكان المسؤولون الروس قد شددوا في أكثر من مناسبة، على أن موسكو لا تسعى إلى منافسة أحد في الخليج العربي، إلا أن الولايات المتحدة، التي كانت مستعدة في النصف الثاني من القرن الماضي لدق طبول الحرب ضد الاتحاد السوفياتي لمنعه من الوصول إلى quot;البحار الدافئةquot;، تتخوف من أن يسعى الدب الروسي، بعد استفاقته من سباته، لمحاولة بسط نفوذه في الخليج العربي.وكان بوتين قد قال امس أنه لم تعد هناك أي خلافات فكرية بين روسيا والعالم العربي والإسلامي، فيما وصفه الملك السعودي عبد الله بانه رجل دولة وسلام، وquot;السعودية تمد يدهاquot; لقيام صداقة حقيقية مع روسيا.


ويجري بوتين اليوم محادثات مع ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الامير سلطان بن عبد العزيز، قبل أن ينتقل إلى قطر، حيث سيبحث مع أميرها حمد بن خليفة آل ثاني الاقتراح الإيراني بإنشاء منظمة على غرار أوبك لمنتجي الغاز، حسبما أفادت مصادر الكرملين. ومن المقرر أن ينتقل بوتين بعد ذلك إلى الأردن للقاء الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس.وتعززت المخاوف الأميركية بعد الانتقادات التي وجهها الرئيس الروسي للولايات المتحدة خلال مؤتمر ميونخ أول من أمس. وكان بوتين قد قال quot;إن الولايات المتحدة تتجاوز حدودها الوطنية في كل المجالات، وهذا امر خطير جداً، لم يعد أحد يشعر بالأمن لأنه لم يعد بإمكان أحد أن يجد ملجأ في القانون الدوليquot;. وأضاف quot;إن وجود قطب وحيد في العالم الحديث غير مقبول وغير ممكنquot;.

تفاصيل الزيارة

واستهل بوتين زيارته للرياض، وهي الأولى لرئيس روسي إلى السعودية، بتقليد الملك عبد الله له قلادة الملك عبد العزيز، التي تُمنح عادة لكبار زعماء وقادة دول العالم. وبحث الرئيس الروسي مع الملك السعودي قضايا الشرق الأوسط، ولا سيما الاتفاق الفلسطيني، الذي تم التوقيع عليه في مكة يوم الخميس الماضي.وتكمن اهمية زيارة بوتين، الذي يتضمن الوفد المرافق له وزير الخارجية سيرغي لافروف و60 مدير شركة، في ان موسكو كانت خلال الاسابيع الاخيرة محطة رئيسية في عمليات البحث عن تسويات لاكثر من ملف اقليمي مرتبط بلبنان وسوريا وايران.

وجاءت الزيارة غداة هجوم عنيف لبوتين على الهيمنة الاميركية المزعزعة للاستقرار في العالم، وذلك خلال مؤتمر ميونيخ للامن في ألمانيا حيث دافع الرئيس الروسي عن بيع بلاده أنظمة دفاعية جوية لايران، حتى laquo;لا تشعر بأنها محصورة في بيئة معادية.

وأعرب بوتين حسب وكالة الانباء السعودية عن quot;حرصه على توطيد العلاقات الثنائية بين البلدينquot;، موضحاً أنهما quot;يملكان امكانات كاملة لكي تعمل كثيراً على تطوير العلاقاتquot;. وقال ان لروسيا علاقات وطيدة وقديمة مع العالم العربي، مشيرا إلى أنه في السنوات الأخيرة لم تعد هناك أي خلافات فكرية بين روسيا والعالم العربي والإسلامي. وشدد الملك عبد الله على أن العلاقات بين السعودية وروسيا متينة. وقال quot;ارى في الرئيس بوتين رجل دولة وسلام وعدل وحق، ولهذا السعودية تمد يدها لمصادقة روسيا مصادقة أساسية، والأيام أمامنا ونتأمل الخير والوفاء من الأصدقاءquot;.


وقال الملك عبد الله في مقابلة أجرتها معه وكالة ايتار تاس الروسية للانباء قبل الزيارة ونشرت في السعودية quot;لا شك أن دور روسيا هام في ايجاد التسوية السلمية من خلال عضويتها في اللجنة الرباعية الدولية.quot;واضاف quot;ولنا أن نتصور شكل العالم في ظل تحقيق تسوية عادلة وشاملة ودائمة لهذا النزاع.. وسوف نفاجأ بحجم المشكلات التي سوف تحل تلقائيا معه.. وبحجم الموارد الاقتصادية التي ستتوفر لنا لتحقيق التنمية البشرية..والسلام والوئام بين الشعوب.quot;

وقالت وسائل الاعلام السعودية ان موسكو تريد ايضا ان تبيع للرياض التي سجلت فائضا قياسيا في الميزانية بلغ 78 مليار دولار العام الماضي نتيجة ارتفاع اسعار النفط عتادا عسكريا يشمل دبابات وانظمة مضادة للصواريخ بالاضافة الى الفوز بعطاء لتوسيع السكك الحديدية السعودية.

وقال العاهل السعودي قبل المحادثات quot;نأمل أن تسفر جهودها (اللجنة الرباعية) الحالية عن احياء عملية السلام والتركيز على القضايا الرئيسية في النزاع وحلها جذريا بعد أن أثبتت الحلول الجزئية عدم فاعليتها في تحقيق التقدم المأمول.quot;وفي الاسبوع الماضي توسطت المملكة في التوصل الى اتفاق بين حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وحركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يحظى بدعم من الولايات المتحدة لانهاء أشهر من الاقتتال بين الفصيلين وافساح الطريق لتشكيل حكومة وحدة فلسطينية.وقال الملك عبد الله انه يأمل في أن تعزز الزيارة التعاون بين أكبر دولتين منتجتين للنفط في العالم في مجالات النفط والاستثمار والنقل الجوي. لكنه لم يكشف عن تفاصيل أخرى.


لمحة عن تاريخ العلاقات الروسية السعودية

بدأت علاقات روسيا التجارية الاقتصادية مع السعودية تترسخ منذ عام 1991 بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية التي قطعت في عام 1938. وبعد مرور ثلاث سنوات وقعت في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1994 اتفاقية عامة بين حكومتي روسيا الاتحادية والمملكة العربية السعودية. ونصت هذه الاتفاقية على تطبيق نظام معاملة الدولة الأكثر رعاية بصورة متبادلة وعلى تشكيل لجنة حكومية روسية سعودية مختلطة للتعاون التجاري الاقتصادي والعلمي التقني.

إلا أن التبادل التجاري بين البلدين لم يبدأ إلا قبل بضع سنوات ومن الصفر عمليا. وشكل خلال 11 شهرا من العام الماضي 250 مليون دولار. فتورد روسيا إلى السعودية الآن في الغالب الحبوب والمنتجات الحديدية والأخشاب والورق. وتستورد حاليا من هناك كميات محدودة من المنتجات البلاستيكية والمعدنية. وتطرح قيادتا البلدين هدف زيادة حجم التبادل التجاري بينهما خلال 3 ـ 4 سنوات القادمة حتى 2 ـ 3 مليارات دولار في السنة.

التعاون في ميدان الطاقة

ويبقى أساس الشراكة يتمثل لا في تبادل السلع وإنما في المصالح المشتركة في قطاعات النفط والغاز في البلدين حيث بدأ التعاون الثنائي يتطور للتو. وبصورة رئيسية حاليا عن طريق مشاركة الشركات الروسية في أعمال الاستكشاف الجيولوجي والتنقيب، ومشاريع استخراج النفط والغاز في المملكة العربية السعودية، وفي إنشاء شبكات أنابيب نقل النفط والغاز والبنى التحتية المتصلة بهذه القطاع، وكذلك في استخدام الدراسات العلمية والتكنولوجيات الروسية الحديثة في مجمع النفط والغاز في المملكة.

وإن شركة quot;لوك أويلquot; الروسية هي الرائدة في هذا الميدان الآن. فإنها تشارك منذ بضع سنوات في مشروع واسع الأبعاد لاستكشاف واستثمار حقول الغاز في الموقع quot;أquot; الذي يقع في صحراء الربع الخالي. وأنشئت لتنفيذ هذا المشروع مؤسسة quot;Lukoil Saudi Arabia Energy Ltdquot; (الاسم المختصر quot;LukSarquot;). وشاركت في تأسيس هذه المؤسسة كل من quot;لوك أويل أوفرسيزquot; ـ شركة بنت مائة بالمائة لشركة quot;لوك أويلquot; (حصتها 80 بالمائة) وشركة النفط الوطنية السعودية quot;سعودي أرامكوquot; (حصتها 20 بالمائة). وتشكل فترة الاستكشاف الجيولوجي في المشروع 5 سنوات. وإن فترة سريان هذا العقد 40 سنة في ظل مجمل كلفة المشروع أكثر من 200 مليون دولار. وفي حالة اكتشاف احتياطي ملموس من الغاز تحصل الشركة الروسية بالإضافة إلى ذلك على حق المشاركة في تصديره.

وقدم أفضل تقييم لعلاقة الروس بالمشروع في الموقع quot;أquot; أندريه كوزيايف رئيس شركة quot;لوك أويل أوفرسيزquot; إذ قال: quot;إننا نولي أهمية كبيرة جدا لمشروعنا المشترك في السعودية وواثقون من أن برنامج أعمال الاستكشاف الجيولوجي الواسع في الموقع quot;أquot; سينفذ بكامل حجمه وفي الموعد المحدد وبجودة عالية مما يجعل إنتاج الوقود في الموقع المتعاقد عليه بكميات تجارية كبيرة ممكناquot;.

عن سؤال حول الطور الذي وصل إليه المشروع في أيامنا الراهنة أجابنا دميتري دولغوف الممثل الرسمي لشركة quot;لوك أويلquot; حيث قال: quot; أنجزت في الوقت الحاضر أعمال الكشف الزلزالي وتم انجاز حفر بئر الاستكشاف الأول من 9 آبار من المقرر حفرها خلال خمس سنوات من سريان عقد الاستكشاف. ويجري العمل الآن على تحليل المعلومات الجيولوجية التي تم الحصول عليها. ويجري في نفس الوقت حفر تجريبي في منطقة الملايحةquot;.

وبدأت إثر quot;لوك أويلquot; ما يقارب 10 شركات روسية أخرى ببذل الجهود لترسيخ أقدامها في المملكة العربية السعودية. فعلى سبيل المثال تنوي شركة quot;ستروي ترانس غازquot; المشاركة في المناقصة المتعلقة بإنشاء شبكات أنابيب مختلفة الغايات في حقل حريث في المحافظة الشرقية من المملكة سيبلغ مجمل طولها 177 كم.

وتسعى quot;روس نفط غاز سترويquot; للمشاركة في مشاريع استخراج النفط وإنشاء منشآت بنية النفط التحتية سواء في المملكة العربية السعودية أو في بلدان أخرى بالشراكة مع الشركات السعودية المعنية.

وأثبتت جدارتها في قطاع النفط والغاز في المملكة عدة شركات روسية سعودية مشتركة. فعلى سبيل المثال تقوم شركة quot;Saudi-Russian Co. for HI-TECHquot; التي أسستها quot;روس نفط غاز سترويquot; بعرض التكنولوجيات الراقية الروسية في السوق السعودية وتشارك في تنفيذ مشاريع في مجال صناعة النفط والغاز.

آفاق التعاون في الميادين الأخرى

ليس من الصائب اعتبار قطاعي النفط والغاز وحدهما يحظيان باهتمام رجال الأعمال الروس في المملكة. فإن الطاقة الكهربائية السعودية حظيت باهتمام شركة quot;شبكة الطاقة الكهربائية الروسية الموحدةquot; ـ أحد كبار الاحتكارات الروسية. وبعثت الشركة في ديسمبر (كانون الأول) عام 2005 رسالة إلى وزارة الخارجية الروسية والسفارة الروسية في المملكة العربية السعودية تطلب فيها تزويدها بمعلومات حول مشاريع التعاون مع العربية السعودية المحتملة في مجال الطاقة الكهربائية. وإن الشركة على استعداد للنظر في كافة عروض الجانب السعودي بشأن المشاركة في تنفيذ خطط تطوير منظومة الطاقة في المملكة وحتى في المشروع الدولي لإنشاء شبكة طاقة موحدة لبلدان الخليج العربي.

وتشارك شركة quot;السكك الحديدية الوطنية الروسيةquot; ـ احتكار روسي آخر في المناقصة الدولية لإنشاء خط السكك الحديدية في السعودية quot;الشمال - الجنوبquot;. ويصل طول هذا الخط إلى 2400 كم وكلفة المشروع إلى ملياري دولار. ويعتبر مشروع البنية التحتية هذا عن حق أحد أكبر المشاريع في الشرق الأوسط. وبدأت المفاوضات بشأنه في العام الماضي.

وتتفتح آفاق واسعة أمام البلدين في ميدان التعاون في الفضاء. فتنوي المملكة إطلاق قمر صناعي لاستشعار الأرض عن بعد و5 أقمار صناعية أخرى للاتصالات اللاسلكية بواسطة صاروخ روسي. وقد أطلق إلى المدار في نهاية العام الماضي بالإضافة إلى ذلك قمر الاتصالات اللاسلكية الصناعي quot;Arabsat 4Bquot; الذي صنع بطلب من عدد من الدول الأفريقية والعربية بما فيها السعودية.

وفي يوليو (تموز ) عام 2006 جرى الإعراب في لقاء محافظ الرياض مع الرئيس الروسي عن الرغبة في مشاركة المملكة العربية السعودية في تنفيذ مشروع إنشاء منظومة الرصد والملاحة عبر الأقمار الصناعية العالمية quot;غلوناسquot;.

التعاون الاستثماري ـ عنصر هام في الشراكة الإستراتيجية

يجري من أجل أن يتطور تعاون البلدين العلمي التقني بصورة طبيعية عمل الكثير على إعداد مسودات اتفاقيات حكومية ثنائية حول تجنب الازدواج الضريبي على الدخل ورؤوس الأموال، وبشأن تشجيع توظيف رؤوس الأموال وحمايتها المتبادلة، وبصدد التعاون في مجال دراسة واستثمار الفضاء للأغراض السلمية وحول النقل الجوي المباشر. كما يجري العمل على وضع مشروع مذكرة حول التعاون بين وزارتي التعليم والعلوم الروسية والتعليم العالي السعودية.

وتنوي المملكة العربية السعودية طرح مقترحات تتعلق بمشاريع استثمارية كبيرة أبدى رأس المال السعودي الاستعداد للمشاركة فيها سوية مع روسيا سواء في روسيا نفسها أو في البلدان الأخرى. ومما لا شك فيه أن زيارة بوتين ستفتح صفحة جديدة في تعاون روسيا الاستثماري مع السعودية.

هذا وإن المملكة العربية السعودية تشغل الموقع الأول في العالم من حيث احتياطي النفط (حوالي ربع الاحتياطي العالمي) واستخراج النفط وتصدير مختلف أنواع الوقود السائل. وكما أن البلد يجثم بكل معنى الكلمة على بحر من الغاز الطبيعي متخلفا من حيث الاحتياطي المكتشف (أكثر من 2ر6 تريليون متر مكعب) عن روسيا وإيران وقطر فقط. وتحتل روسيا مواقع ريادية في العالم في مجال النفط والغاز بصورة خاصة. وإن احتلال قطاع الوقود الموقع الأول في اقتصاد الدولتين وأبعاد استخراجه وتشابه تركيبة التصدير كل هذا يولد مفعول تجاذب معين بين العملاقين النفطيين الغازيين. ولذلك يرى الكرملين والرياض بشكل مسوغ تماما أنه بوسع المملكة وروسيا أن يكونا مع الزمن شريكين إستراتيجيين.

لقد صدر هذا التعريف للعلاقات الاقتصادية لأول مرة قبل سنوات على لسان وزير خارجية المملكة الأمير سعود الفيصل في موسكو، حيث أعلن وقتئذ أن بلده يسعى إلى الشراكة الإستراتيجية مع روسيا. وإن روسيا من جانبها تود هذا بنفس الدرجة وتفعل كل ما هو ضروري لذلك.