دمشق: بعد مرور أكثر من سنة على اختفائه من نهر البارد في لبنان، عادت أخبار زعيم تنظيم فتح الإسلام من سوريا هذه المرة، وتضاربت الأنباء من مصادر متعددة مقربة من السلطات السورية، بين مؤكد على وجود شاكر العبسي في السجون السورية وبين نافٍ كلياً لهذه الفرضية. وبات المراقبون ينتظرون من السلطات السورية نفياً أو تأكيداً لهذا الخبر وما ينتج عنه من تداعيات.

وبعد يومين من تفجير انتحاري قرب موقع أمني في العاصمة السورية دمشق أودى بحياة 17 شخصاً (27 أيلول/ سبتمبر)، أعلن موقع سوري (كلنا شركاء) الذي يديره بعثي مقرب من صانعي القرار أن عناصر المخابرات الجوية في سوريا استطاعت قبل شهرين تقريباً إلقاء القبض على شاكر العبسي زعيم تنظيم فتح الإسلام في منطقة (المليحة) جنوب دمشق (منطقة شعبية)، بعد أن فر من مخيم نهر البارد في لبنان عقب اقتحام الجيش اللبناني للمخيم المذكور.

وأضاف الموقع نقلاً عن مصادر موثوقة أن العبسي لجأ إلى منطقة (المليحة) حيث كان يقطن في أحد البيوت وجرت عملية مداهمة كبيرة للمنطقة أدت في النهاية إلى اعتقاله.

وقال الموقع إن خلية إرهابية مؤلفة من خمس انتحاريين كانت تنوي الانتقام لاعتقال العبسي بتفجير نفسها في ملعب العباسيين أثناء إحدى مباريات كرة القدم قبل شهر تقريباً، ولكن عناصر القوى الأمنية استطاعت إحباط المحاولة.

ولم يصدر أي تعليق من أي جهة رسمية أو إعلام رسمي على هذا الإعلان، ورد الفعل الوحيد صدر عن قناة تلفزيونية فضائية سوريا خاصة (الدنيا) المقربة أيضاً من السلطات السورية، حيث نفت الخبر كلياً، واتهمت الحريري رئيس تيار المستقبل اللبناني النائب سعد الحريري بدعم فتح الإسلام وربطت بينه وبين العبسي زعيم هذا التنظيم.

واعتبرت أن هدف الأنباء التي قالت أن العبسي معتقل لدى المخابرات الجوية quot;التشويش الإعلامي على سورياquot;، ورأت الفضائية أنه لو كان العبسي موجوداً في السجون السورية quot;لقدمته للرأي العام ليتحدث عن دور الحريري في دعم وتمويل فتح الاسلام وتهريبه من نهر الباردquot;.

وقالت القناة نقلاً عن مصادرها الخاصة التي لم تسمها، أن عناصر فتح الإسلام اقتحمت بنكاً يملكه الحريري، قبيل أحداث نهر البارد في لبنان، واعتبرت أنهم بذلك كانوا يريدون أخذ مستحقاتهم المالية من الحريري حينما تأخرت.

إلى ذلك أكّدت مصادر لبنانية أنه بناء على المعلومات التي تم تسريبها فإن الجهات الرسمية اللبنانية المختصة ستراسل نظيرتها السورية في هذا الشأن لتتأكد من صحة هذه التقارير ولتطلب اطلاعها على مزيد من التفاصيل، خصوصاً ان مصدر هذه التقارير قريب من النظام الحاكم

وكانت وسائل إعلام لبنانية نقلت عن مصادر فرنسية متابعة لزيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لدمشق الشهر الماضي قال إن السلطات السورية أبلغت الرئيس الفرنسي أثناء زيارته دمشق بأن العبسي معتقل لديها. وأن اتصالات سوريا ـ لبنانية تجري على مستويات عليا للاتفاق على ترتيبات تسليمه للسلطات اللبنانية

ونفى شقيق العبسي وجود أخيه في قبضة الاستخبارات السورية وأكّد أن شاكر شقيقه quot;استشهد في مواجهات نهر الباردquot;. وقال د. عبد الرزاق العبسي quot;بالنسبة لنا شاكر استشهد في مواجهات نهر البارد ولن نصدق الأخبار عن أنه معتقل في سوريا حتى أرى شقيقي بأم عيني وهو ما أعتقد أنه لن يتحققquot;

وكانت زوجة العبسي أعلنت عن تعرفها على جثة زوجها العام الماضي، وعادت فحوصات الحمض النووي التي أجرتها الجهات اللبنانية المختصة لتؤكد عدم صحة ادعاءات الزوجة. وبات العبسي في نظر السلطات اللبنانية ملاحقاً باعتباره أخطر المطلوبين للقضاء اللبناني.

وكانت سوريا نفت مراراً علاقتها بتنظيم فتح الإسلام، بعد أن وجّهت لها اتهامات عديدة بأنها هي التي صنعته، ونفى وزير الداخلية السوري اللواء بسام عبد المجيد في وقت سابق العام الماضي الاتهامات التي وجهها وزير الداخلية اللبناني إلى المخابرات السورية بأنها تنسق مع حركة فتح الإسلام. وأوضح الوزير السوري أن فتح الإسلام quot;هو أحد تنظيمات القاعدة التي تخطط لأعمال إرهابية في سوريا، وجرى كشفها في آب 2002 وأوقف عدد من أعضائها مع مسؤولهم شاكر العبسي الفلسطيني ـ الأردنيquot;، وأشار إلى أن التحقيقات أكّدت قيام العبسي باتصالات وتنسيق مع أبي مصعب الزرقاوي لتنفيذ عمليات إرهابية

وأشار عبد المجيد إلى وجود حكم قضائي بحق العبسي يقضي بحبسه ثلاث سنوات، وأنه بعد تنفيذ حكمه تم إخلاء سبيله، ثم وردت معلومات عن معاودته للنشاط الإرهابي وقيامه بتدريب عناصر لصالح تنظيم القاعدة فصدرت بحقه مذكرة توقيف ولا يزال فاراً وأن البحث عنه مازال جارياً من قبل السلطات السورية.

ومحكوم على الفلسطيني ـ الأردني شاكر العبسي بالإعدام في الأردن لارتكابه جريمة اغتيال دبلوماسي أميركي (لورنس فولي) بإطلاق النار عليه أمام منزله في عمان في تشرين أول/ أكتوبر 2002. وطالبت عمان السلطات السورية بتسليمها العبسي الذي كان مسجوناً لديها إلا أن السوريين رفضوا طلب الأردن وأطلقوا سراحه عام 2005.

وكانت سوريا دافعت عن الاتهامات التي ربطت فتح الإسلام بالاستخبارات السورية، ووجّهت قبل نحو عام رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ذكّرته بالمساعدات السورية quot;السخيةquot; للجيش اللبناني خلال معارك نهر البارد التي قادها العبسي، وأشارت إلى تصريحات رئيس أركان الجيش اللبناني الذي أكد أن تنظيم فتح الإسلام هو فرع من تنظيم القاعدة ولا علاقة له بالمخابرات السورية.

كما قالت السلطات السورية إن قوات الأمن السورية اصطدمت عدة مرات مع أعضاء في هذا التنظيم ونجحت في قتل عدد منهم بما في ذلك نائب رئيس التنظيم محمد طيورة.

ويشار إلى أن العبسي الملقب بـ quot;أبو حسينquot; (53 سنة) ولد في فلسطين، ولجأ إلى الأردن، وأقام في ليبيا وسوريا قبل أن يؤسس تنظيم فتح الإسلام في لبنان قبل عامين ويخوض مواجهة شرسة مع الجيش اللبناني. وأعلن العبسي انشقاقه عن فتح الانتفاضة واحتل مراكزها في مخيم البداوي بلبنان، وقاد مواجهة مع الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد شمالي لبنان امتدت لنحو نصف عام قتل فيها نحو 4000 شخص بينهم 162 جندياً لبنانياً، وانتهت المعارك بتدمير المخيم المقام منذ العام 1948 لإيواء اللاجئين الفلسطينيين. وأكّدت مصادر لبنانية مناوئة لسوريا أن لهذا التنظيم علاقة عضوية بالمخابرات السورية وقالت quot;إن الشعارات الإسلامية هي عامل تمويهquot;. ونفت سوريا أي علاقة لها بهذه المجموعة.

واختفى العبسي على نحو غامض من مخيم نهر البارد بعد انتهاء المعارك بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الاسلام أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي. وشكّ الجيش اللبناني بجثة عثر عليها تحت أنقاض المخيم واعتقدت أنها تخص العبسي وكذلك قالت زوجته، لكن الفحوص أكّدت أن الجثة لا تخصه وأنه قد يكون نجح في الفرار.