مُرشّحون يعلنون عن أسمائهم... وquot;التقدّميquot; يستعدّ لحسم خياره
حراك سياسي في تونس إستعدادًا لإنتخابات 2009 الرئاسية

زين العابدين بن علي
إسماعيل دبارة من تونس: علمت quot;إيلافquot; من مصادر قياديّة بالحزب الديمقراطي التقدّمي التونسي المعارض أنّ الحزب يستعدّ لعقد لجنته المركزيّة ( ثاني سلطة قرار بعد مؤتمرين ) في الثامن من شهر نوفمبر تشرين الثاني المقبل. ويستعدّ الحزب خلال لجنته المركزيّة المرتقبة للبتّ في موضوع التمسّك بمرشحّه للانتخابات الرئاسيّة المقبلة أحمد نجيب الشابي ، أو ترشيح أمينته العامّة الحاليّة ميّة الجريبي.

ومنذ إعلان الرّئيس بن علي عن تنقيح دستوري اقرّه مجلس النّواب في 6 تموز/يوليو الماضي، بدا من الواضح أنّ الحزب الديمقراطي التقدّمي يعيد فرز أوراقه بعد أن طالب عدد من قياديّه و قواعده بضرورة مراجعة التمشيّ الحالي حول الاستحقاق الانتخابي المقبل.

إلا ّ أنّ تيارًا quot;أغلبيّاquot; داخل quot;التّقدّميquot; ما زال ينادي بضرورة التمسّك بالمرشحّ الذي اختاره الحزب في السابق وهو المحامي أحمد نجيب الشابي الذي كان أمينًا عامًّا للتقدّمي وسبق أن تقدّم للانتخابات الرئاسيّة التي جرت في 2004 قبل أن يعلن مقاطعته لها في آخر لحظة، وفي المقابل يدعو تيّار آخر داخل الحزب الأبرز في تونس إلى ضرورة الاستفادة من التنقيح الدستوريّ الأخير الذي أعلن عنه الحكم في تونس والذي يجيز للأمينة العامّة ميّة الجريبي الترشّح للانتخابات الرئاسيّة المقبلة.

ويشير المشهد الحالي في تونس إلى تنافس على سدّة الحكم بين أربعة مرشّحين هم الرئيس زين العابدين بن علي مرشحًا عن التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم ومحمد بوشيحة مرشح حزب الوحدة الشعبية وأحمد الإينوبلي مرشح الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، بالإضافة إلى أحمد بن إبراهيم عن حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا) وإن لم يعلن بشكل رسميّ ترشّحه بعد إلى الانتخابات المقبلة إلاّ أن تسريبات من داخل حركته تشير إلى إمكانية إعلان هذا الترشّح خلال الأيام القليلة المقبلة.

ويتابع المراقبون في تونس باهتمام كبير القرار الذي سيتّخذه الحزب الديمقراطي التقّدمي الذي خاض عدّة معارك سياسيّة في السابق مع الحكومة واثبت من خلالها قدرته على الفعل السياسي داخل مشهد سياسيّ معقّد للغاية قوامه تكتّل طاغي لحزب مهيمن على الحكم منذ العام 1987 مسنودًا بعدد كبير من أحزاب الموالاة ومنظمات المجتمع المدنيّ المحسوبة عليه، و معارضة راديكاليّة ضعيفة متمثّلة في تحالف ما يعرف بــ'18 أكتوبر' بالإضافة إلى تكتّل آخر لقوى يساريّة تتزعمه حركة التجديد.

وتشير معلومات خاصّة بـquot;إيلافquot; الى إنّ الديمقراطي التقدّمي يخوض نقاشات داخليّة داخل مختلف هياكله وقواعد لحسم قراره بخصوص التعديل الدستوري الذي أقصى مرشّحه من السباق الرئاسي، ويرى أنصار التقدّمي وعدد من المتابعين أنّ القانون الذي أقرّته الحكومة جاء كردّة فعل عن إعلان أحمد نجيب الشابي لترشّحه باكرا للاستحقاق المقبل، و أنّه quot;سُنّ خصيصًا على المقاس لإقصاء الشابيquot;.

ميّة الجريبي ونجيب الشابي
وبخصوص النقاشات الدائرة صلب التقدّمي للبتّ في موقف نهائي من مسألة تقديم مرشّح إلى الرئاسية المقبلة من عدمه، كشفت ميّة الجريبي في تصريحات خصّت بها quot;إيلافquot; عن أربعة مواقف يتضمّنها الحزب في المرحلة الحاليّة ، وقالت الجريبي إنّ quot;النقاش انطلق منذ مدّة داخل الحزب بطريقة ديمقراطية وشفافة للغاية مع الكوادر والقواعد أملاً في الوصول إلى موقف وفاقيّ كفاحيّ ينتهجه الحزب في المرحلة المقبلة.

والمواقف الأربعة استنادًا إلى الجريبي هي:

رؤية أولى تطرح مواصلة المعركة السياسية بالمشاركة في الانتخابات المقبلة و مواصلة التمسّك بالمرشّح أحمد نجيب الشابي وخوض الانتخابات التشريعية وإطلاق حملة وطنيّة من أجل تغيير القانون الذي أعلن عنه الرئيس بن عليّ.

رؤية ثانية تنطلق من ذات القاعدة الكفاحيّة و تسجّل الايجابيات التي حققتها الحملة التي قام بها المرشّح في عدد من محافظات البلاد كسبا لتأييد المواطنين في الحقّ في الترشّح، لكن أصحاب هذا الرأي يدعون إلى التعامل ببراغماتيّة وواقعيّة عبر تغيير اسم المرشّح وإعلان الأمينة العامة التي يجيز لها القانون الجديد الترشّح عوضًا عن أحمد نجيب الشابي مقابل التمسّك بذات البرنامج.

ويقول ماهر حنين عضو المكتب السياسي لحزب و أحد متبنيي هذا الرأي لإيلاف :quot; لا مجال للجدال أولاً في أن إقصاء نجيب الشابي من التنافس علي رئاسية الجمهورية علامة على استمرار الانغلاق السياسي في بلادنا وتأجيل آخر لموعد انتقال السيادة للشعب ولا خلاف على أن الانتخابات القادمة لن تكون نزيهة ولا شفافة ولن تعكس الإرادة العامة للتونسيين ومع ذلك فإن حزبنا يستعد كغيره من قوى المعارضة المستقلة للاستفادة القصوى من موعد 2009 بالمشاركة في الانتخابات النيابية والرئاسية ولا يطرح الاستعداد لها أي خلاف أو تباعد في وجهات النظر.

أما في الاستحقاق الرئاسي فإن المجال الذي فُتح لميّة الجريبي ومن خلالها للحزب الديمقراطي التقدمي، فإنه سيكون دافعا في تقديري للقيام بحملة واسعة للتشهير بالحكومة وإبراز إخفاقاتها من جهة ومد الجسور مع الناس في قراهم ومدنهم وأماكن عملهم ومع الشباب في كلياتهم فضلاً عن حملة تحسيس واسعة في أوساط النخب والمثقفين لدعم مرشّحة الحزب التي ستكون خير من يحشر الحكومة في الزاوية وخير من يطالب بإصلاحات حقيقيّة تضمن انتخابات حرة وتعددية في المستقبلquot;.

و يضيف ماهر حنين: quot;مية الجريبي تبدو مرشحة للحصول على تعاطف داخلي وخارجي واهتمام إعلامي دولي مفيد للحزب وللقضية التونسية عمومًاquot;.

أما الرؤية الثالثة واستنادًا إلى تصريحات الجريبي فإنها quot;تؤكّد على الذهنيّة الاقصائية التي صيغ بها القانون ، لكنها ذهنية تؤكّد موقع الحزب في المشهد السياسي التونسي ، ويدعو أصحاب هذا الرأي إلى الاستفادة من كلّ الحالات والمزاوجة بين كلا الصيغتين (ترشيح الشابي أو الأمينة العامة) مع فسح المجال للزمن لتغيير التكتيك في اللحظة التي تبدو مناسبةquot;.

الموقف الأخير يرى أنّ الانتخابات الرئاسيّة في تونس لها أهمية قصوى (النظام التونسي رئاسوي على حدّ تعبير البعض) و بالتالي فإنّ مسالة التداول السلمي على الحكم تبدو مهمّة صعبة للغاية في الظروف الراهنة التي تعيش فيها المعارضة التونسية ، و يرى أصحاب هذا الرأي أنّ موازين القوى (حكم ndash; معارضة) ليست في صالح التقدّمي وبالتالي فإنّ مسألة الرئاسة هي نقطة مؤجّلة وعلى الحزب الإقرار بأنه غير معنيّ بالانتخابات الرئاسية المقبلة مقابل تكثيف الجهود وتركيزها على الانتخابات التشريعيّة والملفات الاجتماعيّة.

وتختزل الجريبي المواقف الأربع بالتأكيد على أنّ النقاش الدائر حاليًّا معمّق ومستفيض ويدلّ على درجة مهمّة من الوعي بأهمية المرحلة ، وقالت إنّ التوجّه الطاغي في الحزب هو التمسّك ببرنامجه الذي أقرّه في مؤتمره الأخير والذي يطرح مهمة تسريع نسق الإصلاح السياسي في تونس.

كما كشفت الجريبي في تصريحاتها عن عدم حمل الحزب الديمقراطي التقدمي لأي رهانات انتخابية في الاستحقاقات المقبلة وذكرت إنّ رهاناتهم quot; سياسية بامتياز وتهدف إلى التمسّك بحق مرشحنا ومن ورائه كلّ الكفاءات الوطنيّة في الترشّح لمنصب الرئاسة بالإضافة إلى النضال من أجل مناخ سياسي تجرى فيه انتخابات حرة ونزيهةquot;.

من جهة أخرى، بدأت مسالة المراقبة الانتخابية تطرح نفسها في تونس منذ الآن، وإستنادا إلى الجريبي فإنّ المراقبة هي معيار من المعايير التي تحدّد نزاهة الانتخابات، وتحدّثت عن المراقبة الدولية الملحّة والمراقبة الوطنيّة التي قالت إنها وعلى الرغم من كل الفروقات التي تميّز أجندة أحزاب المعارضة في تونس فإن الاتفاق على توحيد الجهود في أعمال المراقبة الانتخابيّة تعتبر سمة بارزة في مواقف الأحزاب الديمقراطية المعارضة حول الانتخابات التشريعية المقبلة.

المعارضة تستعد
ويرى الحزب الديمقراطي التقدّمي نفسه مستهدفًا من قبل الحكومة التي لم تغفر له تمسّكه بمطالب الانتقال الديمقراطي والتمسّك بحرّية التنّظم وسنّ العفو التشريعي العام و دوره الكبير في تشكيل quot;ائتلاف 18 أكتوبرquot; الذي ضمّ أطرافًا شديدة التناقض من أصوليين وشيوعيين وليبراليين وعلمانيين تحت راية عدد من المطالب الحقوقية والسياسية مثّلت قاسمًا مشتركًا لما يسمّى بالمعارضة الراديكاليّة في تونس.

وخاض التقدّمي اثر تأسيس هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات في العام 2005 quot;معركتينquot; شهيرتين ضدّ الحكومة أولها ما بات يعرف بأزمة المقرّ لما دخلت كلّ من الأمينة العامّة مية الجريبي و أحمد نجيب الشابي في إضراب عن الطّعام استمرّ 38 يوما احتجاجا على ما قالا أنها رغبة حكومية في إخراج الحزب من مقرّه تحت غطاء قضيّة مدنية .

وقد جلب إضرابهما تعاطفا داخليّا ودوليّا كبيرين أحرجا النظام التونسي بشكل كبير لما تمكّنا من طرح قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان و العمل السياسي السلمي في البلاد.

أما المعركة الثانية فهي معركة جريدة الحزب المسمّاة quot;الموقفquot; و التي تواجه سلسلة من المحاكمات يقول مسؤولو الحزب إنها تأتي بتحريض من الحكومة و تستهدف إسكات صوت جريدتهم النشاز.

ويرى متابعون أنّ وقوف التقدّمي في وجه الحكومة بتلك الحدّة أعطاه صورة تبدو جيّدة قبيل الاستحقاق الانتخابي المقبل كحزب متجذر ومستقلّ في قراراته يحاول قدر الإمكان القطع مع وصاية النظام التونسي على أحزاب المعارضة و منظمات المجتمع المدني المختلفة التي تنتهج سياسة وفاقيّة ومهادنة تجاهه.

أما النظام فيرى من جهته أنّ هذا الحزب مفتقد لقواعد شعبية محترمة يمكن أن تكون له رافدا في منافسته له، و لطالما اتهمت الحكومة التقدّمي بمحاولات القيام بـquot;حركات استعراضيّةquot; للفت الانتباه إليه عبر تركيزه على طرق نضاليّة لا تخرج عن التشهير الإعلامي في المحافل الدوليّة و خوض إضرابات الجوع القاسية وهو دليل على ضعف في البرنامج وضبابية في الطرح السيّاسي و محاولة للاستقواء بالخارج.