خلف خلف من رام الله: أثناء اجتماعها مع زعماء حزب شاس لإقناعهم بالانضمام إلى حكومتها، اختارت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، لباسًا محتشمًا، فارتدت فستانًا أسودَ طويلاً، لتبعث من خلاله رسالة مفادها بأنه يمكنها أن تكون امرأة محتشمة صالحة. ولكن على ما يبدو، الفستان كان ضيقًا، وليس مريحًا، فشعرت ليفني أن اللباس قيد حريتها، حاله كطلبات حاخامات شاس، الذين تمسكوا بشروطهم، واستجابوا لإغراءات زعيم المعارضة بيبنامين نتنياهو، ولهذا فقد قررت ليفني إبلاغ الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس بعدم قدرتها على تشكيل الحكومة، فاتحة الباب أمام انتخابات برلمانية مبكرة، ومن اللافت للنظر أن عدسات الكاميرات رصدتها أمس، بعد أن تحررت من رعب المتدينين، تهبط من سيارتها ذات اللون الأسود من طراز مرسيدس، وهي ترتدي بنطالاً، كعادتها السابقة.
ليفني، التي شغلت وسائل الإعلام على كافة أشكالها خلال الأسابيع الماضية، وأطلقت حولها الكثير من التسميات، منها: quot;غولدا مائير الثانية، وحسناء الموسادquot;، لا يعني فشلها بتشكيل حكومة في الوقت الحالي، نهاية لحياتها السياسية. حيث إن مراقبين للشأن الإسرائيلي يعتقدون أن إعادتها لكتاب التكليف، ورفضها التنازل لبعض الأحزاب مثل شاس، رفع من شعبيتها الداخلية، عندما بانت بمظهر الزعيمة ذي المبادئ، التي ترفض الرضوخ للابتزاز، ولا تحيد عن خطها السياسي في مواجهة خصومها، مهما كان الثمن الذي ستدفعه في المقابل.
وهي القاعدة التي ينطلق منها بعض المراقبين في قولهم quot;ليفني قادمة إلى سدة الحكم، ولو بعد حينquot;، ولهذه المقولة ما يدعمها على ارض الواقع، فليفني ذاتها، تدفع بشدة نحو إجراء انتخابات بالسرعة القصوى، يتم عبرها ترتيب الساحة الحزبية الإسرائيلية من جديد، بما قد يفسح الباب أمامها بتشكيل حكومة قوية، دون الخضوع لإملاءات وضغوط، قد تصل لحد التحكم بلباسها. حيث قالت ليفني أمس: quot;إذا ما فرضت علينا انتخابات ndash; فيجب التوجه إلى الانتخابات بسرعة. في الظروف الناشئة يجب التوجه إلى الانتخابات دون إبطاء، وبأكبر سرعة ممكنةquot;.
هذا في وقت اتفقت الكتل البرلمانية الإسرائيلية الكبرى الثلاثة، quot;كاديماquot; والـquot;الليكودquot; وquot;العملquot;، فيما بينها على حل الكنيست والخروج إلى عطلة انتخابات يوم الأربعاء المقبل، كما ستجتمع رئيسة الكنيست داليا ايتسك مع رؤساء الكتل الثلاث يوم غد لإقرار القرار بشكل نهائي.
وبالنسبة لاستطلاعات الرأي التي أعدتها الصحف الإسرائيلية، فان حزب كاديما الذي تتزعمه ليفني، يقف في الصدارة هذه الأيام، وهو ما يخالف استطلاعات سابقة أظهرت أن حزب الليكود المعارض سيحقق فوزا ساحقًا في أي انتخابات مبكرة تجري في إسرائيل. وعمليًا، باشرت الأحزاب الإسرائيلية العمل على أجندتها الإعلامية أكثر فأكثر، لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الأصوات، وبخاصة أن الرئيس بيرس أعلن أن الحملة الانتخابية الحاسمة ستنطلق بعد أيام قلائل.

وليفني البالغة من العمر خمسين عامًا عولت دومًا على سمعتها النظيفة، وبخاصة أنها لم تتورط في أي قضايا فساد سابقًا، بعكس معظم زعماء إسرائيل، بل أن منافسها الأشد بينيامين نتيناهو، سجله ليس نظيفًا، فقد دارت حوله الكثير من شبهات الفساد فيما مضى، أثناء توليه بعض المناصب، ومنها رئاسة الوزراء التي تولها من عام 1996 حتى 1999.
ولكن ليفني يواجهها في الوقت ذاته، عدة تحديات، يمكن اختزالها، بالآتي: لا تتمتع بشبكة علاقات اجتماعية واسعة، وكذلك خبرتها السياسة قليلة، وهي النقطة التي يحبذ منافسيها تسليط الضوء عليها في الكثير من المناسبات، كما أن حزبها quot;كاديماquot;، يعتبره بعض الإسرائيليين دون أجندة محددة، وبخاصة أن مؤسسه وزعيمه الروحي quot;ارييل شارونquot; الغارق في غيبوبة منذ ما يزيد عن العامين، أسسه لإكمال مخططاته المتعلقة بالانفصال الأحادي الجانب عن الفلسطينيين.
وبقي من المهم الإشارة إلى أن الانتخابات لبرلمانية الإسرائيلية يتوقع أن تصل تكلفتها ما يزيد عن مليار دولار، ونقلت صحيفة معاريف عن خبراء تقديرهم أن الحديث يدور عن نحو 4.5 مليار شيكل (الدولار= 3.8 شيكل)، منها 2.5 مليار لنفقات الحكومة، خسارة المداخيل من الضرائب ndash; نصف مليار شيكل وخسارة الإنتاج ndash; 1.4 مليار شيكل، وتأتي هذه التكلفة الباهظة متزامنة مع الأزمة الاقتصادية العالمية التي طالت تل أبيب أيضا.
والخسائر المذكورة، مرتبطة بحسب معاريف، بتأجيل إقرار ميزانية إسرائيل للعام 2009 لعدة أشهر على الأقل، وذلك لان الكنيست لن تتمكن من تجنيد أغلبية لإقرارها حتى كانون الثاني 2009. والى أن تتشكل حكومة جديدة تبلور ميزانية جديدة، ستكون الميزانية للعام القادم 340 مليار شيكل، مقسومة على 12، لكل شهر، حتى إقرار الميزانية (اقل بقليل من 30 مليار شيكل للشهر). هذه الحقيقة ستؤدي إلى تجميد مشاريع في مجال البنى التحتية والتعليم وستوقف تحويل الميزانيات إلى البلدات المحيطةquot;.