طلال سلامة من روما: إنها شركات مافياوية تلك التي تدير الخدمات الطبية بجزيرة صقلية، الواقعة جنوب البلاد، أين يسجل معدل بطالة قياسي. ومن اللافت أن جزء من هؤلاء المرضى الذين يستفيدون من هذه الخدمات quot;وهميينquot; مما يخول المافيا نفخ خزاناتها بأموال الدولة. نحن نتحدث عن تجارة سياسية-صحية quot;تشفطquot; من خزينة حكومة روما أكثر من 8 بليون يورو، كل سنة!

وتعتمد المافيا على تحديد مواقع التمويل وادارة التوظيف وضمان السيرة المهنية الممتازة للأطباء وحماية رؤساء الدوائر الصحية المجندين على شكل شركات قائمة على تجهيز خدمات الرعاية الصحية. ما يعطيها مكانة محترمة تقع على مسافة متساوية بين المستوى السياسي، من جهة، والمستويين الإداري والصحي، من جهة أخرى. علاوة على ذلك، وبفضل شبكة متماسكة من العلاقات الرامية الى تنظيم قوى هذه المستويات الثلاث تنجح المافيا، عن طريق عمليات شرعية بالكامل تتراوح بين الغش والتبذير والتقاعس الخدماتي، في شفط ملايين اليورو من حكومة روما التي تذهب الى جيوب زعمائها بجزيرة صقلية. يذكر أن باليرمو، عاصمة هذه الجزيرة، هي التي ترعرع فيها زعماء المافيا الأشرس والدمويين الذين هاجر قسم منهم الى الخارج، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية ثم كندا وأستراليا، لادارة الأعمال التوسعية من هناك بالتنسيق مع الخلايا والأوكار والكوادر النشطة هنا.

ومن اللافت كيف تنجح المافيا أكثر من روبرتو ماروني، وزير الداخلية الإيطالي، في إقناع السياسيين بالتعاون معها. لا بل تتمكن المافيا الذكية من خلال السياسيين من الحصول على ما تشاء من صلاحيات مقابل مشاطرة الربح، الذي يذهب أغلبه الى الخزينة المافيوية. وكل ما يجري من فواتير وهمية ومرضى وهميين ليست إلا آلية تخول المنظمات المافيوية التوغل أكثر فأكثر في القطاعين السياسي والعمالي معاً.

صحيح أن حكومة روما وقضاتها ينجحون في مصادرة الثروات المافيوية، بين الفينة والفينة، بيد أن أساليبهم في مكافحة هذه المنظمات لم تكن فعالة للغاية. إذ ينجحون في النهاية من مصادرة ما صادرته المافيا منهم منذ زمن بعيد، لا سيما ذلك الحجم الهائل من الأموال التي ما يزال قسماً منها لليوم من دون آثار تذكر. فالمافيا تقوم بمجاراة الجميع، والسياسيون الذين يتمتعون بمفاتيح دخول أي لغز، هم ضحاياها المفضلين.