دراسة جديدة عن الكلفة طويلة الأمد
تكاليف الحرب على العراق تصل إلى 3 تريليون دولار
ترجمة محمد حامد ndash; إيلاف : كان مفترضا أن تكون الحرب على العراق حربا سريعة ومنخفضة التكاليف. ولكن بعد خمس سنوات من الحرب مازالت هناك قوات أميركية قوامها 160 ألف جندي في العراق. ومازالت تكاليف الحرب تتزايد بمعدل 12 بليون دولار أميركي كل شهر مما يؤثر على الاقتصاد الأميركي الذي بدأ في التصدع. فقد أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 500 بليون دولار أميركي في العراق, ذهبت غالبيتها في العمليات العسكرية. ومع ذلك فإن هذا الرقم يعد جزءا صغيرا مما سيدفعه دافعو الضرائب في المستقبل.
ولكن الأموال التي تكلفتها الحرب هي قروض, ولهذا فإن قيمة الفوائد ربما تضيف 615 بليون دولار أميركي كفوائد إلى هذا المبلغ. كما أن القوة العسكرية المستهلكة سوف يتطلب إعادة بنائها مبلغ 280 بليون دولار. أضف لذلك الرعاية الصحية للمعاقين من المحاربين الذين شاركوا في الحرب على العراق ربما تضيف نصف تريليون دولار أميركي أخرى يتلقونها في شكل رعاية طوال حياتهم.
وقد استخلص هذه النتائج كل من جوزيف ستجليتز الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل, و لورا بلمز أستاذ المالية العامة في جامعة هارفارد, وكلاهما خدم في إدارة الرئيس كلينتون, وهذا من خلال دراسة جديدة عن التكاليف طويلة الأمد للحرب على العراق. حيث بلغ تقديرهما لتكاليف الحرب 3 تريليون دولار أميركي.
وقد أضاف ستجليتز , الأستاذ في جامعة كولومبيا, والذي نشر النتائج التي توصل إليها في كتاب جديد, متهكما: إننا دولة غنية, ويمكننا بشكل ما تغطية تلك التكلفة, ولن تؤدي بنا إلى الإفلاس. إنها حرب الثلاثة تريليون دولار. ولكنه علق قائلا إن هذه الحرب ساعدت على إضعاف الاقتصاد وذلك من خلال تثبيت عدم الاستقرار الذي أدى إلى زيادة أسعار النفط كي تسجل أرقاما قياسية, كما أنها ألجمت الدولة بالديون التي ستجعل من الصعب التعامل مع حالة الركود أو إصلاح الأمن الاجتماعي أو تلبية الاحتياجات المستقبلية.
كما أضاف: إن أفضل طريقة في التفكير في ذلك هي أن نسأل أنفسنا: ماذا فعلنا بهذه الثلاثة تريليون دولار؟ وما هي أفضل طريقة لإنفاق المال, هل هي الأمن أم تلبية احتياجاتنا الوطنية على المدى البعيد؟ فكلما كان الاقتصاد الأميركي قويا, كلما كنا أقوياء على مواجهة أي تهديد. وإذا أضعفنا الاقتصاد الأميركي, فإننا سنكون أقل استعداد لمواجهة التهديدات.
ولم يناقش البيت الأبيض التحليل الذي أعده ستجليتز وبلمز ولكنه هاجم فكرة أن تؤدي زيادة تكاليف الحرب إلى الانسحاب. حيث قال دانا بيرينو المتحدث الرسمي للبيت الأبيض: يجب أن نسأل أنفسنا, ما هي التكلفة لو لم نفعل شيئا, أو نتراجع عندما لا نكون مستعدين للتراجع ولم نتأكد من أن العراق قد أصبح غير مناسب لتواجد تنظيم القاعدة, ولم نتأكد أيضا من أن أفغانستان لن تعود مرة ثانية للسقوط في أيدي حركة طالبان.
إن الأرقام التي تقدمها الحكومة توضح أن تكاليف الحرب تتزايد. حيث قدر قسم البحوث في الكونجرس تكاليف الحرب بمبلغ 526 بليون دولار أميركي والتي تم إنفاقها منذ عام 2003 . وقدر مكتب الميزانية في الكونجرس إجمالي تكلفة الإنفاق على الحرب في العراق وأفغانستان معا سوف تبلغ 1.2 إلى 1.7 تريليون دولار أميركي بحلول عام 2017 .
ومن وجهة النظر التاريخية , فإن الحرب على العراق تعد من أغلى الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها.حيث أن التكلفة النهائية للحرب على العراق حتى الآن أكثر من ضعف تكلفة الحرب على كوريا, وأزيد من حرب فيتنام ثلاث مرات والتي استمرت لمدة 12 عام. ويذكر كل من ستجليز و بلمز أنها سوف تزيد على تكلفة حرب الخليج عام 1991 عشر مرات على الأقل, وضعف الحرب العالمية الأولى مرتين.
إن الحرب العالمية الثانية هي الوحيدة التي كانت أكثر تكلفة, حيث أنها استمرت لمدة أربع سنوات نشرت خلالها الولايات المتحدة قواتها على جبهتين لمحاربة كل من المانيا واليابان, وقد بلغت تكلفة تلك الحرب 5 تريليون دولار أميركي. إن الأرقام الأخيرة هي صرخة مسؤولة عن تقدير التكاليف التي أعدها مؤيدو الحرب والتي تتزايد منذ الغزو في مارس عام 2003.
وفي شهر سبتمبر عام 2002 , ذكر المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض, لاري لندسي لصحيفة وول ستريت بأن تكلفة الحرب على العراق سوف تبلغ 100 إلى 200 بليون دولار أميركي. ولقد تعرض في حينها للنقد من قبل الآخرين العاملين في الإدارة الأميركية. حيث قال ميتش دانيالز, مدير الميزانية في البيت الأبيض, بأن هذه التقديرات عالية جدا جدا. كما أن دونالد رامسفيلد قال بأن التكلفة التي ذكرها لاري لندسي غير صحيحة وهراء.
وفي شهر يناير عام 2003, قدم البيت الأبيض والبنتاجون رقما معقولا لتكلفة الحرب حيث كان من 50 إلى 60 بليون دولار أميركي. وقد تفاخر نائب رامسفيلد آنذاك, بول وولفويتز, قائلا بأن العراق سوف يدفع لإعادة بنائه من عائدات النفط المتزايدة. ويقول الاقتصاديون بأن مشكلة التقديرات الأولية أنها ركزت على تكاليف الغزو فقط ثم عودة القوات إلى أرض الوطن، ولم يقدر أحد تكاليف الاحتلال طويل الأجل.
وقد قال ستيفن ديفيز, أستاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو والذي شارك في تأليف بحث عام 2003 مقارنا غزو العراق بتكلفة احتواء الرئيس العراقي السابق الدكتاتور صدام حسين: لقد أصبح من الواضح مؤخرا أن السبب الذي جعل تكلفة الحرب مرتفعة هو بقاء ما يزيد على 100 ألف أو ربما يقرب من 200 ألف من القوات في مسرح العمليات لمدة خمس سنوات حتى الآن.
كما أضاف ديفيز الذي يعمل الآن كمستشار لمرشح الرئاسة الجمهوري جون ماكين في القضايا الاقتصادية: لقد كانت هناك معارضة قوية في الإدارة الأميركية للتفكير في الآثار بعيدة المدى لتكلفة اتخاذ قرار الحرب على العراق.
كما أضاف: ليست الإدارة وحدها هي التي فعلت ذلك, فالكونجرس الأميركي لم يقم بدوره كما ينبغي, ولا أعتقد بأن غالبية وسائل الإعلام قد قامت بدورها كذلك. إن الفترة خلال عام 2002 وبداية عام 2003, لم تكن مثالا جيدا على تطبيق الديمقراطية الأميركية في الواقع. هناك الكثير من اللوم الذي يجب أن يوجه إلى الكثيرين.
ويرى ستجليتز الذي يعارض الحرب على العراق, بأن هناك كثير من الجهود تبذل لإخفاء التكلفة الحقيقة للحرب على العراق عن الشعب الأميركي. وعلى العكس مما كان يحدث مع الحروب السابقة من فرض ضرائب إضافية من أجل الحرب, فإن الرئيس بوش والكونجرس الجمهوري يخفضان الضرائب. وقد أدى هذا إلى جعل الشعب يعتقد بأنهم لن يتكلفوا أية تضحيات.
لقد أرادوا إخفاء تكاليف الحرب عن الشعب الأميركي. لقد أدركوا أن هذه الحرب هي اختيار. وأنهم إذا ذكروا للشعب الأميركي أنهم سوف يخوضون حربا تكلفتها تصل إلى 8 تريليون أو 2 تريليون, فإن الشعب سوف يرفض خوض مثل هذه الحرب. إن تكلفة رعاية المصابين من هذه الحرب وحدها قد تكون مذهلة. لقد تم نشر ما يزيد على 1.6 مليون جندي الآن في العراق وأفغانستان , وقد قتل منهم حوالي 4000 جندي, وأصيب حوالي 30 ألف، ففي شهر ديسمبر الماضي تم تخصيص إعانات لحوالي 224 ألف مصاب , و تلقى حوالي 260 ألف علاجا طبيا.
إن العلاج الذي يقدم في ارض المعركة والدروع الواقية لأجسام المجندين ربما ساعدت المحاربين في العراق على النجاة من الهجمات التي قتلت الجنود في الحروب الماضية. ولكنهم عادوا من الحرب وبهم إصابات متعددة خطيرة. حيث قال جو فايولانت, المدير القانوني لهيئة المحاربين الأميركيين المعاقين, والذي يمثل 1.2 مليون محارب مصاب: إن هذا يعني تقديم رعاية طبية أكثر تكلفة وطويلة المدى. فلدينا أفراد لديهم إصابات خطيرة في المخ يحتاجون إلى كثير من المساعدة طوال بقية حياتهم. وسواء كانت تلك المساعدات تقدم للمصابين المقيمين داخل المستشفيات أو الذين يترددون عليها من وقت لآخر, فإن هذه تمثل تكلفة عالية جدا عليهم طوال حياتهم.
وقد أحدثت هذه الحرب أثرها أيضا على القوة العسكرية. حيث أن حوالي 40 بالمائة من الجيش والبحرية الأميركية, والمعدات العسكرية توجد الآن في العراق, مما يهدد الأمن بشكل مضاعف. ويقول المحللون في وزارة الدفاع الأميركية, إن استعادة القوات المسلحة سوف يأخذ فترة قد تصل إلى 20 عاما. وقد قال الحاكم, آرنولد شوارزينجر, في واشنطن الشهر الماضي, بأن حوالي نصف المعدات العسكرية الخاصة بولاية كاليفورنيا توجد في العراق أو أفغانستان. ولم يذكر البنتاجون متى ستعود تلك المعدات أو يتم استبدالها. وهذا لا يعد أمرا جيدا للولاية.
وقد حذر رجال الاقتصاد من تزايد الدين الواجب سدادة للحرب, حيث أن 40 بالمائة منه يعتمد على الفوائد الخارجية. كما حذر روبرت هورماتس, نائب رئيس مؤسسة جولدمان, الكونجرس الأميركي الشهر الماضي من الاستمرار في ترحيل تكاليف الحرب إلى الأجيال المستقبلية. حيث أنه كما اتضح في تقرير لجنة مجلس الشيوخ فإن تكاليف الخدمة في الحرب في العراق سوف تزيد من إنفاق اتحاد الولايات على التعليم والبحث الصحي في العام القادم.
كما أضاف هورماتس قائلا : هل التكاليف المستمرة للحرب على العراق تستحق تخصيص الموارد التي من الممكن أن تستخدم في مجالات أخرى لهذه الحرب؟
خدمة نيويورك تايمز الإخبارية
التعليقات