بقلم بوب هربرت: كان باراك أوباما يتحدّث على الهاتف بالموضوع الوحيد الذي لم يرغب في التركيز عليه في حملته: العِرق. وكان قد ألقى لتوّه خطاباً عن العِرق في فيلادلفيا، وراح يتوسّع بعض الشيء في الحاجة إلى تخطّي التأرجح اللامتناهي حول هذا الموضوع المزعج والمخيّب. وقال إنه أمِل في خطابه أن يصف بدقّة quot;هوّة عدم التفاهمquot; التي ما برحت تغذّي الانقسام العرقي، وأن يطرح سبيلاً quot;للخروج من هذا الوضع.quot;
أما الخطاب الذي نال تعليقات إيجابية ممتازة فيجب أن يصبح موضوع قراءة إلزامية في صفوف المدارس في أرجاء البلاد ndash; وفي أكبر عدد ممكن من الأماكن الأخرى أيضاً. يتمتع السيناتور أوباما بنظرة للعالم تشمل العدالة والشفاء على حدّ سواء، لذا، يعتبر الأجدر بالكلام عن هذه المواضيع أكثر من أيّ قائد أميركي منذ لوثر كينغ.
للأسف، من المرجّح أكثر أن يضيع جوهر هذا الخطاب في الجلبة التي تبرز دائماً عند ظهور جدل عِرقي في الولايات المتّحدة. وتتمحور الرسالة الأساسية التي يحاول السيناتور أوباما إيصالها حول ضرورة وقف الجنون العرقي الذي شوّه الكثير من الانتخابات، وعلى الفور. مراراً وتكراراً، تمّ استغلال هذا الجنون لتقويض الجهود المبذولة لخلق ما يصفه السيناتور بـquot;أميركا الأكثر عدالةً ومساواةً وحرّيةً وتعاطفاً وازدهاراً.quot;
لقد أدّى التحامل العرقي، أو الجهل، أو العدائية ndash; سمّها ما شئت ndash; إلى دفع الملايين من الأميركيين إلى التصويت بشكل يتضارب مع مصالحهم الاقتصادية الخاصّة، وبما يتناسب مع سياسات دمّرت البلاد. وقال لي السيد أوباما: quot;من الصعب معالجة المواضيع المهمّة إن كانت العدائية العرقية تلهينا بسرعة.quot; وسيفوق عدد الناس الذين سيرون الحلقة المفرغة التي يتّسم بها طابع الراعي المجنون للسيناتور أوباما من أولئك الذين سيقرؤون أو يسمعون الكلمات المتزنة والعميقة والبنّاءة التي سيقولها.
لا شكّ في أنّ خطاب فيلادلفيا كان سياسياً وهدفه الحدّ من الضرر الذي ألحقته عظّات الكاهن جيريمايا رايت على حملة أوباما. بيد أن موضوع الخطاب كان شرعياً وقوياً على حدّ سواء، من شأنه أن يترك صدى في أذهان الأميركيين المتعقّلين، بغضّ النظر عن دعمهم لأوباما رئيساً للجمهورية أم لا.
وقال السيناتور في خطابه: quot;لنا أن تختار في هذا البلد. يمكننا القبول بسياسات تولّد الانقسام والنزاع والسخرية، أو يمكن أن يتحرك الأميركيون في اتجاه آخر. ففي هذه اللحظة، وفي هذه الانتخابات يمكننا ان نتوحد لنقول: quot;لا، لن نقبل بذلك هذه المرّquot;ة. هذه المرّة نريد الكلام عن المدارس المنهارة التي تسرق مستقبل الأولاد السود، والأولاد البيض، والأولاد الآسيويين، والأولاد الإسبانيين، والأولاد الأميركيين الأصليين...
quot;هذه المرّة، نريد الكلام عن غرف الطوارئ المكتظّة بالبيض والسود والإسبانيين الذين لا يستفيدون من خدمات الرعاية الصحّية... هذه المرّة نريد الكلام عن المعامل المقفلة التي كانت في ما مضى تؤمّن حياةً كريمةً للرجال والنساء من مختلف الأعراق، وعن المنازل المعروضة للبيع التي كان يملكها في السابق أميركيون من الأعراق كافّة، والأديان كافّة، ومشارب الحياة كافّة.quot;
وأضاف أوباما أن التحديات الكبيرة التي لا تزال تواجهها هذه البلاد ndash; على غرار الحرب في العراق وأفغانستان، وتهديد الإرهاب، والاقتصاد المتهاوي، وتغيّر المناخ، وغيرها ndash; لا يمكن حلّها في بيئة يدفعها الانقسام والعدائية. عند سماع خطاب السيناتور أوباما، لم يكن الدكتور كينغ أوّل مَن خطر على بالي بل بوبي كينيدي واقفاً على ظهر شاحنة في إنديانابوليس في ليلة عاصفة وباردة من ليالي نيسان (أبريل) عام 1986. كان على كينيدي أن يخبر حشداً تجمّع ليسمعه بأن كينغ قد قُتل.
تصاعدت علامات الرعب والحزن في أجواء الليل البارد، فأكثرية الحشد كان من العرق الأسود. وقال كينيدي آنذاك: quot;إنه لزمن عصيب تمرّ فيه الولايات المتحدة. ولعلّه من المنطقي أن نسأل عن نوع البلاد التي نعيش فيها وعن الاتّجاه الذي نريد التحرّك نحوه. للسود بينكم... ربّما تتملكّكم المرارة والكره والرغبة في الانتقام. يمكننا التحرّك بهذا الاتجاه كدولة، بقطبية كبيرة ndash; السود بين السود والبيض بين البيض، والكره تجاه الآخر يتملكّهم.
quot;أو يمكننا بذل جهد، كما فعل مارتن لوثر كينغ، لكي نفهم ونستوعب، ولكي نستبدل ذاك العنف وسفك الدماء الذي انتشر في أراضينا بجهد لنفهم بمحبّة وعطف.quot; يمكن أن تفتخر البلاد بالمسافة التي قطعتها منذ العام 1986. بيد أن الملايين ما زالوا ينظرون بخوف أو غضب عبر هوّة عدم التفاهم. لنضع السياسة جانباً: يشكّل خطاب السيناتور أوباما موقعاً ممتازاً نبدأ منه بالعمل الصعب الذي يقتضيه ردم هذه الهوّة.
التعليقات