البحث جارٍ عن جمهورية
العماد سليمان ما زال مرشحًا توافقيًا

بلال خبيز من بيروت:
الأسباب التي تدعو إلى الإعتقاد أن قنبلة العماد سليمان السياسية، مثلما وصفت بعض وسائل الإعلام تصريحاته الأخيرة، هي رجع صدى لانفجار حصل سابقًا كثيرة وربما يجب أن نوجز بعضها في هذه العجالة.
الانفجار حصل حين أجرى الجيش تحقيقًا سريعًا في احداث مار مخايل التي سقط بنتيجتها سبعة قتلى من اللبنانيين وعدد من الجرحى. الجيش اللبناني في هذا التحقيق حدد المسؤوليات وحاكم ضباطه وجنوده بتهمة اطلاق النار من غير مبرر جدي. لكن معظم المدنيين الذين اشار التحقيق إلى تورطهم لم يستسلموا للقضاء بعد. بيد ان التحقيق لا يختصر المشكلة، إذ بعد هذه الحادثة اصبح الجيش اللبناني اكثر حذرًا في استخدام اسلحته في مواجهة المشاغبين والمتعدين على الاملاك العامة. لكن اطلاق النار في الهواء من قبل مناصري الفريقين المتخاصمين زاد عن حده كثيرًا منذ ذلك الحين، واصبح اللبنانيون جميعًا مخولين لإطلاق الرصاص في الهواء وعلى الأرض من دون خضوع للمساءلة والمحاسبة عن الضحايا التي تسقط، وكان آخرها الفتى احمد علي الساحلي الذي سقط شهيد رصاص الابتهاج بإلقاء رئيس الوزراء كلمته قبيل انعقاد قمة دمشق. وحده الجيش اللبناني اليوم هو من يضبط سلاحه فلا يطلق النار ابتهاجًا ولا غمًا. وحده السلاح الشرعي هو المكفوف عن كل استعمال.

العماد سليمان شدد وأكد في حديثه الصحافي على مؤازرة المقاومة في اي اعتداء اسرائيلي على لبنان. وهذا كان دأبه منذ ان تسلم قيادة الجيش. لكننا نعرف ان حزب الله يستعد تدشيمًا وتحصينًا وتسليحًا، وان اسرائيل تستعد لمناورات وتدريبات وتسليح فائق الحد، وان سوريا تستعد وتنشر منصات تنصت ايرانية. وحده الجيش اللبناني ممنوع من الاستعداد، لا تسليحًا ولا تدشيمًا ولا تدريبًا. ليس لأن قيادة الجيش لا تريد هذا كله، بل لأن القوى السياسية المتصارعة في لبنان وعليه، لا تقيم لانتصار الجيش او هزيمته وزناً فعلياً. فلو انتصر اللبنانيون على اسرائيل في اي حرب قادمة، لكان المنتصر الرئيس الأسد وبعده حزب الله، ولو هزم لبنان في تلك الحرب لكان المهزوم لبنان بأسره. الجيش في هذا المعنى محكوم بالقتال لكنه محكوم بألا يدعى إلى الاحتفال بالنصر.

العماد سليمان قال انه سئم من هذا التجاذب حول اسمه، في انتظار توافق لبناني اصبح مستبعدًا والتوافق الخارجي اصبح مستحيلاً. التوافق المطلوب الذي يتحدث عنه العماد سليمان ليس إلا التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، لا يعرف عنه انه معاد لسوريا ولا للمملكة العربية السعودية او اميركا. وحدها اسرائيل من يعلن العماد ليلاً نهارًا انها عدوة لبنان واللبنانيين. والرجل الذي لا يعادي غير اسرئيل يُمنع من ان يصل إلى سدة الرئاسة، في انتظار التوافق. فهنيئًا لإسرائيل، ثمة في لبنان وفي العالم من يمنع وصول من لا عدو له غيرها إلى سدة الرئاسة في لبنان.

العماد سليمان، قال ايضًا إن ضميره مرتاح، لأنه يترك منصبه والجيش ما زال جيش لبنان كله من دون تمييز بين منطقة واخرى وطائفة واخرى. ليس الجيش ولا قيادته من يميز في واقع الأمر بين اللبنانيين. بل ان القوى السياسية اصبحت تستهجن بقاء الجيش موحدًا في مؤسسة جامعة في ظل هذا الانقسام الحاد. الجيش اللبناني نصير من بقي لبنانيًا حتى اليوم. لكنه لن يستعيد دوره في دفع البلد دفعًا نحو بر الأمان إلا في حالة واحدة: ان ينفك اللبنانيون عن زعاماتهم السياسية ويدينون ارتباطاتهم الخارجية. وفي هذه الحال فقط، يصبح الجيش حاميًا للوطن والمواطنين. لكن لسان حال قائد الجيش يقول: إذا كان اللبنانيون لا يريدون من يحميهم، وهم يوغلون في انقساماتهم التي لا عودة عنها، فكيف يحمي الجيش من لا يريد الحماية اصلاً؟
كان محزنًا لعموم اللبنانيين ان يعلن قائد الجيش ما اعلنه. ففي مثل هذا الإعلان ما يوضح ان قنوات التسوية اصبحت كلها مسدودة. وهو ما يستشعره اللبنانيون من التصريحات والتصريحات المضادة. وحين يعلن قائد الجيش اعلانه هذا فإنه يوضح امرًا واحدًا واخيرًا: القوى السياسية توافقت على اسم العماد سليمان رئيسًا للجمهورية. لكن البحث جار عن الجمهورية التي سيرأسها الرئيس.