موسكو: كشف الرئيس السوري بشار الأسد أوراق لعبه في الشرق الأوسط حيث قال في مقابلة أجرتها معه صحيفة quot;ا لوطن quot; القطرية أن الدور الأساسي في التسوية الشرق أوسطية يعود للولايات المتحدة . وأضاف أن هذا كان في زمن الاتحاد السوفيتي أيضا . فقد لعبت الولايات المتحدة دورا حاسما في العملية السلمية في الشرق الأوسط بعلاقاتها المتميزة مع إسرائيل .
وشكك الرئيس الأسد في إمكانية عقد مؤتمر خاص بالشرق الأوسط في موسكو نظرا لعدم تحديد موعد وأبعاد ومضمون المؤتمر. وبما أن صحيفة quot;تشرينquot; السورية قد أعادت نشر نص المقابلة الصحفية فيعني ذلك أن تصريحات الرئيس الأسد هذه تمثل الموقف الرسمي لدمشق تجاه مؤتمر موسكو للسلام.
ولأول مرة في تاريخ العلاقات السورية الروسية تحدث الأسد بصراحة عن موقفه تجاه روسيا كأحد أعضاء اللجنة الرباعية للتسوية في الشرق الأوسط الى جانب الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومما لا شك فيه أن الأسد لم يأت بأي شيء جديد بقدر إعلانه عن موقف سورية تجاه التسوية في الشرق الأوسط. لقد تبنى الرئيس السوري هذه الإستراتيجية منذ فترة طويلة، ولكنه لم يتحدث عنها بشكل علني إلا الآن. وبكلمات أخرى نرى أن الأسد أصبح يراهن على الولايات المتحدة في قضية التسوية السورية - الإسرائيلية. وهو محق في رأيه القائل إن روسيا ليست العازف الأول في جوقة الرباعي كما يقر بذلك الدبلوماسيون الروس. ولا يعني ذلك أنه يمكن تجاهل دور روسيا في التسوية الشرق أوسطية.
تجدر الإشارة إلى أن سورية فقدت بانهيار الاتحاد السوفيتي حليفها الرئيسي في الصراع مع إسرائيل. واعتبرت قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي في سورية مسألة استئناف العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وتل أبيب في عام 1991 خيانة لمصالح الشعوب العربية، ومؤامرة للصهيونية العالمية في الاتحاد السوفيتي. لقد فكر البعض في سورية بهذه الطريقة قبل 17 عاما، ومازالوا يفكرون بنفس هذه العقلية الى حد الآن. وفي نفس الوقت كانت النخبة البراجماتية السورية تعول على إمكانية تأثير روسيا على إسرائيل وبالتالي تقريب السلام السوري الإسرائيلي. ولم تتحقق آمال تلك النخبة، للأسف الشديد، في حين أقدم الرئيس الأسد على الإفصاح عن رأيه في روسيا. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا: ما الذي تعول عليه دمشق؟ هل تعتقد دمشق أن واشنطن ستستقبلها بالأحضان؟ لا بد من القول إن احتمال مثل هذا اللقاء الحميم ممكن التحقيق، ولكن ليس الآن بل بعد مرور فترة ما. وذلك يتطلب من الرئيس الأسد أيضا التخلي عن بعض مبادئه السياسية أو تغييرها. وقد تطالب الولايات المتحدة سورية بتقديم بعض التنازلات السياسية والاقتصادية، مثلا:
1ـ التخلي عن برنامج سورية النووي كما فعل القذافي في ليبيا. علما أن سورية تنفي وجود مثل هذا البرنامج لديها الى حد الآن.
2ـ الكف عن التدخل في الشؤون اللبنانية، وخاصة دعم حزب الله في السر والعلن.
3ـ وضع رقابة شديدة على الحدود مع العراق لمنع تسلل الإرهابيين والمتطرفين الأجانب.
4ـ تبني نهج الانفتاح الاقتصادي كما فعل السادات في سبعينات القرن العشرين.
5ـ إجراء إصلاحيات ليبرالية، ووقف احتكار حزب البعث للسلطة في سورية.
وربما ستظهر شروط أخرى جديدة لقبول سورية في صف حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
ومن جهة أخرى يكلف السلام ثمنا باهظا، وشهد التاريخ مثالا وحيدا للسلام بين العرب والإسرائيليين وهو كامب ديفيد. لقد أمكن التوصل إلى سلام بين مصر وإسرائيل قبل 30 عاما برعاية الولايات المتحدة وعلى وبأموالها. لقد تعهدت الولايات المتحدة آنذاك بتقديم مساعدات عسكرية سنوية بقيمة3.5 مليار دولار لإسرائيل,1.5 مليار دولار لمصر. وقد رفعت الولايات المتحدة قيمة المساعدات العسكرية لمصر بعد فترة إلى 2.2 مليار دولار، وربما ازداد هذا المبلغ الآن. وباختصار تنفق الولايات المتحدة في هذا المجال 5ر5 مليار دولار. ولا أعتقد أن مثل هذا السيناريو سيطبق مع سورية.
ولو نظرنا إلى المشكلة من جانب إسرائيل فيجب أن نتذكر أن quot;حمائم السياسة الإسرائيليةquot; وعلى رأسهم اسحق رابين وشيمون بيريس، وافقوا قبل 12 عاما على إعادة الجولان لسورية. وقد طالبت إسرائيل آنذاك بتعويض قدره 17 مليار دولار لتمويل عملية ترحيل المستوطنين الإسرائيليين من الجولان الى العمق الإسرائيلي وتوفير المساكن لهم. أما الآن فلن تكتفي إسرائيل بهذا المبلغ لأن المهم في هذه القضية ليس الأرض بل الماء، وخاصة مياه بحيرة طبريا. ومما لا شك فيه أن مشكلة المياه بالنسبة لإسرائيل أكثر حساسية مما هي عليه بالنسبة لسورية. ويصعب التكهن بحجم التعويض الذي ستطلبه إسرائيل من الولايات المتحدة لقاء انسحابها من الجولان. ومن المؤكد أن إسرائيل في حال موافقتها على إعادة الجولان لسورية، ستطالب دمشق وواشنطن بضمان أمن الحدود الشمالية (الهدوء في جنوب لبنان). وهيهات أن تقدم سورية مثل هذه الضمانات التي يجب مطالبة طهران بها لأن إيران تمول حركة حزب الله بنشاط.
في عام 1978 أدان الاتحاد السوفيتي وسورية اتفاقية كامب ديفيد، وقطعت معظم الدول العربية علاقاتها مع مصر، وحولت مقر الجامعة العربية من القاهرة الى تونس. وتأسست في دمشق برعاية الرئيس حافظ الأسد quot;جبهة الصمود والتصديquot; التي ضمت إلى جانب سورية الجزائر والعراق وليبيا واليمن الجنوبي آنذاك ومنظمة التحرير الفلسطينية. وردا على اتفاقية كامب ديفيد عقد الاتحاد السوفيتي مع سورية معاهدة للصداقة والتعاون تنص على توريد أسلحة سوفيتية للقوات المسلحة السورية. واستمر تدفق الأسلحة والتقنيات العسكرية السوفيتية على الجيش السوري حتى عام 1991. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي انهارت الآمال التي عقدتها دمشق على موسكو بزوال حالة المواجهة بين القوتين العظميين.
وخلافا لوالده حافظ الأسد الذي حول سورية الى quot;قلعة للصمود والتصديquot; يراهن الأسد الابن على واشنطن متمنيا أن تجلب له الولايات المتحدة السلام مع إسرائيل.. ولكن بأي ثمن؟
التعليقات