أعضاء كاديما يحددون اليوم وجهة إسرائيل وملامح سياستها الحزبية
ليفني تتطلع إلى مستقبل إسرائيل وموفاز يبحث عن المسؤولية القومية

نضال وتد من تل أبيب:انطلقت منذ ساعات الصباح ، الانتخابات التمهيدية لانتخاب خليفة لأولمرت، الغارق في ملفت الفساد، باتظار لائحة اتهام قد تقوده إلى الشجن. ومن المقرر أن تحسم مجموعة صغيرة نسبيا من الإسرائيليين ( أعضاء حزب كاديما )، 74.680 ناخب فقط، في حال بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 100%، وقد لا يزيد عددهم عن 50 ألف، إذا كانت النسبة 70% من أصحاب حق الاقتراع، ليست فقط من سيكون زعيم حزب كاديما، هل هو موفاز الذي يعول على رصيده العسكري والأمنيين، رغم وجود خلافات في الرأي في تقدير الفائدة الحقيقية التي خلفها هذا الرصيد لإسرائيل، أم تسيبي ليفني، التي تعول على بناء سياسة إسرائيلية داخلية نظيفة ونزيهة، وإنما ستحسم هذه الانتخابات تبعا لنتائجها، كثيرا من القضايا والملفات الساخنة في إسرائيل. فاختيار ليفني، على سبيل المثال ( وهي تتمتع بتفوق في كافة الاستطلاعات ) سيعني إلى حد كبير بقاء إسرائيل البيضاء في كرسي الحكم، وسد الطريق مرة أخرى أمام الطوائف الشرقية في الوصول إلى رئاسة الحكومة، حتى لو جاء ممثلها من أعلى المناصب العسكرية والأمنية للدولة العبرية، وهذا يعني أيضا إطلاق العنان من جديد لما اصطلح في إسرائيل على تسميته بالمارد الطائفي.

إلى ذلك فإن انتصار ليفني في الانتخابات اليوم، يعني أيضا القضاء على ظاهرة سلبية أخرى ترسخت في الأحزاب والسياسة الحزبية الإسرائيلية، ونخرت في مصداقية السياسة الإسرائيلية، وهي ظاهرة quot;متعهدي الأصواتquot; وظاهرة تجنيد لجان العمال والمستخدمين، ومجموعات مختلفة، في حزب معين لصالح مرشح دون غيره، يتمكن من استماله متعهدي الأصوات الذين تمكنوا في العقدين الأخيرين، من تحديد قوائم مرشحي الأحزاب للكنيست، ولكن وبالأساس من تحديد هوية رؤساء الأحزاب، ففي حزب العمل تمكن بيرتس من التغلب على بيرس بفضل تصويت أعضاء النقابات ولجان العمال له، وباستغلال الجهاز التنظيمي للنقابات في يوم الانتخابات، وهو ما يتوقع أن يقوم به موفاز اليوم، خصوصا وأنه يتمتع بتأييد عدد كبير من أعضاء كاديما تم إلحاقهم بالحزب من خلال لجان العمال التابعة لهم وخصوصا في المؤسسات الكبيرة التابعة للوزارة التي يشغلها موفاز (وزارة النقل). فإذا انتصرت لفني في الانتخابات فسوق يضع ذلك حدا لـجارة الأصوات والصفقات الحزبية، خصوصا وأن كثيرا من المنتسبين المصوتين في الانتخابات الداخلية، قد يكونوا من مصوتي أحزاب أخرى في الكنيست.

وإذا انتصرت ليفني فإن ذلك يعني مد إسرائيل، ولو مؤقتا، بزعيم جديد على غرار شمعون بيرس، قادر على المراوغة في الحلبة الدولية والدبلوماسية وإيهام الجميع بحركة نشطة ومثابرة في quot;مسار التسوية التاريخيةquot; مع الفلسطينيين، مما يعني تعزيز صورة إسرائيل ومكانتها الإقليمية والدولية، دون أن تقدم في واقع الحال أي شيء جديد، أو تنازل حقيقي، فالخطوط العريضة التي كشفتها ليفني في المقابلات الصحافية الأخيرة، لا تتجاوب ولو حتى مع مطلب فلسطيني واحد في مجال قضايا الحل الدائم. لكن ليفني تمكنت من بناء صورة مشرقة لها، تظهر من خلالها بأنها مناصرة ومؤيدة للتسوية مع الفلسطينيين أكثر من أي زعيم إسرائيلي آخر وبضمن ذلك إيهود باراك.

وسيكون لانتصار ليفني أثر كبير على رسم الخريطة الحزبية الداخلية، إذ تشير كافة الاستطلاعات، إلى أنه في حال كانت ليفني على رأس حزب كاديما، في الانتخابات القادمة، فإنها عمليا ستشكل مصدر الخطر الأول والرئيسي والأساسي على حزب العمل، الذي سيتراجع في ظل وجود ليفني في رئاسة كاديما، بشكل كبير إلى درجة خسارة موقعه الحالي من حيث كونه ثالث أكبر وأهم الأحزاب الإسرائيلية. وهذا ما يفسر موقف باراك الرافض حاليا للمضي لاتجاه انتخابات عامة، في ظل ضعف فرص حزبه بتحقيق إنجازات كبيرة في الانتخابات.

في المقابل فإن فوز موفاز في الانتخابات لرئاسة كاديما، سيرسخ خيبة أمل الإسرائيليين في فرص خلاص السياسة الحزبية الإسرائيلية وقيادة الدولة من مظاهر السياسة الشعبوية (فقد اعتاد السياسيون في اليمين السنوات الأخيرة، باستثناء ليفني، مثلا بارتياد الاحتفالات الطائفية بالأعياد اليهودية مثل احتفالات الميمونة لدى الطوائف الشرقية، وتناول المأكولات التراثية في محاولة للتقرب من هذه الطوائف وضمان تصويت أفرادها، أو زيارات كبار الحاخاميين مثل عوفاديا يوسيف وأخذ مباركتهم لهم في الترشيح علما بأن هؤلاء يصوتون ويقودون أحزاب دينية منافسة)، ومن مظاهر التصويت القبلي ومظاهر مقاولي الأصوات وإعطائهم أهمية في الأحزاب، وحتى مظاهر تقرب السياسيين من أصحاب المال لضمان التمويل الانتخابي.

كما أن فوز موفاز سيعني أيضا في أول ردود فعلية عالمية انتصار للخط المتشدد الذي أخذ موفاز مؤخرا في إبرازه، وخصوصا في سياق إعلانه في نهاية الأسبوع في المقابلات الصحافية عن ضرورة استئناف سياسة الاغتيالات ضد قادة حماس، وتصريحاته النارية ضد غيران، التي اعتبر الإسرائيليون أنها أضرت كثيرا بإنجازات الدبلوماسية الإسرائيلية في الملف الإيراني.

وفوق هذا كله فقد يعتبر انتصار موفاز، نكسة أخرى للنخب الإسرائيلية البيضاء (الإشكنازية) وقيادة إسرائيل نحو المجهول أو على الأقل نحو مغامرات غير مأمونة النتائج، وبالتالي سيعزز من حالات الشك وعدم اليقين في مضمار الايستقرار الاقتصادي والإنتاج لا سيما في ظل الأزمة العالمية التي قد تتفاقم بعد انهيار مصرف هيلمان بروذرز الأميركي.

والأنكى من كل ذلك أن انتصار موفاز سيشق الطريق عمليا ومن جديد أمام فوز ساحق لحزب الليكود بقيادة نتنياهو إلى سدة الحكم، وإلى عودة السياسات الاقتصادية الاجتماعية التي يرفعها نتنياهو والتي ترى بضرورة انسحاب الدولة والقطاع العام، قدر المستطاع، من الحراك الاقتصادي في الدولة، وتقليص دور الدولة في دعم الشرائح الاجتماعية الفقيرة والضعيفة، وازدياد الفجورة بل الهوة بين أغنياء إسرائيل وفقرائها واستمرار انهيار الطبقة الوسطى وتآكلها.

على أية حال فإن نتائج انتخابات كاديما التي ستعلن اليوم، ستكون بامتياز صاحبة القول الفصل في وجهة إسرائيل السياسية القادمة، هل سيقودها نتنياهو (في حال تغلب موفاز بفضل التنظيم الحزبي ولجان العمال والمستخدمين)، أم ستحظى بولادة غولدا مئير جديدة، تصر على مواقف الرفض الإسرائيلي، وعلى عدم تقديم أي تنازل جوهري للفلسطينيين دون المجازفة بتحميل إسرائيل مسؤولية تعثر المفاوضات أو عدم التوصل إلى اتفاق للحل الدائم مع الفلسطينيين وسلام مع سوريا وربما تحول مفصلي في العلاقات مع باقي الدول العربية.