أنقرة: تواجه تركيا وضعا يقتضي تحقيق موازنة دقيقة بين شركائها القدامى والجدد بعد أن تواصلت مع دول تتجاوز حلفاءها الغربيين التقليديين ودعمت وضعها كقوة إقليمية.
في الاعوام الاخيرة أقامت تركيا - عضو حلف شمال الاطلسي التي تأمل في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي - علاقات دبلوماسية وتجارية مع اسيا الوسطى وايران وروسيا والقوقاز والشرق الاوسط وربما تحصل قريبا على مقعد غير دائم بمجلس الامن الدولي.
وهي لا تملك موارد طبيعية خاصة بها لكنها جعلت من نفسها محورا للطاقة لصادرات النفط والغاز من بحر قزوين واسيا الوسطى التي تمر عبرها الى الاسواق الغربية.
ومنذ انتهاء الحرب الباردة كانت أنقرة تملك زمام رفاهية عدم الاضطرار للمفاضلة بين مصالحها الغربية ومصالحها الاوروبية والاسيوية.
لكنها قد تواجه الان بعض الاختيارات الصعبة بين حلفائها التقليديين وحلفائها الجدد الذين يصعب التكهن بتصرفاتهم.
وقد تجلى هذا من خلال المواجهة بين ايران والغرب بشأن البرنامج النووي لطهران والتوترات بين موسكو والغرب بشأن الحرب القصيرة التي دارت رحاها بين روسيا وجورجيا.
يقول فادي حكورة الباحث بمؤسسة تشاتام هاوس في لندن quot;لا يمكن أن تمثل تركيا كل شيء لكل الناس كل الوقت.quot;
وأضاف quot;انخراط تركيا المتعدد الاطراف سيجبرها على وضع اولويات. اذا كان هناك صراعات بين روسيا والولايات المتحدة فالى أي جانب ستنحاز تركيا؟quot;
وكانت تركيا وهي عضو منذ الخمسينات في حلف الأطلسي تمثل حصنه ضد التوسع السوفيتي ابان حقبة الحرب الباردة.
ومنذ سقوط حائط برلين عام 1989 نوعت من سياستها الخارجية حيث تطلعت شرقا وأقامت علاقات أوثق مع جيران مثل سوريا.
وتسبب هذا في اثارة توتر مع واشنطن التي تتهم دمشق بدعم الارهاب الدولي.
وعزز حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الاسلامية الذي صعد الى الحكم عام 2002 من علاقاته مع الشرق الاوسط اذ أعاد اكتشاف منطقة كانت جزءا لا يتجزأ من بلاده تحت الحكم العثماني للاتراك.
وتتوسط تركيا حاليا في محادثات بين اسرائيل وسوريا. كما استضافت اجتماعا لدول منطقة الكاريبي وقمة للزعماء الافارقة هذا الصيف وهي مناسبات تتصل برغبتها في الفوز بمقعد في مجلس الامن الدولي.
وقال هيو بوب الكاتب المتخصص في الشؤون التركية والمحلل بالمجموعة الدولية لمعالجة الازمات quot;تريد تركيا ترك بصمتها الدبلوماسية وأن تصبح لاعبا اقليميا.quot;
وأضاف quot;انها مسألة هيبة وقد حققت السلام مع جيرانها لكن تركيا سيكون عليها أن تتصرف بحذر على صعيد سياستها الخارجية اذا فازت بمقعد في الامم المتحدة.quot;
كما عرضت تركيا المساعدة في حل النزاع بين ايران والغرب بشأن البرنامج النووي لطهران الذي يقول الغرب انه يهدف الى تطوير أسلحة نووية.
وقام الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد - الذي يقول ان برنامج بلاده النووي مكرس لاغراض سلمية بحتة - بزيارة لاسطنبول الشهر الماضي وهي أول زيارة يقوم بها لدولة من دول حلف الاطلسي.
لكن أنقرة ستواجه خيارا صعبا اذا اضطرت الى التصويت في مجلس الامن الدولي بشأن فرض مزيد من العقوبات على طهران لعدم انصياعها لمطالب الامم المتحدة بشأن برنامجها النووي من عدمه.
ولا تريد أنقرة أن تمتلك ايران أسلحة نووية لكن لها علاقات في مجالي التجارة والطاقة مع طهران قد تتضرر من فرض أي عقوبات جديدة. كما أن كيفية تصويتها على مثل هذه القضايا قد يؤثر ايضا على قدرتها على الوساطة.
وسلط التدخل العسكري الروسي في جورجيا الضوء على مدى صعوبة تحقيق توازن دبلوماسي على تركيا.
فأنقرة الحليف الوثيق للولايات المتحدة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع جورجيا المجاوة تعتمد بشدة على واردات الطاقة الروسية لكنها أثارت حفيظة موسكو عندما سمحت لسفن حلف الاطلسي بالابحار عبر مضيق البوسفور ومنه الى البحر الاسود خلال الصراع.
ويقول ايان ليسير الباحث بمؤسسة جيرمان مارشال فاند البحثية ان ازدواجية تركيا في صراع القوقاز يمكن أن تكون نذيرا بنزاعات اوروبية امريكية قادمة وسط منافسة متزايدة يبن الحلف وروسيا.
وكتب ليسير في بحث مؤخرا quot;مع فتور العلاقات بين واشنطن وبروكسل بدأ بعض واضعي الاستراتيجيات الاتراك بحث امكانية بدائل استراتيجية من التحالفات في اوروبا واسيا وفوق كل ذلك مع روسيا.quot;
وانطلق رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان في عملية دبلوماسية مكوكية في منطقة القوقاز بعد أن أثارت حرب موسكو مع تفليس قلقه.
كما قام الرئيس عبد الله جول بزيارة ارمينيا لحضور مباراة لكرة القدم في محاولة لتخفيف حدة العداء الذي يمتد لقرابة قرن بين الدولتين اللتين لا توجد بينهما علاقات دبلوماسية.
وقال بوب ان من الممكن أن تمثل السياسة الخارجية التركية المستقلة والحازمة بشكل متزايد تحديا للغرب اذا لم يعد قادرا على أن يتوقع من تركيا تقبل أن تملى عليها سياستها الخارجية.
وعلى الرغم من التقدم ببطء تقول تركيا ان الانضمام لعضوية الاتحاد الاوروبي البالغ عدد أعضائه 27 يظل الهدف الرئيسي على صعيد السياسة الخارجية وتعهدت بتطبيق اصلاحات لدعم مسعاها للانضمام.
لكن محللين سياسيين يقولون ان دبلوماسية أنقرة التي تعتمد على النطاق وليس على العمق يمكن أن تبتعد بها عن مسعاها للانضمام لعضوية الاتحاد.
وقال حكورة quot;سيكون من الخطأ بالنسبة لانقرة أن ترى في سياستها الخارجية الناجحة بديلا عن الانضمام للاتحاد الاوروبي.quot;
وأضاف quot;ان وضع تركيا كمرشح لعضوية الاتحاد هو الذي جعلها جذابة لدول كثيرة في المقام الاول لترسيخ العلاقات.quot;
التعليقات