بسبب الاستيطان في الضفة والقدس
بروفيسور إسرائيلي: رؤية الدولتين آخذه في الاضمحلال
خلف خلف من رام الله: أدار رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود اولمرت في سنوات ولايته مفاوضات مارثونية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، كما عقدت أيضًا وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي لفني سلسلة مباحثات موازية مع رئيس الوفد الفلسطيني لمفاوضات الحل الدائم أحمد قريع (أبو علاء). والهدف من ذلك، كان إيجاد تسوية سلمية تضع حدًا للصراع المزمن بين الجانبين. لكن المعطيات المتكشفة حديثًا تبين أن قادة تل أبيب ضللوا الفلسطينيين وكذلك المجتمع الدولي، عندما سلكوا طرقًا خفية وسرية معاكسة ومقوضة لرؤية السلام المطروحة، إلا وهي دولتان لشعبين.
آخر التقارير التي رفع النقاب عنها تكشف بوضوح أن حكومة إسرائيل استثمرت في العامين الأخيرين نحو 50 مليون دولار في البنى التحتية الرامية إلى تهيئة التربة لبناء حي استيطاني في منطقة )أي.1) التي تربط بين مستوطنة معاليه ادوميم وشرقي مدينة القدس. وهذه المنطقة يسميها الإسرائيليون quot;حي مفسيرات أدوميمquot;، وقد جرى العمل عليها بشكل سري بسبب معارضة الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي للبناء الاستيطاني خارج مناطق الخط الأخضر.
صحيفة هآرتس التي كشفت عن الموضوع في عددها الصادر بتاريخ 1/2/2009، توضح أن المخطط هو أن يتم بناء 3500 وحدة استيطانية، بموجبها يستكمل التواصل بين المناطق الإسرائيلية والقدس، بيد أن ذلك سيحول دون إيجاد تواصل حيوي بين المناطق الفلسطينية والقدس، وبالتالي استحالة تحقيق اتفاقات بين إسرائيل والفلسطينيين بشأن الحدود الدائمة. مع العلم أن مسألة القدس تعتبر من أعقد ملفات الحل الدائم، إذ يتمسك الفلسطينيون بالجزء الشرقي منها، لإعلانه عاصمة لدولتهم المستقبلية.
أحمد قريع رئيس الوفد الفلسطيني لمفاوضات الحل الدائم، رأى في الخطة الاستيطانية الإسرائيلية الجديدة نهاية لكل جهود السلام، بل أنه اعتبرها quot;بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة وعن قرب على رأس العملية السلمية، ونعي مبكر لكل تلك الجهود والمساعي الدبلوماسية المبذولة من اجل إعادة إحيائهاquot;.
يأتي ذلك بالتوازي مع نشر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي تقديرًا استراتيجيًا أعده البروفيسور زاخي شلوم، يؤكد أن رؤية دولتين لشعبين آخذة في الاضمحلال، بفعل الاستيطان. وذلك يتضح من لغة الأرقام التي تدلل أنه بفعل الاستيطان اليهودي يتشكل واقعا جديدا في الضفة الغربية، ويتم التعبير عن هذا الواقع في الأساس بزيادة مذهلة جدا لعدد اليهود المستوطنين (في الضفة).
فعلى حسب معطيات المكتب المركزي للإحصاء، سكن المستوطنات اليهودية في الضفة في نهاية سنة 2006- 261600 يهودي، وبلغ عددهم في نهاية 2007 - 275200. كما تبين معطيات معهد القدس لأبحاث إسرائيل أنه يسكن القدس خارج الخط الأخضر اليوم 184300 يهودي. نسبة الزيادة السنوية للسكان الإسرائيليين في مستوطنات الضفة الغربية في السنين الأخيرة (بين 2001 إلى 2005) 5.5 في المائة.
ويقول التقدير الاستراتيجي الإسرائيلي: quot;وهذه نسبة عالية جدا تنبع من نسب ولادة عالية ومن استمرار هجرة السكان الإسرائيليين من داخل مجال سيادة إسرائيل إلى المستوطنات. من اجل المقارنة نقول إن نسبة الزيادة السنوية العامة لسكان إسرائيل في هذه السنين كانت 1.8%quot;.
ويعرج زاخي شلوم، وهو باحث كبير في معهدين إسرائيليين للأبحاث الإستراتيجية، على موقف حكومة بلاده من الاستيطان، مشيرًا إلى أن الحكومة الحالية، وبحسب التصريحات الرسمية الصادرة عن زعمائها، تبين أن إجراء توسيع البناء الاستيطاني في الضفة ينبع من أسباب موضوعية هي:
الحاجة إلى تحصين وتعميق السيطرة اليهودية على كتل الاستيطان الكبيرة (بحسب التفاهمات التي تم الاتفاق عليها مع الإدارة الأميركية) وتلبية احتياجات المستوطنين التي تنبع من زيادة السكان الطبيعية. ويقول الباحث الإسرائيلي أن زعماء الحكومة يعترفون أحيانا، على نحو غير رسمي، بوجود عامل خفي يصوغ سياسة الاستيطان في المناطق إلا وهو الحاجة إلى إرضاء الدوائر اليمينية.
أما بالنسبة لموقف الإدارة الأميركية السابقة، فيرى التقدير الإسرائيلي أنها كانت عالمة بتفاصيل الاستيطان الجاري في الضفة، ولكنها استعملت سياسة غض الطرف، واعتادت على توجيه النقد من آن لآخر لتل أبيب، مشيرة إلى أن الاستيطان يخل بالقانون الدولي، ويعيق العملية السلمية مع الفلسطينيين.
ومن المهم الإشارة إلى أن الكشف عن الخطة الاستيطانية الإسرائيلية الجديدة يتزامن مع تولي الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما سدة الحكم، وإذ لم يتخذ قرارات تجبر تل أبيب على وقف خطتها، فذلك سيؤدي لخلق واقع جديد على الأرض ستستغله إسرائيل في أي مفاوضات مستقبلية مع السلطة الفلسطينية، والتجربة التاريخية تدلل على أن الجماعة الدولية عامة، والإدارة الأميركية خاصة، تميل إلى التسليم لـ quot;الحقائقquot; التي تنشأ على الأرض، حتى عندما يتم الأمر على غير رضاها في البدء، وبخاصة عندما تنجح هذه الحقائق في الثبات زمنًا طويلاً كما هو مع المستوطنات.