الإجراء سيستفيد منه الآلاف وأتى غداة ضغط مزمن
ارتياح في الجزائر بعد إعلان فرنسا نيتها تعويض ضحايا التجارب النووية

كامل الشيرازي من الجزائر: سرى شعور بالارتياح وسط الشارع الجزائري، اليوم، إثر إعلان الحكومة الفرنسية عن تعويض ضحايا تجاربها النووية التي نفذتها بالصحراء الجزائرية في الفترة ما بين عامي 1960 و1966، بعدما استمرت المطالبات الجزائرية لسنوات عديدة، حيث ارتفعت أصوات هنا وهناك لإرغام الدولة الفرنسية على تعويض ضحايا تلك التجارب، وفتح الأرشيف النووي، وإدراك الحقائق كاملة بشأن أماكن دفن النفايات السامة.

ورأت جمعية 13 فبراير 1960 التي تمثل الآلاف من ضحايا التفجيرات، وكذا المؤرخ quot;محمد القورصوquot; وquot;السعيد عبادوquot; الأمين العام لمنظمة المجاهدين، في القرار الفرنسي quot;انتصاراquot; بعد الضغط الكبير الذي شنه آلاف الضحايا وتحديدا سكان منطقة رقان الجنوبية، هذه الأخيرة كانت مسرحا لـ57 تجربة نووية، استخدمت فيها فرنسا 42 ألف جزائري كـquot; فئران تجاربquot;، وأصيبوا بإشعاعات أو تضرروا جرّاء تلك التفجيرات.

وكشف وزير الدفاع الفرنسي quot;هيرفي مورانquot; أنّ بلاده وضعت خطة لتعويض 150 ألف عسكري وعدد ضخم من المدنيين، وستتكفل العملية بمعالجة مخلفات التفجيرات النووية والذرية التي أجرتها فرنسا قبل نصف قرن بالجزائر ومنطقة بولينيزيا الواقعة بالمحيط الهادي. وأقدمت فرنسا بتاريخ 13 فيفري/شباط 1960 على تفجير أولى قنابلها النووية ببلدة الحمودية في صحراء رقان التابعة لمحافظة أدرار الجزائرية (1600 كلم جنوب العاصمة) وصلت طاقتها التفجيرية إلى حدود 70 كيلوطناً، في مأساة أطلق عليها محليا ذكرى quot;اليربوع الأزرقquot;.

وتقوم الخطة الفرنسية المُرتقب تجسيدها بحر العام الجاري، على منح الضحايا تعويضات مالية، ورصدت للغرض مخصصات زادت عن العشرة ملايين يورو، وستشرع لجنة مستقلة مكونة من أطباء مختصين لدراسة ملفات الضحايا، والتأكد من تطابق أعراضهم مع الأمراض الثمانية عشر التي تسببت بها الإشعاعات النووية، بينها سرطان الغدة وسرطان الدم، ولم تستبعد الدوائر الرسمية الفرنسية أن تشهد لائحة الضحايا اتساعا، إذا ما جرى الكشف عن لائحة أمراض لها صلة بالتجارب النووية المثيرة للجدل.

وتقول بحوث تاريخية أنّ الفرنسيين نفذوا في السنوات الأخيرة لاحتلالهم الجزائر، ما لا يقلّ عن 210 تجربة نووية بمناطق متعددة من الصحراء الجزائرية، ما أدى إلى مقتل 60 ألف شخص على الأقل، علما أنّ آخر بحثين لكل من quot;عمار منصوريquot; الباحث الجزائري في المجال النووي، والباحث الفرنسي quot;برينو باريلوquot; تحدثا عن 57 تجربة فحسب، وتضمنت إفادتهما حقائق مريعة حول الذي حدث قبل عشرات السنين، استنادا إلى معلومات تم الحصول عليها عن طريق جمعيات فرنسية مهتمة بتلك التجارب، بعدما ظلّ الاطلاع على الأرشيف الفرنسي مستعصيا على جمهور الباحثين.

وأفيد أنّ تجارب فرنسا النووية بالصحراء الجزائرية الكبرى بين فيفري/شباط 1960 ونوفمبر/تشرين الثاني 1966، أسفرت عن آثار وخيمة ستستمر في الظهور مع مرور الزمن، على شاكلة الإشعاعات النووية التي تسربت في الجو جراء هذه التجارب قد تشكل خطرا مع مرور الوقت على صحة الإنسان والبيئة لاسيما فيما يتعلق بالثروة النباتية والحيوانية، خصوصا مع عدم دفن النفايات النووية الناجمة عن هذه التجارب بطرق تقنية محكمة ودقيقة، خلافا لمزاعم السلطات الفرنسية التي كانت قد أشارت إلى أنّ هذه النفايات quot;رُدمت في عمق الأرض وتمت إزالتها نهائياquot;.

ودفاعا عن طروحاتهم، استشهد باحثون بدراسات أجرتها الوكالة الدولية للطاقة النووية حول quot;خطورة التجارب النووية الفرنسية بالجزائرquot;، وأكدت فيها مدى تضرر المناطق التي أجريت بها هذه التجارب نتيجة تعرضها لحوادث وإنفجارات أدت إلى تسرب الإشعاعات النووية في الجو بمنطقة رقان المشتهرة بكونها تحتوي على أكبر تجمع مائي هناك، وأشار منصوري إلى خطورة التجارب النووية الباطنية من خلال معاينات أجراها على مستوى مناطق كانت عرضة لتلك التجارب، حيث اكتشف ثلاثة أقفاص احتوت على بقايا حيوانات كانت عرضة للتجارب، وهو ما يظهر زيف نفي الجهات الفرنسية التي كذبت في وقت سابق صحة إجرائها تجارب نووية على الحيوانات .

من جانبه، اعتبر الدكتور العراقي عبد الكاظم العبودي أن التجارب النووية الفرنسية بالجزائر تعدّ quot;جريمة حرب بكل المعاييرquot;، وقدّر العبودي المختص في البيوتكنولوجيا النووية، أنّ قوة التفجيرات النووية الفرنسية فاقت في بعض المرات أربع مرات قدرة تفجير قنبلة هيروشيما النووية .

كما ركّز أستاذ الفيزياء النووية بجامعة وهران، أنّ تأثير الإشعاعات التي خلفتها تلك التفجيرات يستمر تأثيرها حتى 24 ألف سنة قادمة بحسب علم الفيزياء، معتبرا أنّ حديث فرنسا عن قانون يقضي بتعويض المتضررين من تلك التفجيرات لا يكفي، محيلا على أمراض ظهرت جراء تلك الإشعاعات وامتدت حتى دول الجوار، ورأى العبودي أنّ التكتم الذي تمارسه فرنسا على تلك الجرائم وعدم الاعتراف بارتكابها، يدل على مدى بشاعتها، وتخوف فرنسا الرسمية من تحمل تبعات ما اقترفته أيادي فرنسا الكولونيالية .

ويؤكد البروفيسور العبودي الذي اشتغل على الملف لسنوات طويلة، إنّ فرنسا حاولت من وراء تجاربها، تجسيد مشروعها النووي العسكري من خلال اختيار بعض مستعمراتها في افريقيا والمحيط الهادئ وكذلك صحراء الجزائر لإجراء تجاربها، وأشار العبودي إلى جسامة الخسائر البيئية والمشاكل الصحية التي تعرض لها سكان هذه المناطق من جراء هذه الانفجارات، والتي لا تزال تبعاتها معايشة إلى غاية اليوم.

وتقول دراسات تاريخية إنّ فرنسا أقدمت بتاريخ 13 فيفري/شباط 1960 على تفجير أولى قنابلها النووية ببلدة الحمودية في صحراء رقان الجزائرية (1600 كلم جنوب العاصمة) ووصلت طاقتها التفجيرية آنذاك إلى حدود 70 كيلوطناً، في مأساة أطلق عليها مختصون quot;اليربوع الأزرقquot;، ويشدّد خبراء على أنّ تجربة 13 فبراير 1960 كارثة نووية بكل المقاييس، إذ فاقت قوتها التفجيرية سبعة أضعاف ما خلفته قنبلتي هيروشيما وناجازاكي في الحرب العالمية الثانية، بدليل أن ثماني تجارب بمجموع قوة وصلت 234 كيلوطن من المتفجرات، خلال فترة هبوب الرياح الرملية بالصحراء، وهـو ما تؤكده بيانات تاريخية محفوظة.

وسعيا منها للانضمام للنادي النووي، استخدمت فرنسا الاستعمارية، السكان المحليين رجالا ونساء وبعض الأسرى والمجاهدين وعناصر من اللفيف الأجنبي وحيوانات وحشرات وطيورا وبذور نباتات مختلفة، كحقول تجارب وتم ربط وصلب الضحايا لساعات مبكرة قبل كل عملية تفجير خاصة منها السطحية، وقبل وإثر كل جريمة يتم إحصاء القرى والضحايا، كما كان اختيار فترة أغلب التفجيرات غير سليم لاعتبارات تتعلق بالمناخ في المنطقة، أما النتائج فكانت وماتزال وخيمة بحسب الباحثين والسكان؛ على غرار ما أفرزته من أمراض السرطان والجلد والعيون والتشوهات الخلقية المستفحلة.

ويذكر شهود عيان لا زالوا أحياء، أنّه منذ أول تفجير نووي لم يروا خيرا، حيث تفاقمت الوفيات دون أعراض مرضيـة معروفة، بجانب كثرة الحساسية الجلدية عند السكان المحليين، بجانب فقدان البصر والسمع والأمراض التنفسية، وظهرت أعراض غريبة على المرضى، منها ظاهرة صعوبة تخثر الدم عند الجرحى، كما لوحظت حساسية مفرطة عند الأطفال بعد إجراء بعض التلقيحات، وغالبا ما تلاحظ مضاعفات عقب تلقي المرضى لجرعات أو حقن المضادات الحيوية، كما لوحظت ظاهرة التشوهات الخلقية لدى المواليد الجدد، كصغر حجم الجمجمة أو ما يصطلح عليه طبيا ''ميكرو سيفالي'' أو تضخمها ''ماكرو سيفالي''، كما انذهبت مظاهر الربيع، وتراجع عمر الإبل إلى أقل من 20 سنة، وحتى الأشجار اصيبت بالعقم.

والزائر اليوم لمنطقة رقان يقف على خطورة انتشار أمراض العيون وتراجع الولادات، وتوضّح أبحاث أنه ورغم مرور 47 سنة على أول تفجير نووي بالصحراء الجزائرية، إلاّ أن قطر المنطقة المحيطة، لا يزال مشعا بصفة حادة ما دفع السلطات لحظر الدخول إليها، كما أنّ المساحات التي استهدفها الإشعاع كانت شاسعة وأكبر من المتوقع ومتداخلة التأثيرات. والأخطر جدا، هو أن فرنسا لم تسلّم لحد الآن أي خرائط لمواقع التفجيرات، وكل ما أفلحت فيه هو تحطيم الطريق الموصل لقاعدة quot;الحموديةquot; وترك بعض الآليات عرضة لزحف الرمال الملوثة، فضلا عن فقدان بعض إشارات مواقع الخطر بفعل هبوب العواصف وزحف الرمال، في حين كشفت دراسات أنّ تجربة مونيك (27 فيفري/شباط 1965) التي أجريت بجبل إينكر كانت الأقوى (127 كليوطن) وأنّ خبراء يهود كانت لهم يد في عديد التفجيرات تبعا للتعاون النووي الفرنسي الاسرائيلي.

وتطالب جهات جزائرية كثيرة الطرف الفرنسي بفتح الأرشيف النووي، على ضوء ما تسبّبت به التفجيرات النووية المذكورة، في وقت تبقى فرنسا مصرة على تحديد مكان دفن النفايات السامة والمواد المشعة التي تشكل تهديدا خطيرا للإنسان والبيئة في الجزائر، تماما مثل معضلة الألغام الفرنسية التي زرعتها فرنسا في الجزائر، حيث تسبّب 11 مليون لغم زرعها الجيش الفرنسي في الجزائر خلال ثورة التحررية (1954-1962)، في مقتل ما لا يقل عن 12 ألف شخص، بينهم 7328 جزائريا خلال السنوات العشر الأخيرة، ناهيك عن تسببها في إعاقات وعاهات مستديمة لمئات الآخرين، وهي أرقام مخيفة برأي الخبراء، علما إنّ بيانات رسمية تؤكد إنّ ثلاثة ملايين لغم مضاد للأفراد، ما تزال مطمورة على طول الحدود الغربية والشرقية للجزائر شرقا وغربا بطول 1160 كلم، بعدما نجح جيشها في إتلاف ثمانية ملايين لغم خلال السنين الماضية.