إيلاف: لم تبق دولة لديها جسم يطفو وعليه مدفع رشاش أو حتى خرطوم ماء إلا ودفعت به إلى مياه المحيط الهندي قبالة سواحل الصومال لحراسة طرق التجارة البحرية في مياه المحيط وخليج عدن من هجمات القراصنة الصوماليين. وبدأت هذه التظاهرة البحرية تعبيرا عن التضامن الأممي بارسال أكثر من 30 دولة سفنا حربية بعد وقوع ما يربو على 111 هجوما العام الماضي. فعندما يتعلق الأمر بالتجارة والمصالح الاقتصادية تزول كل التحفظات واسباب الجفاء.

لا ريب في ان اوضاع الصومال والصراعات الداخلية التي تمزق هذا البلد والفقر المدقع والجشع الخالص ، كلها أسهمت في صنع ظاهرة القرصنة وتفاقهما. ولكن ثمة حقيقة أخرى لا تحظى بعُشر الاهتمام الذي ينصب على مكافحة القراصنة الصوماليين. وتتمثل هذه الحقيقة المرة في ان القرصنة الصومالية نتيجة وليست سببا ، انها نتيجة الاستغلال الذي مارسته قوى أجنبية نهبت ثروات الصومال. وترى الباحثة مارا كابوتو Mara Caputo من مؤسسة quot;آي أس أنquot; ISN للعلاقات الدولية والدراست الأمنية في زوريخ ، سويسرا ، ان من اسباب اللامبالاة بهذا الواقع quot;انه يشكل في جانب منه ادانة شديدة لأوساط كبيرة من المجتمع الدوليquot;. وتضيف quot;ان حكومات أجنبية قامت بدور ملعون في خلق ظاهرة القرصنة وتكريسهاquot;.

كانت تحذيرات انطلقت من منظمات غير ربحية ومؤسسات بحثية مستقلة من ان أطرافا أجنبية تمارس قرصنتها الخاصة بمنأى عن المحاسبة ، لا سيما quot;القرصنة السمكيةquot;. فان سفنا تبحر في مياه الصومال لصيد الاسماك بصورة غير قانونية وعملت في مجرى نشاطها هذا على تخريب نظام البيئة البحرية الهش ، وكانت تنهب ما تُقدر قيمته بنحو 300 مليون دولار سنويا من الاسماك متسببة في قطع ارزاق الصيادين المحليين.

بعد انهيار الدولة الصومالية بسقوط نظام محمد سياد بري في عام 1991 تعرضت مياه الصومال عمليا الى غزو بحري شاركت فيه مئات من سفن الصيد الأجنبية مستغلة غياب الدولة وعجز السكان المحليين عن حماية مياه بلدهم من الصيد غير المشروع بقدراتهم الذاتية المتواضعة. ويؤكد مراقبون ان أطقم هذه السفن الأجنبية تعاملوا بعدوانية وقسوة مع الصياديين المحليين فكانوا يصدمون مراكبهم ويقطِّعون شباكهم أو يسرقونها ويصبون عليهم ماء يغلي من زوارقهم العالية على قواربهم البسيطة. بل أفاد موقع IRINNEWS.ORG الالكتروني ان سفن الصيد الأجنبية ذهبت الى حد quot;تغييبquot; الصياديين الصوماليين في مياه البحر وقتلهم.

في مواجهة هذه الاخطار التي تهدد ارواحهم ومصادر معيشتهم تحرك بعض الصيادين الصوماليين على قاعدة quot;قطع الأعناق ولا قطع الارزاقquot; فحملوا السلاح ضد ما كان بنظرهم لصوصية يرتكبها أجانب مستهدفين وجودهم ذاته. ونصَّب هؤلاء الصياديون أنفسهم قوات لخفر السواحل في غياب بحرية نظامية تحمي مياه بلدهم الاقليمية وشواطئه. ويقول محللون ان هؤلاء الصيادين الذين أخذوا على عاتقهم مهمات يُفترض ان تتولاها الحكومة ، تحالفوا مع أفراد ميليشيات كانوا يعملون تحت قيادة امراء حرب محليين فانبثقت من رحم هذا الحلف غير المقدس ظاهرة القرصنة الصومالية كما نعرفها اليوم.

كان من البديهي ان تنبري القوى الكبرى بشتى صنوف الاستنكار والادانة وأن تصدر الأمم المتحدة قرارات الشجب والتنديد وان تتابع وسائل الاعلام مساعي المجتمع الدولي لضمان سلامة الممرات المائية التجارية ، وان تفلت من دائرة الضوء في غمرة هذه الاهتمام قرصنة الصياديين الأجانب الذين واصلوا نشاطهم غير القانوني والاستغلالي بلا حسب أو رقيب.

ازداد وضع الصيادين المحليين تفاقما بوصول اساطيل العالم لمطاردة القراصنة ، وباتت سفن الصين الأجنبية غير القانونية تتمتع الآن بغطاء اضافي توفره اساطيل بلدانها. في غضون ذلك ما زال مركز أنباء الأمم المتحدة يبحث عن اجابة على سؤال طرحه صياد صومالي على المنظمة الدولية: quot;مَنْ يحمينا نحن؟ ان وجودنا يعتمد على اسماك البحرquot;.

تقول الباحثة مارا كابوتو ان النزعة الاستعمارية الجديدة لاستغلال ثروات افريقيا على حساب السكان المحليين ليست بالأكتشاف الجديد. وان هذه الحشود البحرية الأخيرة تؤكد الافلاس الأخلاقي لموقف اوساط ذات سطوة في المجتمع الدولي تجاه الشعوب الأفريقية الى جانب عجزها عن معالجة ازمات سببها مواطن خلل اجتماعية ـ اقتصادية وسياسية معقدة.

اعرب عدة نواب في البرلمان الاوروبي عن احتجاجهم على القطع البحرية التي ارسلها الاتحاد الاوروبي الى المياه الصومالية في مهمة لمكافحة القرصنة واصفين العملية بأنها quot;هراء عسكريquot;. ونقلت صحيفة quot;إي يو اوبزرفرquot; EU Observer عن عضو البرلمان الاوروبي ، البرتغالية آنا ماريا غوميش ان الهدف الوحيد لهذه المهمة هو quot;حماية المصالح الاقتصادية الاوروبية ، وطُز بالصوماليين الذين يموتون كالذبابquot; ، بحسب تعبير النائبة. مراقبون يحذرون من ان القرصنة الصومالية ستبقى ما بقي هذا الظلم قائما رغم كل الاساطيل. فالصياد الصومالي المسحوق لم يعد لديه ما يخسره.

قسم الترجمة: عبدالاله مجيد